اخر الاخبار

على أعتاب منح الثقة.. خطة حكومة لبنان في مهب تجاذبات سياسية

يستعد البرلمان اللبناني لعقد جلسات يومي 25 و26 فبراير الحالي، لمناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة، والاقتراع على منحها الثقة، وفق ما دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وكانت الحكومة اللبنانية، بقيادة رئيس الوزراء نواف سلام، أقرّت مسودة البيان الوزاري، ومن أبرز بنوده “تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، والالتزام بالقرار الأممي 1701، واحتكار السلاح بيد الدولة”، فيما غاب عنه بند “المقاومة” لأول مرة منذ 25 عاماً.

وهذه المناقشة تُعدّ أساسية وجوهرية للحكومة، خاصة أن هذا البيان بمثابة “خطة عمل” لها، كما أن حصول الحكومة على ثقة المجلس النيابي سيؤدي إلى تسريع جولة الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى عدد من الدول العربية والأجنبية لحشد التأييد الدولي، والحصول على مساعدات من شأنها تحسين الأوضاع في البلاد، على المستويات السياسية والاقتصادية.

ومن المنتظر أن يصطحب عون معه في جولته الخارجية، عدداً من الوزراء، الأمر الذي يستلزم حصول الحكومة على ثقة البرلمان.

وفي المناقشات التي ستجري تحت قبة البرلمان اللبناني، من المرتقب أن يثار الكثير بشأن البيان الوزاري، كما ستُجرى المقارنات بينه وبين ما سبقه من بيانات وزارية وضعتها الحكومات السابقة.

احتكار السلاح وفرض السلطة

في حديث “للشرق”، رأى النائب “التغييري” في البرلمان اللبناني ياسين ياسين، أن البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة “يُشكل نقطة تحوّل في النهج الحكومي اللبناني، ويتخطى الإطار التقليدي للبيانات الوزارية السابقة”، مضيفاً: “تعكس البيانات الوزارية عادةً التوازنات الداخلية أكثر من كونها تضع رؤية واضحة للدولة ودورها في عملية الإصلاح”.

وأشار ياسين، إلى أن “هناك عدة نقاط جوهرية في البيان الوزاري تؤسس لمرحلة جديدة”.

وأضاف: “النقطة الأولى هي  أن البيان الوزاري وبشكل كبير، يستند إلى الدستور، لبسط سلطة الدولة على كل الأراضي اللبنانية، وللمرة الأولى وبهذا الوضوح، يؤكد على حق الدولة الحصري في بسط سلطتها، واحتكار السلاح، ويُنهي سياسة الأمر الواقع التي سمحت بوجود مناطق خارج سلطة الدولة، والتي تخضع لتوازنات سياسية داخلية، ويؤكد أيضاً أن الدولة هي المرجعية السياسية والأمنية”.

أما النقطة الثانية فهي، وفقاً لياسين، فتتمثل في “الإشارة إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي يُعطي الدولة شرعية الدفاع عن النفس، ويتميز البيان بالإشارة المباشرة لشرعية الأمم المتحدة، وحق لبنان في الإجراءات الدفاعية اللازمة لحماية سيادته من أي تهديدات خارجية”.

وأوضح أن “البيان الوزاري يتضمن كذلك إصلاحات على كافة المستويات، فهناك إصلاح اقتصادي ومحاربة للفساد، وإصلاحات إدارية واجتماعية، إضافة إلى الوضوح بالرؤية السيادية، عبر التأكيد الصريح على مرجعية سلطة الدولة على كافة الأراضي اللبنانية، مما يجعل هذا البيان متقدماً على بيانات الحكومات السابقة”.

إسقاط ثلاثية “جيش وشعب ومقاومة”

الخبير الاستراتيجي والكاتب السياسي العميد خالد حمادة، اعتبر أن البيان الوزاري الذي أقرته حكومة نواف سلام “يُشكل علامة فارقة في مسار البيانات الوزارية التي أعدتها الحكومات منذ عقود”.

وفي حديث لـ”الشرق”، قال العميد حمادة، إن “الحكومة من خلال بيانها أسقطت بالدرجة الأولى ثلاثية (جيش وشعب ومقاومة)، التي سبق وأن أدخلت في البيانات الوزارية للحكومات السابقة، ولم يكن الهدف منها سوى تبرير وجود ميليشيا مسلحة كـ(حزب الله)، وتبرير التدخل الإيراني في الشأن اللبناني، وفي السياسات الحكومية اللبنانية، بل ربما أكثر من ذلك، إقصاء لبنان عن مهمة الدفاع عن أرضه وإعطائها لحزب الله”.

وأضاف: “الحكومة التزمت بموجب البيان، بحصرية السلاح واحتكاره بيد الدولة والمؤسسات الأمنية اللبنانية الرسمية، وهذه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي والعدو الإسرائيلي، بأنه لم يعد هناك أي مسوغ للقول إن هناك خطراً على إسرائيل تقف وراءه إيران، وتُنفذه مجموعات لبنانية أو فلسطينية من لبنان”.

وأشار إلى أن الحكومة اللبنانية “التزمت أيضاً بتطبيق الترتيبات الأمنية المدرجة في اتفاق وقف إطلاق النار، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، بمعنى تنفيذ القرار 1701 الذي يؤكد على الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، وعلى ترسيم الحدود الدولية وفقاً لاتفاق الهدنة الموقع عام 1949 بين لبنان وإسرائيل، إلى جانب الالتزام بكل القرارات الدولية، ومنها القرار  1559 الذي يؤكد على حل كل الميليشيات في لبنان”، وكذلك “القرار 1680 المعني بالسيطرة على الحدود ومنع كل الأنشطة غير المشروعة على الحدود مع سوريا”.

ووصف حمادة، البيان الوزاري الحالي، بأنه “يختلف تماماً عما سبقه”، معتبراً أن “شعار الجيش والشعب والمقاومة، استخدم لاستباحة لبنان، وتبرير ارتكاب الأخطاء في القضاء والأمن والسياسة، وأيضاً الإساءة إلى علاقات لبنان الخارجية”.

وأضاف أن النقطة الثابتة في البيان، هي “التأكيد على دور الجيش في الدفاع عن لبنان وانتشاره عند الحدود المعترف بها، وهذا يعني السيطرة على الحدود”.

وقال إن بيان الوزارة “ربما يحمل إشارة واضحة إلى دعوة الحكومة لبناء علاقات جيدة مع الدولة السورية الجديدة، تقوم على احترام سيادة البلدين والمصالح المشتركة من دون التدخل في الشؤون الداخلية، وهذا لم يسبق أن أدرج في البيانات الوزارية”.




بدوره رأى النائب السابق مصطفى علوش، أن “البيان الوزاري لحكومة سلام، يثير العديد من المسائل المتعلقة بمحاربة الفساد والإصلاح المالي والاقتصادي، ووعود بإعادة الودائع المحتجزة في المصارف وتحريك الاقتصاد، لكن ما يميزه هو أنه الأول الذي يخرج من دون هيمنة أمنية أو سياسية، كما كان يحدث منذ عقود في البيانات السابقة”.

وفي حديثه لـ”الشرق”، قال علوش، إن “البيان الوزاري يُعيد ملف استكمال تطبيق اتفاق الطائف كمنظم للعلاقات والبرامج السياسية”، معتبراً أن “اتفاق الدوحة في عام 2008 جاء تحت تهديد سلاح (حزب الله)، وبعد ظهور دعوات تطالب بالفيدرالية تحت شعارات طائفية تقسيمية”.

من جهته، قال الكاتب السياسي أمين قمورية، إنها “المرة الأولى منذ 25 عاماً التي يسقط فيها بند المقاومة من البيان الوزاري”، مضيفاً: “هذا ما يؤكد التزام الحكومة بواجب احتكار الدولة للسلاح، وبسط قوتها حصراً”.

وفي حديث لـ”الشرق”، أشار قمورية إلى أن الحكومة “أكدت أيضاً حق لبنان في الدفاع عن النفس وفق ميثاق للأمم المتحدة، وأن تتحمل الحكومة مسؤولية أمن البلاد والدفاع عن حدودها أيضاً كبديل عن البيانات السابقة، التي كانت تتمسك باتفاقية الهدنة والسعي لاستكمال تحرير الأرض اللبنانية المحتلة بكل الوسائل المشروعة، مع التأكيد على حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي”.

كما يعتقد قمورية، أن المسألة المهمة جداً في البيان الوزاري، تتمثل في “الجانب السياسي”، مشيراً إلى “التزام الحكومة باتفاق الطائف التزاماً مطلقاً، و80% من البيان له علاقة بمخرجات اتفاق الطائف”.

إصلاحات اقتصادية وإعادة الإعمار

ولفت الكاتب والصحافي اللبناني منير يونس، إلى أن البيان الوزاري تضمن في شقه الاقتصادي “العناوين الأساسية، وهي إعادة الإعمار وإصلاح القطاع المالي والمصرفي، والمالية العامة للدولة، وكذلك الإصلاح الإداري والقضائي، وقطاع الكهرباء والاتصالات”.

وقال إن “العناوين جيدة، لكن العبرة في التنفيذ، خصوصاً وأن البيانات الوزارية للحكومات السابقة كانت جيدة، إلا أنها لم تنفذ”.

وفي حديث لـ”الشرق”، أوضح يونس، أنه “من معوقات إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأخيرة، هو ما يتعلق بالتمويل، خصوصاً أن التمويل الإيراني ممنوع في هذه المرحلة بفعل الفيتو الأميركي، ما يطرح مشكلة جدية تتعلق بإيجاد مصادر للتمويل”.

وأضاف: “من المعروف أن الخسائر المباشرة وغير المباشرة للحرب قد تصل إلى ما بين 8 و10 مليارات دولار، وهذه إشكالية جوهرية، فالبيان الوزاري وعد بصندوق للإعمار من دون أن يفصح عن مصادر التمويل، أما في موضوع الإصلاح المصرفي الذي يُعتبر عقدة العقد منذ 5 سنوات، فليس معروفاً حتى الآن كيف ستوزع الخسائر وتحدد المسؤوليات”.

ولفت يونس، إلى أنه “حصلت عدة محاولات من حكومة حسان دياب وحكومة نجيب ميقاتي السابقتين، لكنها اصطدمت بخسائر هائلة تصل إلى 70 مليار دولار، فكيف سيتم توزيع هذه الخسائر، ومن سيتحملها؟”.

وتابع: “في لبنان لوبي مصرفي قوي يمنع ويحول دون تحميل البنوك المسؤولية الأولى، وهذا اللوبي يريد تحميل الدولة المسؤولية، وهنا نعود إلى مشكلة جوهرية، فالدولة تعاني من نقص في التمويل، وفي ضوء ذلك، كيف ستتحمل الجزء الأكبر من أعباء خسائر الودائع؟”.

وأوضح أن “المعادلة معقدة والبيان الوزاري لا يفصح عن كيفية معالجة هذا الأمر، لكنه يعد بخطة وجملة مشاريع قوانين سوف تحال إلى المجلس النيابي. وهذه الخطة ستُقدم إلى صندوق النقد الدولي، والبيان الوزاري شدد على أن هذه الإصلاحات ستكون جزءاً من برنامج مع الصندوق، فهل سيوافق على تحمل الدولة للخسائر الكبيرة؟ ومن أين ستدفع القروض القديمة والجديدة؟ وكيف ستتحمل النفقات الاجتماعية والاستثمارية والودائع؟ هذه معضلة ستواجه الحكومة في التفاوض مع صندوق النقد”.

ويعتقد يونس، أن “العناوين الاقتصادية” الأخرى في البيان الوزاري “جيدة”، خصوصاً ما يتعلق بـ”قطاع الكهرباء”، مشيراً إلى وجود “مشكلة تمويل، وسوء إدارة وجباية، وديون متراكمة للعراق بحوالي مليار ونصف مليار دولار، وقطاع الكهرباء يحتاج أيضاً إلى معامل إنتاج وجباية صارمة كي يستطيع أن يغطي نفقاته”.

أما على صعيد الإدارة العامة، لفت يونس إلى أن “هناك تعيينات من خارج الحصص السياسية والطائفية، في ظل وجود أكثر من 100 موقع شاغر في الإدارات العامة، وهنا تطرح إشكالية الرواتب المتدنية”، متسائلاً: “كيف يمكن جذب الكفاءات في ظل هذا الوضع؟”.

وقال يونس إن “هوية لبنان الاقتصادية ذات الصلة بالاقتصاد الحر، ومساهمة القطاع الخاص وتطوير الصناعة، كلها عناوين جيدة في البيان الوزاري، وتحتاج إلى الأمن والاستقرار، تمهيداً للاسثمار”، مضيفاً أنه “رغم اعتماد البيان الوزاري على الدعم  العربي والدولي، إلا أن هذا الدعم سيبقى مشروطاً من بعض الجهات بنزع سلاح حزب الله، ومن جهات أخرى بالإصلاحات المالية والاقتصادية والمصرفية”.

“تأثير الدولة العميقة”

الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، اعتبر أن البيان الوزاري يركز على الإشكاليات التي يواجهها لبنان على الصعيد الاقتصادي.

وفي حديث لـ”الشرق”، قال عجاقة، إن البيان “تحدث عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي وأهميته، وعن الإصلاحات الاقتصادية والكهرباء وإعادة هيكلة القطاع العام والمشاكل الجوهرية والبنيوية التي تواجه لبنان، ويطرح أفكاراً بخصوصها”.

وأضاف: “المسألة الجوهرية هي أن البيان على الورق رائع، لكن تاريخياً نعرف أن البيانات الوزارية كانت معظمها مجرد إجراء من دون أن تحاسب الحكومات لعدم الالتزام بتنفيذها، حيث كانت الحكومات تتذرع بالظروف الأمنية والسياسية، ولم تكن تتحمل نتيجة بياناتها الوزارية”.

ورأى عجاقة أن الفارق اليوم هو أن البيان “صدر عن حكومة ترأسها شخصية مدعومة على المستوى العربي والدولي، وبالتالي احتمالات تطبيق البيان أعلى بكثير مما فعلته الحكومات السابقة، وهذا إيجابي كنظرة أولى، لكننا نعرف أن الدولة العميقة تتألف بالدرجة الأولى من أحزاب سياسية متغلغلة في إدارات الدولة اللبنانية، فهل لديها الرغبة بالإصلاحات؟”.

وتابع: “إذا استطاعت هذه الحكومة أن تنفذ أمرين، تكون قد أسهمت في تسهيل عمل الحكومات اللاحقة بما أن عمرها سينتهي مع الانتخابات النيابية المقبلة عام 2026، إذ عليها تطبيق كل شيء بخصوص اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حكومة نجيب ميقاتي في أكتوبر الماضي، وكذلك منح القضاء استقلاليته”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *