هل سيطالب ترامب بمضيق البوسفور أيضًا؟
![](https://sharqakhbar.com/wp-content/uploads/2025/02/s_22-780x470.jpeg)
إبراهيم قاراغول يني شفق
شهد العالم هذا الأسبوع اجتماعين بارزين؛ الأول بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس السوري أحمد الشرع، والثاني بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو. وكلاهما سيترك بصمات عميقة في تاريخ الجغرافيا السياسية. لأن هذين الاجتماعين، في أنقرة وواشنطن، جسّدا تصورين متناقضين للعالم. ولكن، أيّهما سينتصر؟
أحدهما يسعى لتوحيد الشعوب، ونشر السلام، وإقامة الشراكات، وإنهاء الصراعات، بينما الآخر يُبشّر بكارثة عالمية تقوم على التطهير العرقي، والإبادة الجماعية، والتهجير، والنهب، والسرقة.
العالم سيلقّن نتنياهو وترامب درسًا!
أيّ رؤية، وأي إرادة، وأي مسار هو الذي سيشكّل مستقبل العالم؟ وأيّهما أكثر قوةً واستدامة؟ على البشرية أن تختار بين هذين الاتجاهين، وتواجه الآخر بحزم.
لكن ترامب ونتنياهو سيكتشفان أن العالم لا يمكن أن يُبنى على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. فسيرورة التاريخ ستجبرهما على التعلم، وستفرض عليهما قوانينها.
بينما نبني الجغرافيا، الغرب يعيد توجيه أطماعه نحو منطقتنا!
لكن علينا أن نكون مستعدين لهذه الحقيقة: فبينما نحاول إعادة رسم معالم المنطقة، وإنهاء الصراعات الداخلية والعداوات الإقليمية، وبناء مساحات مشتركة، وبينما نسعى للتغلب على قرنٍ من الإرهاب والحروب والفقر، تعود القوى الغربية مجددًا بغزواتها وطمعها ونهبها، متجهةً نحو منطقتنا.
ترامب يُستخدم كالسلاح النووي… بعد الإبادة الجماعية، التطهير العرقي!
منح الرئيس الأمريكي ترامب لإسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ تطهير عرقي بعد ارتكابها الإبادة الجماعية في غزة. فقد أعلن صراحةً أنه سيدعم ترحيل الفلسطينيين من وطنهم، وسيسمح لقواته العسكرية باحتلال المنطقة.
وفي الاجتماع الذي جرى في البيت الأبيض، قام مجرم الحرب نتنياهو بجرّ ترامب إلى محور الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وأقنعه بهذا المسار، بل وحرّضه عليه. لقد وجد طريقةً لاستخدام ترامب كسلاحٍ نووي ضد العالم بأسره.
يبدو أن ترامب ونتنياهو يعيشان في وهمٍ بعيدٍ عن كل الحقائق، يتقاسمان الأراضي داخل البيت الأبيض، ويخططان لعمليات الإبادة والتهجير، في مشهدٍ مروع لانحراف القادة وفقدانهم السيطرة.
سيطلب مضيق البوسفور أيضًا… وسيقول: “نحن بحاجة إليه”… إنه عصر الشيطنة!
من الواضح أن نتنياهو لن يكتفي باستخدام “السلاح ترامب” في غزة فقط، بل سيمدّه إلى لبنان والضفة الغربية وسيناء وسوريا أيضًا. ولا شك أن ترامب، في مرحلةٍ لاحقة، سيطالب بكل هذه المناطق، وسيدفع إسرائيل للمطالبة بجزءٍ من سوريا، فكونوا مستعدين لذلك!
يبدو أنهم وضعوا خطةً تقضي بأن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على هذه المناطق ثم تسلّمها لإسرائيل، وهو ما يُجرى تطبيقه حاليًا في غزة.
إن من يقول: “سأضم كندا، وسأسيطر على بنما، وسأستولي على غرينلاند، وسأحتل غزة”، قد يأتي اليوم الذي يعلن فيه: “سأسيطر على قناة السويس، ومضيق ملقا، ومضيق البوسفور، لأنني بحاجةٍ اقتصادية إليها”.
لقد تم فتح أبواب عصرٍ جديد من التطرف والشرّ، حيث أصبحت الأطماع بلا حدود، والنهب بلا قيود.
سيوجّه أنظاره نحو أوروبا… ثم روسيا!
تخيّلوا أن ترامب، الذي ركّز اهتمامه على أمريكا اللاتينية لفترة، سيوجّه أنظاره لاحقًا نحو أوروبا، وقد يطالب بالسيطرة على المجالات الاقتصادية هناك. لقد بدأ بالفعل في المطالبة بأراضٍ وثروات معدنية من أوكرانيا، التي باتت منهارة اليوم.
تخيّلوا أنه قد يبدأ بفرض إملاءات اقتصادية على فرنسا وألمانيا ودول جنوب أوروبا أشبه بما يُعرف بـ”الجزية”. باستثناء بعض الحالات النادرة، قد تتمكن أوروبا من حماية نفسها من الهيمنة الأمريكية. وقد يكون هذا هو بداية الانقسام داخل القارة الأوروبية.
علاوة على ذلك، لا يمكن استبعاد أن يسعى ترامب للاستيلاء على الموارد المعدنية ومصادر الطاقة الروسية، وأن يتجاهل وجود روسيا تمامًا في القطب الشمالي. لكن من السذاجة الاعتقاد بأن روسيا أو حتى أوروبا ستخضعان لمطالب ترامب بهذه السهولة.
سيفرض الجزية على دول الخليج… وسيطالب بمئات المليارات من الدولارات!
يمكننا التوقع أن يبدأ ترامب باستخدام الابتزاز للسيطرة على ثروات العالم العربي، وأن يُقدّم للدول قوائم “ديون” بمئات المليارات من الدولارات.
تصوّروا أنه قد يهدد السعودية، والإمارات، وجميع دول الخليج قائلًا: “إذا لم تدفعوا هذه الأموال، سأقوم باحتلالكم”. بل ربما يصل به الأمر إلى القول: “أحتاج إلى مدينة مثل دبي، وعليكم أن تقدّموها لي”.
لكننا وكذلك العالم لا ينبغي أن نخاف من ذلك. فالولايات المتحدة ليست بهذه القوة. إسرائيل ليست بهذه القوة. إنهم يحاولون إثارة عاصفة، ويعتقدون أنهم يستطيعون بدء عصر جديد من القرصنة، وأن بإمكانهم نهب كل دولة، وتخويف كل أمة.
هلاك إسرائيل… وتفكك الولايات المتحدة!
لكنهم سيكتشفون أن العالم لا يعمل بهذه الطريقة، ولن يسير وفق أوهامهم. وسيدركون أن لا أحد سيركع أمامهم، وأن الشرّ الذي ينشرونه سيرتدّ عليهم. وسيؤدي هذا العقاب إلى هلاك إسرائيل، وتفكك الولايات المتحدة بالكامل.
نعم، لقد بدأ عصر “الدول القائدة”، وظهرت قوى إقليمية كبرى تتحدى الهيمنة الأمريكية. ولم يعد الأمر مقتصرًا على الولايات المتحدة وحدها. فالإمبراطوريات الجديدة تصعد، وتضيّق الخناق على نفوذ واشنطن، وستواصل تقليصه أكثر فأكثر.
في النهاية، ستُحصر قوة الولايات المتحدة ضمن حدودها الجغرافية. أما محاولة إسرائيل تقليد أمريكا في توسيع أراضيها، فستنتهي بالفشل الذريع.
الصين صامتة، تركيا صامتة، روسيا صامتة… لماذا برأيكم؟
لاحظوا أن الصين صامتة. تركيا صامتة. روسيا صامتة. أوروبا صامتة. إنهم يراقبون وينتظرون، لكن ليس بسبب الخوف.
ليس بسبب القلق، بل لأنهم أكثر ذكاءً، وأكثر حكمةً، وأكثر حذرًا، ولأنهم يرون المستقبل بشكل أوضح. يقولون: “دعهم يُحدثون بعض الضجيج”.
لم يردّ العالم بعد، ولم يقل كلمته الحاسمة. فالأمم العريقة التي صنعت التاريخ لم تتحرّك بعد، لكنها ستُعيد تشكيل المشهد قريبًا.
