اخر الاخبار

ترمب وأوكرانيا أبرز ملفات التحول السياسي ألمانيا الانتخابات

منح الناخبون الألمان، المحافظين، فوزاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية التي أجريت الأحد، لكن المستشار المقبل المحتمل قد يواجه تحديات أسرع مما هو متوقع، لأسباب داخلية وخارجية، حسبما ذكرت مجلة “بوليتيكو”. 

وفريدريش ميرتس، زعيم التحالف المنتصر المُكون من حزبيْ الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، هو محامٍ سابق معروف بحب الولايات المتحدة، لكنه قد يصطدم بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، لكونه “مدافعاً شرساً” عن أوروبا وحلف شمال الأطلسي “الناتو”.

ويواجه ميرتس أيضاً ضغوطاً متزايدة من اليمين المتطرف، إذ جاء حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AFD)، المعروف بمواقفه المناهضة للهجرة والمؤيدة لروسيا، في المركز الثاني في الانتخابات، وسط تزايد قلق الناخبين بشأن قضايا الهجرة والاقتصاد. 

وحقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” أفضل نتيجة في تاريخه، ولكنه لا يُرجح أن يكون جزءاً من الائتلاف الحاكم، إذ ترفض الأحزاب الرئيسية الأخرى التحالف معه، معتبرةً إياه “متطرفاً للغاية”، ما يعني أن ميرتس سيضطر إلى تشكيل ائتلاف حكومي قد يكون “هشاً”، وربما يضطر إلى التعاون مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم حالياً، الذي حل في المركز الثالث.

ويرى جوردون ريبنسكي، رئيس تحرير النسخة الألمانية من مجلة “بوليتيكو”، أن ميرتس يجب أن يفي بوعوده لمنع حزب “البديل من أجل ألمانيا” من الاستمرار باللحاق به، قائلاً: “الطريقة الوحيدة لتقليل شعبية حزب البديل هي تشكيل حكومة ناجحة وقيادتها”.

وأضاف: “عليه أن يعمل بطريقة ذكية للغاية، ويحل المشكلات التي يريد معالجتها، وأن يفي بوعوده، هذا هو السبيل الوحيد لإبقاء البديل من أجل ألمانيا ضعيفاً”. 

وفي الولايات المتحدة، قد لا تكون بعض الشخصيات البارزة داعمين له، فقد أعرب قطب التكنولوجيا إيلون ماسك، الشريك المقرب من ترمب، عن دعمه الصريح لحزب “البديل من أجل ألمانيا”، كما التقى نائب الرئيس جي دي فانس مؤخراً بزعيم الحزب.

أما ترمب، فقد بدا “مرتاحاً”، لفوز التحالف المحافظ بقيادة ميرتس، وكتب على منصات التواصل الاجتماعي: “إنه يوم عظيم لألمانيا”، لكن “بوليتيكو” توقعت أن يغير ترمب رأيه اعتماداً على تطورات العلاقة مع ميرتس. 

ماذا يعني فوز ميرتس لألمانيا؟ 

حقق ميرتس فوزاً انتخابياً، ويُرجح أن يصبح المستشار المقبل، لكنه لم يحقق النتيجة التي كان يتمناها. 

ومن المرجح أن يضطر ميرتس إلى تشكيل ائتلاف قد يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي أو حتى حزب الخضر، وهذا يعني أنه سيعمل مع حزب أو حزبين ينتميان إلى الجناح اليساري، ما يجعل تمرير جميع الإصلاحات التي يريد تنفيذها في مجاليْ الهجرة والاقتصاد أكثر صعوبة مما كان يأمل. 

ويرى ريبنسكي أن ميرتس يمثل نقيض أنجيلا ميركل في الخطاب والنهج السياسي، إذ أوضح أن ميرتس بدأ صعوده داخل الحزب المحافظ في تسعينيات القرن الماضي، ووصل إلى منصب رئيس الكتلة البرلمانية لتحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي في العقد الأول من القرن الـ21، بالتزامن مع صعود ميركل.

لكن ميركل أطاحت به لاحقاً، ما دفعه إلى ترك السياسة “مُحبطاً”، ليكتفي بمراقبة سياسات ميركل. وانتقد ميرتس بشدة سياسات ميركل، وعندما ترشح لرئاسة الحزب بعد استقالتها، تبنى نهجاً سياسياً “معاكساً تماماً” لها. 

فقد ركز على نهج محافظ تقليدي أكثر صرامة، في حين أن ميركل كانت تميل إلى الوسط، وتسعى إلى التفاهم حتى مع منافسيها السياسيين، بحسب ريبنسكي. 

