تركيا في قلب العالم.. استراتيجيات وتحالفات إقليمية
اخبار تركيا
تركيا تسعى لتثبيت مكانتها كقوة صاعدة في قلب أفروأوراسيا، من خلال تعزيز تحالفاتها الإقليمية مثل منظمة الدول التركية والتحالف الثلاثي مع أذربيجان وأوزبكستان.
ومع تركيزها على “الممر الأوسط” الذي يربط الشرق بالغرب، تواجه أنقرة تحديات جيوسياسية معقدة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب (مثل تنظيم “بي كي كي/واي بي جي”)، والتنافس على النفوذ في شرق المتوسط، وإدارة العلاقات مع القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران.
رغم هذه التحديات، تظل تركيا حريصة على تحقيق طموحاتها الاستراتيجية كجسر بين القارات وقوة إقليمية فاعلة.
في هذا الصدد، يرى الكاتب والمحلل التركينيدرت إيرسانال، أنالرئيس رجب طيب أردوغان حدد في آخر اجتماع له مع الكتلة البرلمانية لحزبه، إطارا واسعا مفاده أن تركيا هي”النجم الصاعد في منطقة أفروأوراسيا التي تعد قلب العالم”.
وقال إيرسانال في مقال بصحيفة يني شفق إن هذا الإطار الواسع الذي حدده الرئيس أردوغان يكشف عن الموقع الذي تحتله تركيا على الخارطة الجيوسياسية ويلخص طموحاتنا المستقبلية وبعض تحركات بلادنا الحالية.
وضمن هذا الإطار، هناك “دائرة داخلية” وهي منظمة الدول التركية، والتي تضم في نواتها أيضا تحالفًا ثلاثيا بين تركيا وأذربيجان وأوزبكستان. وقد جرى توثيق هذا التعاون من خلال “إعلان أنقرة”. وفقا للكاتب.
وأوضح الكاتب أن العمل لم يقتصل على صياغة الاتفاقيات الشاملة على وزراء الخارجية فقط، بل شارك فيها وزراء التجارة والنقل والطاقة من الدول المعنية. وقد تم التأكيد في هذه الاتفاقيات على أهمية “منظمة التعاون التركية” كمحور رئيسي.
وجاء في المقال:
لدينا ثلاث دوائر متداخلة: أفروأوراسيا، ومنظمة التعاون التركية، والنواة التي تشكلها تركيا وأذربيجان وأوزبكستان. وتقع هذه الدوائر جميعها على “الممر الأوسط” الذي يربط بين الصين وبريطانيا، وبين الشرق والغرب.
وبغض النظر عن الدائرة التي ننظر إليها، نجد أن جميعها تشير إلى “الشرق”. وقد أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قائلا “لقد أثبتت الأزمات أن المسار الاقتصادي الأكثر موثوقية والأسرع بين القارتين الآسيوية والأوروبية هو خط آسيا الوسطى بحر قزوين ـ جنوب القوقاز وتركيا”.
وقد سبق لنا أن سلطنا الضوء مرارا وتكرارا على أهمية “البحار الخمسة” التي تشمل بحر قزوين والأسود والأبيض والأحمر والخليج العربي، وكيف أنها تشكل منظومة جيوسياسية واحدة، حيث تتشابك الفرص والتحديات ضمن معادلة يوازي حجمها ثقلها الاستراتيجي.
ومن الأمثلة على ذلك، مصير ممر زانجيزور، والتوازنات بين جورجيا وأرمينيا، ومشروع “طريق التنمية” الاستراتيجي الذي يربط بين العراق وتركيا، وغيرها من القضايا.
ورغم أن هذه القضايا قد تبدو مجرد تفاصيل مقارنة بالرؤية الجيوسياسية الأوسع، فإنها تفرض تحديات معقدة تستوجب حلولًا دقيقة، لا سيما عند تعارض المصالح التركية المباشرة مع الدوائر الكبرى التي تشمل نحو ثلثي العالم.
ومن أهم هذه العقبات هي مصير تنظيم “بي كي كي/واي بي جي” الإرهابي.
إن تركيا تمتلك الإرادة الكافية للقضاء على الإرهاب، ولكن هناك العديد من العوامل التي تعقد هذا الأمر، مثل التغيرات الجارية في سوريا، ومستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وسعي إسرائيل لفرض معادلات أمنية جديدة في المنطقة، إلى جانب التغيرات المحتملة مع عودة ترامب، والصراع على استقطاب العراق والخليج داخل النظام الدولي، والتنافس على السيطرة على شرق البحر المتوسط. كما أن الصراع على النفوذ في شرق البحر الأبيض المتوسط، الممتد من إيران إلى قبرص، يمثل تحديًا استراتيجيًا آخر. كلها عوامل تضيف مزيدا من التعقيد للرؤية التركية.
ورغم أن الولايات المتحدة وبريطانيا تبدوان وكأنهما خرجتا من اللعبة، إلا أن دولاً أخرى مثل إيران التي تبدو ضعيفة وفرنسا وألمانيا لا تزال تحاول التدخل، ولعل اللقاء الأخير الذي جمع باريس بإدارة بارزاني ـ وإن لم يُفضِ إلى نتائج ملموسة ـ يُعَدّ إشارة واضحة إلى محاولتها إبقاء موطئ قدم لها في المنطقة. وقد رد وزير الخارجية التركي على شائعات حول إرسال فرنسا قوات إلى المنطقة بسخرية، قائلاً: “دعونا نرى ما إذا كان بإمكانهم فعل ذلك”.
لكن البريطانيين من قاموا بذلك؛ فقد تمكن الجيش البريطاني من إقامة قاعدة عسكرية في شمال العراق بالتفاهم مع حكومة بغداد. كانت هذه القاعدة في السابق قاعدة أمريكية. والتفسيرات التي تشير إلى رغبة الولايات المتحدة في تقليص اهتمامها بالمنطقة تدل على نوع من تبادل الأدوار بين واشنطن ولندن. وإلا فإن هذه التحركات لم تكن بمعزل عن الولايات المتحدة.
وتتجلى أهمية دور بريطانيا في المنطقة في قدرتها على بناء علاقات أكثر مرونة مع القوى المناهضة لأمريكا في المنطقة بما في ذلك التطورات الأخيرة في سوريا. وكذلك هي علاقات بريطانيا مع دول الخليج. كما أن سياسات الشرق الأوسط خلال فترة ترامب قد أكدت على مكانة الخليج، وعلى رأسها السعودية. تمامًا كما هو الحال مع وجود التحالف البريطانيالتركيالقطري.
ويمكننا إضافة قبرص اليونانية إلى هذه المعادلة. فتصريحات مسؤوليها بأن “اليونان لن تتمكن من تقديم الدعم في حال حدوث صراع، لكن إسرائيل ستتمكن من ذلك” تُضاف إلى سجل المشكلات المتراكمة في المنطقة.
وبالتالي، فإن أولويات تركيا تتركز على مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية، وحل القضية الفلسطينية، ووضع تل أبيب في الشرق الأوسط، وتحديد مصير تنظيم “بي كي كي/واي بي جي” الإرهابي، خاصة في ظل الغموض الذي يحيط بموقف الولايات المتحدة من هذه المنظمة.
أما بالنسبة للخطوات المقبلة التي قد تتخذها أمريكا تجاه التنظيم الإرهابي، فما زالت غير واضحة. ولكن إذا نظرت إلى التطورات والتصريحات، تشعر أن هناك توجهاً نحو حل التنظيم وسحب القوات الأمريكية من سوريا.
إن إعلان التلفزيون الإسرائيلي عن نية الولايات المتحدة سحب قواتها، إلى جانب تصريحات قادة تنظيم “بي كي كي/واي بي جي” الإرهابي عن استعدادهم للانضمام إلى الجيش السوري، بالإضافة إلى تصريحات ترامب التي قال فيها: “سوريا ليست ضمن مجال اهتمامنا. هناك ما يكفي من المشاكل هناك ونحن لا نرغب في التورط فيها”، كل هذه الأمور تشير إلى ذلك التوجه.
ولكن تجربة تركيا في مكافحة الإرهاب على مدار أربعة عقود تدفعها إلى الحذر الشديد، وتحثها على عدم الثقة في أي من هذه التصريحات.
ورغم أن هذا لا يعني أن كل شيء بإسرائيل، إلا أنها تظل من العوامل الأساسية. فتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي على جبل الشيخ، وهو جزء من الحدود السورية اللبنانية ويمتد إلى الجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان الأخيرة حول بقاء قواته في مرتفعات الجولان لأجل غير مسمى، قد يكون ردًا على الأخبار التي نشرتها وسائل الإعلام. هل يتغازل ترامب ونتنياهو قبل اجتماعهما المرتقب بين بهذه الطريقة؟
إن الاجتماع المرتقب بين ترامب ونتنياهو في بداية شهر فبراير سيكشف المزيد من الأدلة المهمة، كاستمرار رغبة نتنياهو في استخدام القوة، والتوازنات داخل الحكومة، وموقف الرأي العام الإسرائيلي من نتنياهو، وموقف الدول العربية من هذه التطورات، ومستقبل القضية الفلسطينية، وتحديد موقف إدارة ترامب بين الدفاع عن إسرائيل ودعم نتنياهو، كل هذه المسائل تتطلب تحليلًا موضوعيًا دقيقًا.