اخبار عمان

الثقافة الرقمية.. رؤية المستقبل | جريدة الرؤية العمانية

 

 

جابر حسين العُماني

[email protected]

 

كثيرة هي الثقافات المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، ومن تلك الثقافات: الثقافة الرقمية الحديثة، التي عرفت بأنها مجموعة من المعارف والمهارات والسلوكيات المتعلقة باستخدام التقنيات الرقمية في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية. وتعد الثقافة الرقمية من أهم أجزاء الحياة التعليمية في المجتمع البشري.

ساهمت التكنولوجيا الحديثة بشكل فاعل وكبير في تحسين الكثير من أساليب التعليم المختلفة بطرق ابداعية مبتكرة وجديدة، وكان لها الأثر البالغ في وصول الإنسان إلى الكثير من الأهداف العلمية المتنوعة والمختلفة، وذلك من خلال تفعيل المنصات التعليمية الرقمية، وصناعة الفيديوهات، وكتابة المقالات البحثية، وغيرها الكثير، مما جعل من التعليم يصبح أكثر إشراقا بتنوع مصادر التعلم.

وأتاحت الثقافة الرقمية للراغبين في التعلم إمكانية اكتساب المعارف العلمية بسرعة وفعالية كبيرتين، وبشكل مستقل، وخارج أروقة المؤسسات التعليمية المنتشرة في البلاد، ومكنت الأفراد من الوصول إلى الدورات التعليمية والتثقيفية المتنوعة والمختلفة عبر شبكات الإنترنت، والاستفادة الكبيرة من فرص التعلم عن بعد، خصوصا في أوقات الأزمات الصحية التي عصفت بالمجتمعات العربية والإنسانية، وخير مثال على ذلك جائحة كورونا.

فقد قدمت الثقافة الرقمية للطلبة والطالبات الكثير من الفصول الافتراضية والمنصات التعليمية الفعّالة والمستمرة، وكان ذلك بهدف الوصول إلى النجاح والازدهار الاجتماعي الذي تنشده المجتمعات الواعية، وأصبح الطلبة والطالبات يتلقون مختلف العلوم وهم في مختلف مناطق العالم البشري، فضلًا عن التفاعل المباشر بين الطلاب ومعلميهم أو الموظفين ومسؤوليهم، مما عزز ذلك الكثير من فرص التعاون والتكاتف والتآزر بين الجميع.

ومن أهم وأبرز ما سخرته الثقافة الرقمية للإنسان هو تنمية المهارات الرقمية وجعلها جزءا لا يتجزأ من المناهج التعليمية المعاصرة مما سمح للجميع تطوير مهاراتهم التقنية، وذلك بالاهتمام بالبرمجة والذكاء الاصطناعي والتصميم الفاعل للمواقع المختلفة على شبكات الانترنت المختلفة، وتلك هي مهارات أساسية أصبح يهتم بها الكثيرون في أسواق العمل الحديثة والمعاصرة في العالم.

ومع تلك الفوائد التي يجنيها الانسان من الثقافة الرقمية إلا أن هناك الكثير من التحديات التي لا زالت تواجه مدارسنا العربية والاسلامية في تبني تلك الثقافة، ومن تلك التحديات التي ينبغي الالتفات لها ومعالجتها وتطويرها الآتي:

  • أولًا: نقص البنية التحتية في بعض الدول العربية، مثل: قلة إيجاد الدورات التعليمية المستمرة لتدريب المعلمين على الخوض المباشر في تلك التقنيات الرقمية، وكيفية تفعيلها بشكل أفضل لخدمة الانسان.
  • ثانيًا: قلة الحصص التعليمية والتثقيفية لطلاب المدارس حول تقنية الثقافة الرقمية وكيفية استخدامها بالطرق المشروعة والمسموح بها بما يتوافق مع القيم والمبادئ العربية والاسلامية.
  • ثالثًا: الفجوة الكبيرة بين المناطق المتحضرة من جهة، والمناطق الريفية الفقيرة من جهة أخرى، وقد يجد المتابع الاهتمام الكبير في التقنيات الرقمية في الأماكن المتحضرة كالعواصم مثلًا، ولكن لا يجدها في المناطق الريفية، مما يجعلنا اليوم أمام تحد في ايصال تلك التقنيات العلمية للجميع حتى يتمكن الانسان من الاستفادة المباشرة من الثقافة الرقمية حيثما كان، سواء في الحضر أو الريف.

وهنا يتطلب من الحكومات التركيز على الاهتمام بتدريس وتعليم الثقافة الرقمية وتعزيز استخدامها بشكل أفضل في المدارس والجامعات سواء كانت في العواصم المتحضرة أو الأماكن الريفية الفقيرة، والاستفادة من التجارب الناجحة من الدول المتقدمة في التعليم الرقمي، والتي نجحت في إدخال الثقافة الرقمية إلى مدارسها وجامعاتها وبيوتها وملاعبها وأسواقها وحدائقها العامة والخاصة.

وبالرغم من الفوائد الكبيرة التي تقدمها الثقافة الرقمية للبشرية إلا أنها تحتوي على الكثير من السلبيات التي يمكن أن تؤثر سلبا على المجتمع وأفراده ومن أبرز تلك السلبيات:

  • الإدمان الرقمي: وهو الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، وذلك بكثرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية وغيرها.
  • العزلة الاجتماعية: وهو اهتمام بالغ باستخدام التكنولوجيا، مما يقلل التفاعل الاجتماعي مع الأسرة والمجتمع.
  • الإضرار بالصحة: كإجهاد العينين واضطرابات النوم وآلام الرقبة، وغيرها من المشاكل الصحية.
  • ضعف التفكير النقدي: وهو الاعتماد على الثقافة الرقمية دون التحقق من صحتها.
  • تهديد الأخلاق والقيم: قد تؤدي الثقافة الرقمية إلى محاربة القيم والمبادئ الإنسانية، وذلك ببث الثقافات الغربية وسمومها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
  • انتهاك الخصوصيات: وذلك بالتعرض للاختراقات أو مشاركة المعلومات الخاصة ونشرها للغير.

وأخيرًا.. يتعين على مستخدمي تقنيات المعلومات وتبادل البيانات الرقمية تبني عادات رقمية صحية تخفف من الآثار السلبية المتزايدة على المجتمعات العربية والإسلامية، والاستفادة من الثقافة الرقمية كرؤية استشرافية للمستقبل.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *