وداعا سعيد الحلاو | جريدة الرؤية العمانية
![](https://sharqakhbar.com/wp-content/uploads/2025/02/zsKcB-780x470.jpeg)
ياسر بن حمود العلوي
ببالغ الحزن والأسى ودعت ولاية صورعبدالله بن صالح العريمي (سعيد الحلاو)، وهو أحد رموزها ورجالها الكرام فجر يوم الجمعة بتاريخ ٨ شعبان 1446هجريا يوافقه ٧ فبراير 2025 ميلادي.
عرف هذا الرجل الطيب بحسن الخلق، والتواضع، والإحسان، والسماحة. شهدت جنازته حضور جموع غفيرة وامتلأ مسجد التاحي لأداء صلاة الميت وشارك في تشييع جثمانه المواطنون والمقيمون وهذا إن دل فإنما يدل على محبة الناس له وكسب قلوبهم. يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام ” من اجتمع الناس على حبه أحبه الله “.
- سعيد وقلبه المعلق بمسجد التاحي
منذ طفولتنا عندما نزوره في بيته الكائن في منطقة الشرية وهو يحيي جميع صلواته في مسجد التاحي من صلاة الفجر إلى صلاة العشاء، ويصطحب معه أولاده طلال ومحمد وخالد ومحمود وعبد العزيز، وفي المسجد له احترامه وتقديره من الصغير والكبير، وقد لمست ذلك الشعور عندما يرحبون به ويتبادلون معه الحديث.
يقول تعالى في كتابه العزيز ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [طه 132]
لم يعرف البعض بأن المرحوم كان وكيلا لمسجد التاحي إلا بعد وفاته، وكان مهتم بشؤون المسجد وخدمته.
- سعيد العريمي وتجارة الحلوى
اشتهر سعيد بصناعة الحلوى فهو أشهر صانع حلوى بولاية صور، حتى وصلت شهرته إلى دول الخليج. هذه الشهرة لم تأت إلا بالصدق وحسن المعاملة، فكان سمحا في البيع، وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ” رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى “وكان المرحوم يشرف بنفسه على إعداد الحلوى ويضع المكونات ويختار الأجود والأفضل ، فالتاجر الصادق يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ونسأل الله أن يكون منهم يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء 69]
وفي طفولتنا كنا ندخل معه في مصنعه الصغير ونشاهده عندما يصنع الحلوى من البداية إلى النهاية، وكان يشعل الحطب، ونحس بحرارة النار الملتهبة ولا نستطيع تحمل الحرارة، رغم ذلك يقف خالي شامخا وصابرا، يقوم بتحريك (الملاس) لساعات ، ويضع المكونات في القدر من سمن وسكر ومكسرات وغيرها ، وبعد الانتهاء يقوم بتوزيع الحلوى لنا من يده الكريمة ، وتفوح رائحة الحلوى الطيبة في أزقة حارة الشرية .
نرى سعيدا وهو يمارس مهنته وفي ملامح وجهه التعب والجهد، ويتصبب العرق من جبينه، فهذه المهنة هي قوت عيشه ورزقه، ويعيل أسرته وأولاده وأرحامه من خيرها. فهو خير مثال يحتذى به في الصبر والكفاح من أجل لقمة العيش الكريم، وبالعمل تغفر الذنوب وتكفر السيئات. يقول سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
” من أمسى كالا من عمله أمسى مغفورا له “
- سعيد وعلاقته بالناس
إن علاقة سعيد بالناس علاقة محبة وتواصل بالبر والإحسان
يشهد له القاصي والداني بالفضيلة وكريم الخصال وحسن المعاملة والأخلاق الحميدة، التي طبعت عليه سجيته.
ها هو سعيد يصحو مبكرا عند الفجر ملبيا النداء ويعود عقب الصلاة ويجهز (الفوالة والضيافة للديوانية) حيث يتوافد أهل الحارة لتناول التمر وشرب القهوة، وهذه العادة دأب عليها من الفجر إلى العشاء رغم بساطة العيش، ولكن كما يقال في الأمثال: ” الجود بالموجود ” و ” الوسع وسع القلوب “.
انتقل سعيد صاحب الوجه السعيد إلى جوار ربه تاركا وراءه سيرة معطرة بالإيمان وذكرى خالدة في قلوب الناس.
سيفتقد الناس ابتسامتك ومحياك وترحيبك بهم وخطواتك إلى مسجد التاحي بصحبة أبنائك. فهذا الطريق لا يمكن أن تمر في وقت أي صلاة إلا وتراه هو وأولاده يقصدون المسجد أو عائدون إلى البيت بعد أداء الصلاة وسيبقى هذا المشهد راسخا في ذاكرتنا.
رحل سعيد من الدنيا جسدا، ولكنه حيٌّ بين الناس وسوف يُحيون ذكره وسيرته الحسنة.
ما مات من زرع الفضائل في الورى بل عاش عمرا ثانيا تحت الثرى
نسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يسكنه فسيح جناته إنه سميع قريب مجيب الدعاء. قال عز من قائل ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل 97]