وماذا عنّا… ماذا نفعل؟
نحن ملتزمون بمسارنا الخاص. طريقنا يبدأ بالاستعداد للعواصف القادمة، وأولويتنا هي إغلاق جبهات الصراع داخل جغرافيتنا.
بينما تتعرض جميع دول منطقتنا للتهديد، يجب أن نقول لها: “تعالوا لنتحالف معًا، لنتّحد في مواجهة التهديدات المشتركة. إذا بقي كل بلد بمفرده، ستجتاحه العاصفة وتدمره واحدًا تلو الآخر”. وهذا ما نفعله بالفعل.
إن المسار الذي رسمته تركيا ليس مجرد حماية لجغرافيتنا، بل هو أيضًا فرصة للعالم لالتقاط أنفاسه، في مواجهة الفوضى التي يصنعها التطهير العرقي، والإبادة الجماعية، والنهب، والاحتلال، وكل هذه العواصف المدمرة.
أغلقنا قوس القرن العشرين… أسقطنا النظام القائم منذ مئة عام!
الاجتماع الذي عقده الرئيس رجب طيب أردوغان مع الرئيس السوري أحمد الشرع في أنقرة يُعدّ أحد أكبر الخطوات نحو إنهاء الحقبة الاستعمارية التي فرضها الغرب على منطقتنا بعد سقوط الدولة العثمانية، وإرساء تاريخ جديد تصنعه المنطقة بنفسها، بعيدًا عن الهيمنة الخارجية.
لقد أسقط هذا الاجتماع النظام الذي بناه البريطانيون والأوروبيون على أساس الدولة القومية والبعثية، ثم أعادت الولايات المتحدة تشكيله بالكامل وفقًا لأولويات إسرائيل. وعلى الرغم من الضبابية وعدم اليقين اللذين يحيطان بالمشهد الحالي، فقد فتح هذا الحدث الباب أمام استعادة تاريخنا المشترك وتنقيته من الشوائب.
بعد انهيار الدولة العثمانية، سقطت المنطقة في حالة من الضياع، لكنها بدأت الآن في استعادة ذاتها بفضل القيادة التركية. وكما حدث بعد كل أزمة كبرى، وكل صدمة تاريخية عظيمة منذ الحروب الصليبية، يعود وعي المنطقة وهويتها للظهور مجددًا، من نفس النقطة التي انطلقت منها النهضات السابقة.
خريطة القوة تُرسم بدقة، خطوة خطوة، مشهدًا تلو الآخر
ندرك تمامًا المخاطر الة بإضفاء معانٍ كبيرة على حدث معين. لكن من يسعى إلى فهم التوجهات الجديدة، والتحولات الجذرية التي يشهدها الشرق والغرب، وأسباب الاضطرابات القائمة، سيدرك أن العالم والمنطقة يواجهان أعنف تغيير منذ بداية الاستعمار الغربي.
عند النظر إلى المشهد من هذا المنظور، سيدرك الجميع أن تركيا أصبحت مركزًا لنظام عالمي جديد، وأن موجة التغيير التي تمتد من آسيا الوسطى إلى إفريقيا ستُعيد تشكيل قلب الجغرافيا العالمية. وسيرون كيف تُرسم خريطة القوة الجديدة بخطوات مدروسة، وكيف تكتمل الصورة بالتدريج، مشهدًا تلو الآخر، بتفاصيل دقيقة تُعيد رسم المشهد العالمي.
انحرف محور العالم بالكامل… ونحن نبني محورًا جديدًا!
كل ما اعتدنا عليه في السياسة، وكل المفاهيم التي تعلمناها حول القوة، والهوية، وتنظيم الدول، يتلاشى في خضم هذه العاصفة الكبرى. كل من لا يزال ينظر إلى الحاضر والمستقبل بمنطق الماضي، سيتوه في الضباب الكثيف.
لم تعد مفاهيم الصداقة والعداوة كما عُلمنا إياها. كل ما حُفر في أذهاننا يُمحى. نحن نكتب جملًا جديدة، نعيد تعريف القوة، ونكتشف تحالفات جديدة، وبينما يشهد العالم بأسره تحولات محورية، نُدرك نحن محورنا الخاص.
المستقبل الذي أمامنا يدفعنا، بل يُجبرنا، على الاستيقاظ في عالم جديد، على خريطة جديدة، في جغرافيا مختلفة تمامًا.
لم يعد هناك شيء اسمه “المجتمع الدولي”!
لكن علينا أن نكون مستعدين
يتم الآن تدشين عصر جديد من الظلام تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل. ففي هذه المرحلة، التي يغذيها جشع لا حدود له يهدد البشرية جمعاء، لن يكون هناك وجود للقانون الدولي، ولن تكون هناك اتفاقيات دولية. ستختفي الكيانات فوق الوطنية، وسيُلغى أي مفهوم للأخلاق.
لن يكون هناك أي قواعد أو أعراف تكبح جماح الشر. لن يبقى هناك حديث عن الديمقراطية أو الحريات أو المبادئ الإنسانية. كل القيم التي كافحت البشرية من أجلها ستتلاشى. ستُمحى جميع المفاهيم التي تشكلت في أذهاننا. وسيصبح لكل دولة الحق في احتلال أي أرض تطمح إليها، دون أي رادع.
كيف يجب أن تستعد تركيا؟
في مثل هذه المرحلة، يجب على تركيا أن تتخلص بسرعة من جميع التهديدات الداخلية والخارجية المحيطة بها. لا مجال لإضاعة الوقت، بل عليها التحرك الفوري وتسريع خطواتها.
بعد ذلك، يجب أن تقدم رؤية لأمن مشترك يشمل المنطقة بأسرها. عليها أن تدعو كل دولة، من آسيا الوسطى إلى الخليج العربي، ومن الأناضول إلى البحر الأحمر وإفريقيا، إلى تبني “الموقف التركي”. يجب أن توضح للجميع أن لا دولة تستطيع البقاء وحدها في هذا العالم المتغير.
ترامب يقود أمريكا إلى الهلاك… ونحن ننتظر ذلك!
يجب أن نسجل هذه الحقيقة: اندفاع ترامب الأعمى سيوجه الضربة القاضية للولايات المتحدة نفسها. وسيترسخ في أذهان أوروبا، وأمريكا اللاتينية، وروسيا، وتركيا، والصين، بل وحتى لدى حلفاء واشنطن التقليديين، أن الولايات المتحدة أصبحت تهديدًا مشتركًا للجميع.
كلما هدّد بالاحتلال، وكلما فرض العقوبات التجارية، وكلما تصرف وكأنه الحاكم المطلق للعالم، زاد رفض الدول لهذا العصر الاستعماري الجديد، وستجد الولايات المتحدة نفسها معزولة داخل حدودها. وهذا بالضبط بداية تفكك الولايات المتحدة. وهذا أيضًا ما كنا نتوقعه منذ البداية.
العالم أكبر بكثير من أمريكا وإسرائيل… وأقوى منهما!
العالم لم يعد يخشى الولايات المتحدة. الواقع أن القوى العالمية تعدّ نفسها جيدًا لما هو قادم، بخطط واستراتيجيات تتجاوز مجرد التعامل مع السياسة الأمريكية قصيرة النظر.
هناك الكثيرون الذين أرادوا فوز ترامب لهذا السبب بالذات. فقد أرادوا أن يستمر في تأجيج الأزمات حتى تتضح الحقيقة المؤلمة: أن العالم أكبر بكثير وأقوى بكثير من أمريكا وإسرائيل، وسيدركون ذلك بالطريقة الصعبة.
تذكروا جيدًا: نحن نتحدث عن إسرائيل التي لم تستطع هزيمة حتى حماس، والتي لا تملك القدرة على الصمود أكثر من أسبوع واحد وحدها دون دعم خارجي.
ونتحدث عن الولايات المتحدة، التي لم تخض حربًا منفردة في تاريخها ولم تحقق أي نصر بمفردها. هذا الاستعراض للقوة ليس إلا خداعًا بصريًا، والعالم يدرك ذلك جيدًا. وعندما تدرك أمريكا وإسرائيل ذلك أيضًا، ستكون هذه هي نهاية لعبتهم.
سنراقب كل شيء بصمت وبرود…