غزة وسيف التهجير.. هل نسمح ببيع الأرض والكرامة؟
![](https://sharqakhbar.com/wp-content/uploads/2025/02/WMq0f-780x470.jpeg)
محمد أبوصلاح **
في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المؤامرات، تتردد في الأفق كلماتٌ كان يُظن أنها وُئدت في صفحات الماضي، لكنها اليوم تعود بأقنعة جديدة؛ تهجير، إعادة توطين، مشاريع تنموية! لكن الحقيقة واحدة: هناك من يسعى لاقتلاع أهل غزة من أرضهم، وتصفية القضية الفلسطينية بحججٍ براقة، تخفي خلفها خنجرًا مسمومًا، لكنه لا يختلف عن كل المخططات التي أبت فلسطين إلا أن تكسرها بصمودها!
مشروع إبادة مغلفٌ بالذهب!
لم يكن تصريح ترامب نزوة رجلٍ منفلت اللسان، بل هو لسان حال مشروع طويل الأمد، بدأ منذ أن وطأت أقدام الصهاينة أرض فلسطين، وما زال يتجدد في كل مرحلة بأشكال أكثر سفالة وخبثًا.
اليوم، يريدون غزة خالية من أهلها، ليقيموا على أنقاضها إمبراطورية من الإسمنت والفنادق، ويحوّلوا مخيمات اللاجئين إلى منتجعات سياحية على بحرٍ ماج بالأشلاء والدم!
لكن هيهات!
هل يظن هؤلاء أن الفلسطيني شجرة بلا جذور يمكن اقتلاعها ورميها في الصحراء؟
هل يتخيلون أن الذاكرة تُمحى، وأن المدن العتيقة تُنسى، وأن الوطن يتحول إلى ورقة تُوقع عليها عقود البيع والشراء؟
غزة ليست رقعة في لعبة الاحتكار! غزة نبتت من جذور التاريخ، وشربت من دماء المقاومين، وتشبعت برائحة البارود، ولن تكون إلا ما أرادها أبناؤها: حصنًا منيعًا، عصية على الخضوع!
القمة العربية المقبلة… لحظة الحقيقة
في هذا المشهد الحاسم، تأتي القمة العربية المرتقبة في القاهرة. وقد كان الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رئيس وزراء قطر السابق واضحًا في رؤيته حين قال إنها يجب أن تكون مختلفة عن سابقاتها، لأن اللحظة تتطلب موقفًا موحدًا، صارمًا، يرفض أي مخطط يمس حقوق الشعب الفلسطيني.
إنها لحظة الحقيقة التي يجب أن يسمع فيها العالم موقفًا عربيًا لا لبس فيه:
لا للتهجير!
لا للمشاريع التي تسلب الأرض من أصحابها!
لا لأي حلٍ لا يحفظ حقوق الفلسطينيين وفق قرارات الشرعية الدولية!
فإن كان هناك من يريد فرض حل بالقوة، فليواجه موقفًا عربيًا متماسكًا، لا يقبل أن تكون غزة ورقة مساومة، أو ساحة تجارب لحلول مؤقتة لا تخدم إلا من يسعى لتصفية القضية الفلسطينية.
إسرائيل.. وأطماع لا تعرف الحدود
إنَّ من يراقب سياسات الاحتلال يدرك أن المشروع الصهيوني لم يكن يومًا مشروع سلام، بل هو مشروع توسعي لا يتوقف عند حدود.
ومُنذ النكبة حتى اليوم، كانت كل خطوةٍ نحو “السلام” بالنسبة لإسرائيل مجرد غطاءٍ للتوسع، وذريعةً للسيطرة على المزيد من الأرض.
وما يطرحه نتنياهو اليوم ليس إلّا امتدادًا لهذه السياسة؛ حيث يريد أن يبقى الوضع في حالة توتر دائم، لا دولة فلسطينية مستقلة، ولا حقوق واضحة، بل مشروعٌ مفتوحٌ لابتلاع ما تبقى من فلسطين، وربما من الأرض العربية كلها.
لا شك أن الأمن والاستقرار الحقيقيين في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقهما إلّا بعدلٍ حقيقي، يُعطي الفلسطينيين حقهم الكامل في أرضهم، لا عبر حلول تكرّس الظلم وتحاول أن تحل المشكلة عبر تغيير الجغرافيا بدلاً من تصحيح التاريخ.
ولذلك لا بديل عن موقف عربي واضح وقوي؛ فالمعركة اليوم ليست بين قوتين عسكريتين؛ بل هي معركة إرادة وصمود، بين شعبٍ متمسكٍ بأرضه، وبين قوى تحاول انتزاعه منها بطرقٍ ناعمةٍ تارة، وبالقوة تارة أخرى.
لكن هذه الأرض، التي صمدت في وجه النكبات والحروب، لن تفرّط في حقها، وستظل غزة شوكةً في حلق كل من يحاول المساس بها.
إنَّ الأمل معقودٌ على أن تكون القمة العربية المقبلة محطة تاريخية لصياغة موقف واضح، يعبّر عن إرادة الأمة في رفض أي مساس بحقوق الفلسطينيين.
وليكن الموقف العربي كما كان دائمًا: داعمًا للحق الفلسطيني، رافضًا لأي مشروع يحاول فرض حل لا يخدم إلا الاحتلال وأطماعه.
غزة ليست للبيع!
إذا كان هناك من يظن أن غزة مجرد أرض يمكن التفاوض عليها، فهو واهمٌ لم يقرأ التاريخ جيدًا.
غزة ليست قطعة أرض فارغة؛ بل هي روحُ مقاومة، ورمزُ بقاء، وأيقونة صمود لا تُشترى ولا تُباع.
وإن أرادوا تحويلها إلى مشروع عقاري، فإن الأرض ستصرخ، والبحر سيهيج، والصخور ستتكلم، لتقول لهم: هنا غزة، أرض الأحرار، ومقبرة الطغاة!
“لا يُغيّرُ اللهُ ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم”.
فإما أن يكون الموقف العربي بحجم التحدي، أو أن تظل القضية في مهب الريح.. لكن فلسطين ستبقى، وغزة لن تُقتلع من جذورها، مهما حاولوا!
** كاتب لبناني