هاملت الأكثر سرياليّة على المسرح الكلاسيكي الأعرق في أوروبا
![](https://sharqakhbar.com/wp-content/uploads/2025/02/Z1zUzMJTRA_1739433355-780x470.jpg)
شهدت خشبة مسرح “لا پيرغولا” التاريخي في الأسبوع الأول من فبراير الجاري، حدثاً مسرحيّاً استثنائياً، إذْ عاد المخرج والممثل الإيطالي فيليپو تيمي إلى فلورنسا، وقدّم مسرحيته Amleto² “هاملت تحت الجذر التربيعي”، التي بدأت عروضها قبل 15 عاماً، وجالت مسارح إيطاليا على مدار العقد ونصف الماضي.
وشكّل عرض Amleto² “هاملت تحت الجذر التربيعي” ومسرح “لا پيرغولا” الفلورنسي ثنائياً في أقصى درجات التضاد، فبذات مقدار دقّة العمارة الكلاسيكية للمسرح الأعرق في أوروبا، والمُشيَّد في عام 1656 إبّان حكم فرديناندو الثاني دي ميديشي، دوق توسكاني الكبرى، جاء نص هاملت الشكسبيري مُثوَّراً ومعاصراً لما يحدث خارج جدران المسرح في أيّام العروض، أو ربّما في ساعات تلك العروض ذاتها.
ابتكر فيليپّو تيمي فوضوية مزجت بين الكوميديا العبثية والدراما العميقة، ودفع شخصياته وعواطفها إلى أقصى الحدود. وقد برز كلّ ذلك ابتداءً من عنوان العمل ذاته، والذي أفصح عن أنّ المسرحية ليست كما كتبها وليم شكسبير ما بين عامي 1600 و1601، بل نسخة “مُعزَّزة”، متمردة، وخارجة عن المألوف، عبر إعادة كتابة متجدّدة لنص شكسبير الكلاسيكي.
لعبة مسرحية
وقد ضاعف الجذر التربيعي في العنوان من تأويل النص، وحمله إلى المستويات الأكثر تطرفاً، بصرامةٍ وسخرية، وتجريبية متحرّرة أفضت إلى لعبة مسرحية فوضوية، وإلى مزيج متفجر من الكوميديا السريالية والدراما العاطفية، أضاف إليه جنون فيليپو تيمي الإبداعي وأداء ممثليه المذهل مفردات حوّلت العمل الكلاسيكي النموذجي إلى كاباريه وجودي معاصر وحيوي، قادر على إثارة الدهشة والتأثر والاندهاش.
فأمير الدنمارك الشاب هاملت الذي نلتقيه في قلعة آلسينور، عاصمة الدنمارك آنذاك، في لحظة غضب عاتٍ بسبب الخيانة التي تعرّض إليها والده “الملك هاملت” على يد عمّه “كلوديوس” بالتواطؤ مع والدته الملكة “غيرترود”، وهي ذات لحظة الغضب التي وضعت الأمير الشاب إزاء تساؤلاته التي صارت تعبيراً عن التراجيديا.
شخصية جامحة
ورُغم تلك التراجيديا، فإنّ هاملت برؤية تيمي، هو شخصية جامحة، مفعمة بالحياة، عصرية، وخارجة عن المألوف، تحاول التحرر من قدر محتوم. أمّا والدته، الملكة المتواطئة غيرترود (أدّتها لوتشيا ماشّينو)، فتظهر كأمٍ مفترسة تهز أعماق ابنها العاجز، في حين تعثر العاشقة التائهة أوفيليا (إلينا ليتي) على القوة في اللحظة القصوى لتسردَ مأساتها في الرمق الأخير ما قبل الغرق.
ووسط هذه الشخصيات الشكسبيرية، يقتحم المسرح شبح والد هاملت متجسداً في صورة مارلين مونرو (أدّتها مارينا روكّو)، التي تظهر كفنانة استعراضية تعاني من أزمة مُتعِبةٍ من الأدوار التي يفرضها عليها المجتمع.
وكما هو واضحٌ، فإنّ نص فيليپّو تيمي لم يأت مُطابقاً لما شاهده جمهور المسرح لعشرات الآلاف من المرات في السنوات الأربعمائة وخمسة وعشرين الماضية، أي مُذْ اختطت أنامل وليم شيكسبير هذا النص حوالي عام 1600 أو 1601، ومُذْ سمع الجمهور لأوّل مرة تساؤل هاملت الوجودي: “أكائنٌ أنا أم غيرُ كائن!” على لسان الممثل الرئيسي في فرقة شكسبير المسرحية “رجال اللورد تشامبرلين” ريتشارد بيورباج، الذي أدّى دور هاملت في العرض الأول للمسرحية، ويُعتَقد أنّ الدور كُتب له بالتحديد.
لقد أُنجز نص المسرحية باللغة الإنجليزية، وعُرض في أصقاع الأرض، وتُرجم إلى أكثر من 75 لغة، ومنها اللغة العربية التي قُّدّمت بها عروض هامة كلاسيكيّة، أو تجريبيّة، من بينها “هاملت عربيّا” للمعلم العراقي الكبير سامي عبدالحميد (توفّي في 29 سبتمبر 2019) على خشبة مسرح بغداد في عام 1973.