ووصف ريبنسكي ميركل بأنها “سياسية متواضعة”، تتجنب الصراعات غير الضرورية، بينما يحب ميرتس المواجهة وإلقاء الخطابات الحادة، رغم أن بعض تصريحاته قد لا تخدمه على المدى الطويل. 

أما أولاف شولتز، فهو يشبه ميركل من حيث “قلة الكاريزما” والسعي إلى الاندماج مع الأطراف السياسية الأخرى، لكن الفارق بينهما هو أن ميركل اتسمت بالتواضع في نهجها رغم افتقارها للكاريزما، بينما بدا شولتز متعجرفاً رغم مظهره غير الكاريزمي. 

وقال ريبنسكي: “نحن أمام تحول جذري في أسلوب التواصل السياسي، بعد عقدين من الخطاب الحذر والدفاعي الذي ميّز حقبتيْ ميركل وشولتز”.

وعند سؤاله عما إذا كان ميرتس أكثر تشدداً وأقل استعداداً لتقديم تنازلات، أشار ريبنسكي إلى تصريح ميرتس له خلال نقاش حول سياسات الهجرة في ألمانيا بأن “زمن التنازلات انتهى”. ثم شارك في مناظرة برلمانية انتهت بتصويته إلى جانب حزب “البديل من أجل ألمانيا”، وهي خطوة أثارت جدلاً واسعاً. 

وقال ريبنسكي: “في بعض الأحيان، أعتقد أن استراتيجية ميرتس ليست مدروسة بعناية أو موجهة نحو النتائج النهائية، لأنه أحياناً يبدو أنه يتحرك وفقاً لرغباته، ويبدو أن هذا أحد أهم نقاط ضعفه”، مضيفاً: “ربما يحتاج إلى إيقاف نفسه، أو يحتاج إلى وجود شخص في محيطه يمنعه من القيام بتصرفات غبية”. 

أسباب التفوق 

وعن أسباب تفوق حزب ميرتس على حزب شولتز، قال ريبنسكي، إن “الحزب المحافظ يتمتع بتفوق هيكلي في ألمانيا مقارنة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي، فعلى مدار التاريخ، كان معظم المستشارين من التيار المحافظ، بينما لم يحقق الاشتراكيون الديمقراطيون الأغلبية، إلا في فترات معينة أو بفضل مرشحين محددين، ما يمنح الحزب المحافظ ميزة بين الناخبين”. 

إلى جانب ذلك، واجه شولتز فترة صعبة للغاية خلال توليه الحكومة، إذ كان يعمل ضمن ائتلاف معقد يضم شريكين آخرين، ما جعل الائتلاف مكوناً من ثلاثة شركاء بنهج سياسية مختلفة تماماً، إذ جاء ذلك في ظل أوقات عصيبة، شملت الحرب وأزمة الطاقة. 

وأثرت أزمة الطاقة بشدة على ألمانيا، إذ ارتفعت أسعار الغاز بشكل كبير، بينما كانت البلاد تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي. 

وقال ريبنسكي: “شهدنا تضخماً مرتفعاً، إضافة إلى الكثير من الاضطرابات الاقتصادية. ومن الواضح أن هذا أدى إلى فقدان الشعب الثقة في الحكومة نفسها، بشكل كامل، وفي المستشار أولاف شولتز أيضاً”. 

وأشار رئيس تحرير النسخة الألمانية من “بوليتيكو”، إلى تحول في النقاش السياسي في ألمانيا نحو تبني سياسات أكثر صرامة بشأن الهجرة، وهو ما يتعارض إلى حد ما مع “سياسات اليقظة”. 

وأضاف: “كل هذه الأمور التي نراها في الولايات المتحدة نراها أيضاً في ألمانيا. وفي هذا السياق، يُعد ميرتس مرشحاً أكثر قدرة على تلبية هذه التوجهات أو النزعات السائدة بين أفراد الشعب”. 

وشهدت ألمانيا العديد من الهجمات التي نفذها مهاجرون خلال الأشهر الـ12 الماضية، ويطالب السكان بإجراء تغييرات حقيقية. 

تأثير ماسك 

وعند سؤاله عما إذا كانت جهود ماسك ودي فانس لدعم “البديل من أجل ألمانيا” قد أثرت على نتائج الانتخابات، قال ريبنسكي: “لا أعتقد أن ذلك أثر عليها بشكل كبير، أو مباشر، فحزب البديل من أجل ألمانيا يستفيد من فشل الحكومة، وهذا ما شهدناه في ألمانيا”. 

ووصف ريبنسكي حصول “البديل من أجل ألمانيا” على نحو 20% من الأصوات بـ”النتيجة الجيدة”، لكن هناك أصوات داخل الحزب ترى أنه كان يمكن تحقيق نسبة أعلى. 

ومع ذلك، لا يرى ريبنسكي أن جهود ماسك وفانس فشلت، قائلاً في هذا الصدد: “من الواضح أن ذلك يمنح (الحزب) بعض المصداقية لدى الشعب، إذ فجأة أصبح هناك هذا الرجل الثري، وهو أغنى شخص في العالم، يدعم البديل من أجل ألمانيا. ومن الواضح أن حكومة الولايات المتحدة تتعاطف مع حزب البديل لألمانيا”. 

وتتمركز قاعدة ناخبين حزب “البديل من أجل ألمانيا” بشكل رئيسي في شرق ألمانيا، وتتكون في الغالب من الرجال الأكبر سناً الذين يميلون إلى روسيا، وفقاً لريبنسكي. 

وفي شرق ألمانيا، يعتقد كثيرون أن الولايات المتحدة “شريرة”، بينما لا تبدو روسيا بهذا السوء، وقد بُني نجاح “البديل من أجل ألمانيا” على هذه الفكرة.

وقال ريبنسكي: “البديل من أجل ألمانيا يُعد في جوهره حزباً مؤيداً لروسيا، لكن فجأة، بات رجل أعمال أميركي يدعمه”، مشيراً إلى وجود ما وصفه بـ”التناقضات الكبيرة” في برنامج “البديل من أجل ألمانيا” فيما يتعلق بالسياسات العالمية، حيث لم يحسم الحزب موقفه بعد بين التقارب مع روسيا أو الولايات المتحدة. ولذلك، لا يبدو أن الناخب التقليدي للحزب في شرق ألمانيا متأثر كثيراً بدعم إيلون ماسك للحزب. 

التعامل مع ترمب والقضية الأوكرانية 

ووصف ريبنسكي، ميرتس بأنه شخصية “ذات توجه عبر أطلسي”، موضحاً أنه “يجيد الإنجليزية بطلاقة، وقضى وقتاً طويلاً في الولايات المتحدة، حيث لديه العديد من الأصدقاء والاتصالات السياسية هناك، لكنه في الوقت ذاته زعيم أوروبي، وفكرة أوروبا والاتحاد الأوروبي تواجه تحديات من جانب دونالد ترمب”. 

ولهذا السبب، اختار ميرتس في مرحلة مبكرة القيم الأوروبية، بما في ذلك النهج المتبع تجاه أوكرانيا، وقد صاغ تصريحات يمكن فهمها على أنها تتسم بالصرامة تجاه ترمب. 

وقال ريبنسكي: “أعتقد أنه (ميرتس) يدرك أن القوة وحدها يمكن أن تكون مقنعة في حوار مباشر مع الرئيس الأميركي، ومن المرجح أن يكون هذا نهجه أيضاً. أعتقد أنه سيكون أكثر نجاحاً في هذا الصدد، فقط بسبب مظهره. أولاف شولتز شخص حذر وخجول إلى حد ما، ولم يكن ترمب ليأخذه على محمل الجد. أعتقد أن الأمر مختلف مع فريدريش ميرتس”. 

ويدرك ميرتس أن أوروبا عليها أن تبذل المزيد من الجهود بشأن أوكرانيا، ويعلم أن على ألمانيا زيادة إنفاقها الدفاعي، وهو في الأساس قضية أوروبية أيضاً. 

وتوقع ريبنسكي أن يواصل ميرتس التمسك بالقيم الأساسية للتحالف عبر الأطلسي، وأن يطالب بالدعم من الولايات المتحدة، “تماماً كما فعلت الدول الأوروبية عندما دعمت واشنطن في أفغانستان”. 

وقال ريبنسكي: “أعتقد أنه سيحاول أيضاً إقناع ترمب بأن القيم الأوروبية ليست فقط كل ما يجري الدفاع عنه في أوكرانيا، بل القيم الغربية أيضاً، وأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أو الرئيس ترمب أن يُرى دكتاتوراً مثل فلاديمير بوتين ينتصر في أوكرانيا ويغير النظام الجيوسياسي العالمي بشكل جذري”. 

وتوقع ريبنسكي أن يتبنى ميرتس موقفاً أكثر تشدداً تجاه بوتين من شولتز، الذي كان حريصاً دائماً على أن يكون داعماً حذراً لأوكرانيا وتجنب استفزاز بوتين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *