سيطرة أميركا على غزة.. حدود رغبات ترمب وأهدافه الصعبة
بعد أقل من 48 ساعة على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الصادم، خططه بشأن السيطرة الأميركية على قطاع غزة، وملكية “طويلة الأمد للقطاع” بعد تهجير سكانه إلى دول مجاورة، خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن ترمب، الخميس، أن إسرائيل ستُسلم قطاع غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء القتال، وذلك على الرغم من الاعتراضات الدولية الواسعة على خططه.
وأثار إعلان ترمب عن تلك الخطط، الثلاثاء الماضي، موجة تنديد ورفض عربية ودولية لتهجير الفلسطينين أو نزع ملكيتهم للقطاع، وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، على حد وصف ترمب، ولكن أيضاً الشكوك بشأن جديته، رغم أن منشوره على “تروث سوشيال” الخميس، ربما يشير إلى اتفاقات وخطط عملية محتملة ينوي تنفيذها بالفعل.
ووسط الصدمة إزاء خطط ترمب وتصريحاته غير المسبوقة التي يبدو أنها فاجأت حتى وزير خارجيته ماركو روبيو، بدأت التساؤلات ليس فقط عن جدية ترمب، ولكن ما إذا كانت خططه ممكنة عملياً؟، وسط رفض الفلسطينيين المغادرة، ورفض الدول المجاورة استقبالهم وتهجيرهم، وما قد تعنيه تلك الخطط من حاجة إلى نشر جنود أميركيين في القطاع، وهو ما نفى ترمب نيته القيام به، الخميس، بعد أن كان ترك الباب مفتوحاً أمام هذا الخيار، قبل يومين.
وفيما قلل خبراء ومراقبون من تصريحات ترمب، باعتبار أنها ليست سوى “مناورة دبلوماسية”، تدخل في إطار أسلوب التشتيت والإلهاء لتحقيق “أهداف استراتيجية”، دعا دبلوماسيون أميركيون سابقون، إلى أهمية التعامل مع أهداف ترمب من وراء تلك التصريحات بـ”جدية عالية”.
إلهاء أم تكتيك تفاوضي؟
وبعد ساعات من إعلانه خططاً لفرض واقع جديد في غزة يقوم على “ملكية طويلة الأمد للقطاع”، وتهجير سكانه إلى “قطعة أرض جميلة بها منازل وأمان، وأن يعيشوا حياتهم في سلام ووئام”، ظهرت فكرة “الإلهاء” كتحليل أساسي لخطاب الرئيس.
وقال السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي عبر منصة “إكس”، “لدي أخبار لكم، لن نستولي على غزة. لكن وسائل الإعلام والنخب ستنشغل بهذا الموضوع لعدة أيام، وبهذا يكون ترمب قد نجح في تشتيت الانتباه عن القصة الحقيقية، وهي أن المليارديرات يستولون على الحكومة لسرقة الناس العادية”.
ولم تستبعد صحيفة “واشنطن بوست”، أن يكون الإعلان محاولة من ترمب لإلهاء الصحافيين والجمهور عن تحركاته هو وإيلون ماسك للسيطرة على المؤسسات الحكومية.
ولكن فرضية أخرى تشكك في جدية ترمب، بدأت في الظهور وتبناها نائب وزير الدفاع السابق وضابط وكالة الاستخبارات المركزية CIA المتقاعد، مايك مالوري، الذي اعتبر أن ترمب يستخدم تلك التصريحات كـ”تكتيك تفاوضي”، و”ورقة ضغط”.
وقال مالوري لـ”الشرق”، إن ترمب ربما لا يقصد تنفيذ هذه الخطة حرفياً، بل يستخدمها “كورقة ضغط لإجبار حلفائنا وشركائنا الإقليميين من دول المنطقة لتقديم حلول أخرى من جانبهم”.
ودلل مالوري على رأيه، بالإشارة إلى محاولة البيت الأبيض ووزارة الدفاع التراجع عن هذا الاقتراح أو التخفيف من حدته بشكل كبير، الأربعاء.
وبرر مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، مقترحات ترمب التي وصفها بـ”الجريئة والجديدة”، في مقابلة مع شبكة CBS NEWS الأميركية، بـ”غياب الحلول الأخرى”، وقال “لا أعتقد أنه يجب انتقادها بأي شكل من الأشكال.. أعتقد أنه يدفع كل المنطقة لتقديم حلولها الخاصة، إذا لم تعجبها حلول ترمب”.
وخففت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض من حدة تصريحات ترمب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، وأشارت إلى تهجير “مؤقت” وليس “دائم”.
وذكرت أن ترمب “لم يتعهد بإرسال قوات أميركية”، رغم تعهده بأن الولايات المتحدة ستساعد في تفكيك القنابل وتطهير المنطقة.
وأضافت أنه لن يتم إنفاق أموال دافعي الضرائب الأميركيين في إعادة الإعمار، رغم أن ترمب كان قد صرح سابقاً بأن الولايات المتحدة ستسيطر على غزة وتقوم بإدارة الأمور هناك.
جدية ترمب
مبعوث السلام الأميركي السابق في الشرق الأوسط، دينيس روس، استبعد التحليلات السابقة، مؤكداً أن ترمب “يعني تماماً ما قاله”، واعتبر روس في حديثه مع “الشرق”، أن ترمب “يبحث عن مقترحات عملية، وليس مجرد شعارات سياسية”، وفق قوله.
وأضاف أن ترمب “ينظر إلى هذا الأمر باعتباره مشكلة عملية، وبناءً على تجربته، يعتقد ترمب أنه لا يمكن إعادة بناء منطقة مدمرة مثل غزة، إذا بقي عدد كبير من السكان فيها. إنه لا يصدر حكماً سياسياً، بل يقدّم تقييماً عملياً”.
ورأى روس، الذي خدم في إدارتي جورج بوش وكلينتون، أن بعض الفلسطينيين في غزة يرغبون في المغادرة، في حين أن معظمهم لا يريدون أن “يُنظر إليهم على أنهم يتخلون عن وطنهم”.
ودعا روس المعترضين على رؤية ترمب، إلى البحث عن بدائل، قائلاً إنه “إذا لم يتمكن ترمب من تحقيق رؤيته المثلى لإعادة الإعمار، فربما يريد سماع البدائل العملية التي يقترحها القادة العرب للمساعدة في خلق واقع مختلف في غزة”.
ويتفق الدبلوماسي السابق والمنسق الخاص للشؤون الإقليمية في مكتب المبعوث الخاص للسلام في الشرق الأوسط التابع لوزارة الخارجية الأميركية، فريدريك هوف، مع روس في جدية وصدق اعتقاد ترمب بأن قطاع غزة ليس أكثر من “موقع هدم”، وأن اقتراحه يبدو “منطقياً تماماً لجميع المعنيين” وفق قوله، حيث “يرى المنطقة مدمرة لدرجة أنه من الصعب إعادة بناءها مع بقاء معظم السكان هناك”.
واستبعد هوف في حديثه مع “الشرق”، أن تكون خطة ترمب مجرد “مناورة تفاوضية”، قائلاً إن ترمب “يثق كثيراً في حدسه ورؤيته، وهو ليس مثقلاً بمعرفة تفاصيل تاريخ المنطقة وشعوبها، ويبدو أنه يعتقد بصدق أن الفلسطينيين في غزة، والأردنيين، والمصريين، وغيرهم، سيرون في النهاية حكمة وجدوى اقتراحه. ومع ذلك، هو الآن في مرحلة التعلم بأن هذا لن يحدث”.
من يملك التأثير على ترمب؟
واقترح ترمب أن يستقبل الأردن ومصر الفلسطينيين من غزة، بعد أن دمرتها الحرب الإسرائيلية وراح ضحيتها ما يقرب من 50 ألف فلسطيني، ولكن كلا البلدين رفضا أي خطط لتهجير الفلسطينيين.
ورغم اختلاف التفسيرات لإعلان ترمب، أكدت مارا رودمان، التي عملت في إدارتي بيل كلينتون (1993 – 2001) وباراك أوباما (2009 – 2017)، أنه يجب منعه من تحويله إلى حقيقة.
وقالت الرئيسة السابقة لمكتب المبعوث الخاص للسلام في الشرق الأوسط، ونائبة مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي سابقاً، لـ”الشرق”، إن ما أعرفه هو أن “السعودية التي تربطها علاقة قوية بالرئيس ترمب وعائلته، تستطيع أن تلعب دوراً رئيسياً في منع هذه الأفكار من التحول إلى حقيقة”.
واعتبرت رودمان، أن الرؤى المتعلقة بالاقتصاد والأمن الإقليميين والتي يمكن تحقيقها من خلال اتفاق سعودي إسرائيلي بدعم من الولايات المتحدة، “لا يمكن أن تتحقق إلا جنباً إلى جنب مع مسار واضح نحو دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، دون أي تحركات قسرية للأشخاص من أي من المنطقتين”.
وأصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً، بعد المؤتمر الصحافي لترمب، أكدت فيه على موقفها الراسخ من قيام دولة فلسطينية مستقلة، وأنها لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك، كما شدد البيان على رفضها القاطع للسعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.
خطة قابلة للتطبيق؟
في المؤتمر الصحافي، قال ترمب إن الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة، “وسنقوم بعملنا هناك أيضاً. سنتولى المسؤولية عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة الخطيرة والأسلحة الأخرى الموجودة في الموقع. سنسوي الموقع بالأرض ونتخلص من المباني المدمرة. سنسويه بالأرض” مع التأكيد على ضرورة “تهجير جميع الفلسطينيين من غزة”.
وبينما اعتبر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف، أن أي “نقل قسري” أو “ترحيل للأشخاص من أراض محتلة”، “محظور تماماً بموجب القانون الدولي، أكد مالوري أن خطة ترمب “غير قابلة للتطبيق”.
وقال مالوري إن اقتراحه (ترمب) غير عملي لأنه سيتطلب قوة عسكرية أميركية لنقل ما يقرب من مليوني شخص من غزة، رغماً عنهم، ودفعهم إلى دول عبّرت بوضوح عن رفضها استقبالهم، “وذلك يتعارض مع جميع حلفائنا وشركائنا الإقليميين وضد القانون الدولي”.
وذكر هوف أن تنفيذ الاقتراح، من الناحيتين القانونية والسياسية، سيتطلب موافقة طوعية من سكان غزة والدول التي ستستقبلهم. لافتاً إلى أن “هذا لن يتحقق”.
لكنه أكد في الوقت نفسه، على ضرورة عدم الاستهانة بالتدمير الكبير الذي لحق بقطاع غزة، والمشكلة المرعبة للذخائر غير المنفجرة، مرجحاً “نقل أعداد كبيرة من الناس مؤقتاً، إما إلى أماكن أخرى داخل القطاع أو إلى مخيمات في الخارج “في مصر أو إسرائيل، بحيث يمكن تطهير المناطق وإعادة إعمارها وجعلها آمنة للسكن البشري”، وفق قوله.
واستدرك قائلاً: “ولكن فكرة أن الولايات المتحدة ستكون طرفاً في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة تفتقر إلى التبرير القانوني والدعم السياسي من أولئك الذين سيتأثرون بذلك”.
وبينما أكد روس، أن اقتراح ترمب “لن ينجح، قانونياً ولا سياسياً، إلا إذا أراد الفلسطينيون المغادرة بمحض إرادتهم، وإذا كان لديهم دول يمكن أن تستوعبهم”، أشار إلى ضرورة أن يطرح القادة العرب البدائل العملية للمساعدة في خلق واقع مختلف في غزة، “حيث يمكن إعادة الإعمار على أساس منظقة منزوعة السلاح وحيث لا تعود حماس تسيطر على القطاع”.
وأضاف: “إذا بقي الوضع على حاله، فلن يكون هناك سوى قِلة على استعداد للاستثمار في غزة، مع العلم أن حماس ستركز على إعادة بناء نفسها وربما تبدأ حرباً أخرى حتى لو استغرق الأمر عدة سنوات للوصول إلى هذه النقطة”.
استثمارات ضخمة
وفي سياق آخر، قدم ديفيد فريدمان، السفير الأميركي السابق في إسرائيل خلال ولاية ترمب الأولى، والذي لعب دوراً بارزاً في نقل السفارة الأميركية إلى القدس ودعم المستوطنات، رؤيته بشأن خطة ترمب لغزة.
وزعم في منشور على منصة “إكس”، أن “أولئك الذين يصرخون بشأن (الإجلاء القسري) لا يفهمون الواقع على الأرض. أعلم، من خلال العديد من المحادثات المباشرة، أن معظم سكان غزة أرادوا المغادرة حتى قبل 7 أكتوبر، لكن لم تكن هناك دولة مستعدة لاستقبالهم. الآن، المشكلة أصبحت أكثر تعقيداً، إذ لم يعد هناك خيار فعلي للبقاء في غزة”.
وقال فريدمان في منشوره، أنه “بافتراض أن المدنيين يوافقون على المغادرة، ويرفض المتعاطفين مع حماس ذلك، فإن حماس ستُحرم من أقوى أسلحتها الاستراتيجية، وهي الدروع البشرية، مما سيسرع من القضاء عليها”.
وأشار السفير الأميركي السابق إلى “الإمكانات الاقتصادية لغزة، بما فيها 25 ميلاً من الشواطئ المطلة على البحر الأبيض المتوسط باتجاه الغرب”.
وقال: “بافتراض أن كل مشروع يمتد على 1000 قدم من الواجهة البحرية في المتوسط، فهذا يسمح بـ132 مشروعاً استثمارياً ضخماً بمئات الملايين من الدولارات على طول الساحل. بين الإنشاء والإدارة والخدمات، هذا يوفر فرص عمل لمئات الآلاف من الأشخاص. يبدو كأنه فرصة استثمارية مثالية لصندوق الثروة السيادي الجديد للولايات المتحدة، مما يجعل أميركا غنية والشرق الأوسط آمناً”.