اخر الاخبار

ترمب يسير بلا مكابح إلى أميركاه الجديدة… فهل يصل أم يتعثر؟

حتى تاريخ كتابة سطور هذا المقال، كان الأسبوع الثاني للرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض يطوي آخر ساعاته على إيقاع حرب تجارية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا وإلى حد ما الصين، وذلك في نهاية أسبوع حافل ظللته بلبلة في الخارج وإرباك في الداخل الأميركي.

بعد قرار ترمب بفرض تعريفات جمركية على المنتجات القادمة من المكسيك وكندا بنسبة 25%، والصين بنسبة 10%، ردت مكسيكو وأوتاوا بقرار مماثل بفرض نفس النسبة من الرسوم على السلع الأميركية، فيما اعتبرت الصين أنه ما من رابح في الحروب التجارية.

وتحتل المكسيك منصب الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة بنسبة 15.9%، تليها كندا بنسبة 14.3% ، فالصين بنسبة 10.9%، ما يعني أن القرار سينعكس ارتفاعاً في الأسعار على المستهلك الأميركي أيضاً، ما لم تكن هناك مقاربة مختلفة. 

لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض كانت ردت على أسئلة الصحافيين بشأن هذه المسألة، بالقول إنه لا يمكن النظر إلى هذه المسألة من منظار ضيق ويجب مقاربتها بشمولية تأخذ بعين الاعتبار سياسة ترمب الاقتصادية بكاملها، والتي ستشمل لاحقاً الخفض الضريبي.

ترمب يعيد ترتيب علاقاته الخارجية

وكان ترمب قد عزا السبب في اتخاذ مثل هذا القرار إلى ما قال إنه استمرار في السماح بدخول مخدر الفنتانيل إلى الولايات المتحدة من كندا والمكسيك والصين. و قد أجاب عندما سُئِل من الصحافيين عما يمكن لتلك الدول القيام به لتجنب التعريفات تلك، أجاب ترمب: “لا شيء”.

وكانت كولومبيا قبل أيام قد تجنبت مصيراً مماثلاً لكندا والمكسيك، عندما اندلعت بينها والولايات المتحدة أزمة بعد رفض بوجوتا استقبال طائرات عسكرية أميركية تحمل مهاجريين كولومبيين غير شرعيين. فبعد تبادل البلدين التهديد بتعريفات جمركية، وتهديد واشنطن بقيود على التأشيرات، حُلت الأزمة بموافقة كولومبيا على إرسال طائرات لاستعادة مواطنيها.

 
ولم تقتصر البلبلة في علاقات واشنطن الدولية على “حديقتها الخلفية”. فقد كان للشرق الأوسط حصة الأسد في تصريحات ترمب، الذي قال إنه طلب من العاهل الأردني والرئيس المصري نقل جزء من سكان غزة إلى بلديهما.

وعلى الرغم من رفض البلدين لهذه التصريحات، إلا أن ترمب كررها أكثر ممن مرة مبدياً ثقته بأن البلدين سيقبلان بذلك. لكن مضمون هذه التصريحات لم يأت البيت على ذكرها عندما نشر بيان اتصال دونالد ترمب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، علماً أن بعض وسائل الإعلام ذكرت أنه تم التطرق لها بالفعل.

وعلى الرغم من الاهتزازات التي حملتها قرارات ترمب وتصريحاته المتعلقة بعلاقات واتفاقات أميركا الدولية، إلا أن ذلك بدا أقل بكثير من الاهتزازات التي يحدثها التحول الذي يجري العمل عليه في الداخل من قبل ترمب.

حالة ارتباك

ولعل أبرز ما يثبت ذلك، الارتباك الذي ساد على خلفية مذكرة من مكتب الإدارة والموازنة في البيت الأبيض توجه بوقف تمويل برامج المساعدات الحكومية. 

وتشمل هذه البرامج من بين ما تشمله المنح الدراسية، المساعدات للحالات الطارئة وغيرها. لكن البيت الأبيض سحب المذكرة بعد حالة القلق التي سيطرت على المواطنين الأميركيين، قبل وقفه من قبل قاض فيدرالي.

وبدا الارتباك مماثلاً، لما حصل على خلفية قرار ترمب في الأسبوع الأول تجميد كل المساعدات الخارجية. لكنه تضاعف أكثر هذا الأسبوع بعد أن انصب تركيز ترمب على برامج تسهل تلك المساعدات للدول الأجنبية، من بينها برنامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي حجب موقعها الإلكتروني وسط أحاديث عن إمكانية دمجها في وزارة الخارجية.

وتأسست الوكالة عام 1961، ويعمل فيها حالياً قرابة 10 آلاف موظف. وكانت إدارة ترمب قد طلبت من أحد مسؤولي الوكالة طرد 60 موظفاً ممن لم يتجاوبوا مع أوامر ترمب التنفيذية بوقف أي تمويل. لكن المسؤول رفض فتمت إقالته هو، وحجب موقع الوكالة التي لا يعرف مصيرها بعد.

وكان الديمقراطيون قد شنوا هجوماً حاداً على ترمب على خلفية قراره بشأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. لكن نائب الرئيس جاي دي فانس رد في تغريدة على منصة “إكس” متوجهاً فيها إلى الصحافيين بالقول: “عندما ينتخب الشعب رئيساً ثم يفعل ما وعد به، فهذه ديمقراطية. عندما يحبط البيروقراطيون غير المنتخبين عمل الرئيس، فهذه أوليغارشية. يرفض ترمب الخضوع لهذه الأوليغارشية. أربطوا أحزمة الأمان”.

“أوليغارشية”

وكان تعبير الأوليغارشية قد استخدم من قبل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في خطاب الوداع للأميركيين، حذر فيه من تشكل أوليغارشية في الولايات المتحدة وتأثيرها على الديمقراطية في إشارة إلى ترمب ورجال الأعمال والأثرياء المحيطين به، من أمثال الرئيس التنفيذي لمنصة “إكس” إيلون ماسك، ومؤسس Amazon جيف بيزوس، والرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام ألتمان. 

والأوليغارشية تعبير لنظام حكم مختلف غالباً ما يكون بيد مجموعة صغيرة من المؤثرين، من الأثرياء ورجال الأعمال. ولطالما استخدم للإشارة إلى الدائرة المحيطة بالكرملين في روسيا.

لكن ترمب في مقابلة من العام 1988 قال إنه إن كان ليخوض سباقاً إلى البيت الأبيض، فلأنه تعب مما يحدث لهذا البلد، طارحاً مقاربة تكاد تكون متطابقة لما يقوم به اليوم دون تغيير يذكر. 

وترمب الذي جرب محاباة المؤسسة في ولايته الأولى، يبدو مصمماً على تفكيكها هذه المرة. والحديث هنا ليس للاستهلاك الإعلامي. ويكفي مراقبة الرجل وهو يتحدث عن زعماء العالم، ومعهم، وكيف يقود تصفية الحسابات مع خصومه ممن وقفوا في وجهه المرة الماضية، على غرار رئيس هيئة الأركان الجنرال مارك ميلي الذي أزيلت صورته من وزارة الدفاع وألغيت حراسته، وبدأت الوزارة في التحقيق بسلوكه. ولطالما عرف عن ميلي عدم إعجابه بترمب في الولاية الأولى.

وعملية التفكيك تجري على قدم وساق، بوتيرة لم يكن أحد يتخيل سرعتها. فلطالما سمعت كلاماً عن الدبلوماسيين يقول إن الدول غالباً لا تبني مواقفها على ما يقال في الحملات الانتخابية وإنما بناء على ما يقال من الفائز فيها بعدها.

وكشف إيلون ماسك الذي يترأس مكتب إدارة الكفاءة الحكومية، ويقود عملية خفض الإنفاق، أنه ينام وفريقه في المكتب الذي أعطي لهم في مبنى أيزنهاور في البيت الأبيض. وقد أثنى ترمب على ما قاموا به حتى الآن ـ مشيراً إلى خفض في الإنفاق بنسبة تتجاوز التريليون دولار.

كما سربت بعض وسائل الإعلام أنه حد من وصول بعض الموظفين إلى أنظمة الكومبيوتر التي تحتوي على بيانات الموظفين الحكوميين.  

وكان ترمب قد قام بطرد قرابة 18 مفتشاً عاماً من الذين تقوم مهمتهم على مراقبة أداء وزرائه. على الرغم من أن هذا القرار يجب أن يكون الكونجرس على علم به قبل 30 يوماً من تنفيذه. 
 
وإذ أن الدرس المستقى من فوز ترمب رئاسياً مرتين خلافاً لكل التوقعات، فإنه من الحكمة بمكان الانتظار لاستبيان الصورة التي ستكون عليها أميركا الجديدة في عصرها الذهبي، بحسب تعبير الرجل. لكن الثابت والواضح أن ترمب يسير إلى تلك الوجهة بلا مكابح. فهل يصل أسرع أم يتعثر؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *