ياسر الأطرش ودور الأدب السياسي في الحروب

يزخر رصيد الأديب والشاعر والصحفي السوري ياسر الأطرش، بأكثر من 13 مؤلفاً شعرياً، أبرزها كتاب “أكاذيب نحبها”، وهو عبارة عن بحث يفنّد بالأدلة العلمية والتاريخية، القصص الأدبية والتاريخية المشهورة التي تفتقر إلى المراجع الدقيقة.
كما تحفل مسيرة الشاعر بأكثر من 30 جائزة أدبية محلية وعربية، وهو عضو رابطة الكُتّاب السوريين، ورغم معارضته للنظام السوري السابق، تم إدارج إحدى قصائده في المناهج السورية عام 2017.
“الشرق” التقت الأطرش، مقدّم برنامج “ضمائر متصلة” على قناة سوريا.
ما الدور الذي لعبه الأدب على مرّ التاريخ في الصراعات والحروب والأزمات السياسية؟
إذا كانت الصحافة تؤرّخ لأحداث ووقائع المرحلة السياسية والاجتماعية، فإن الأدب والفن يؤرخان لوجدان المرحلة وروحها الحيّة.
دور الأديب أو المثقف هو تدوين المرحلة أو ما يسمى أدب الحرب، وهو أدب خالد، لكني أعتقد أن الأديب يكتب ويؤرخ للحرب بعد انتهائها وليس أثناءها.
معظم النصوص التي تتم كتابتها أثناء الحروب لا قيمة لها، هي أقرب ما تكون للتدوين الصحفي وتدوين اليوميات، أما بعد الحرب، فتكون المشاعر أقل انفعالاً، والعقل أكثر تركيزاً والصورة أوضح.
تقصد ضرورة إيجاد مسافة زمنية بين الكاتب والأحداث؟
نعم، وأقرب مثال حي لدينا الآن هو سجن صيدنايا، ربما ستبقى أحداثه في إطار التناول الصحفي لمدة شهر أو شهرين ثم تنتهي، لكن من الذي سيؤرّخ لهذه المأساة؟
إن أبرز مهمات الأدب هي تخليد الأحداث، فمن منا لم يتأثر برواية “القوقعة”، إحدى أهم روايات أدب السجون، ومن الذي أرّخ لسجن “الباستيل” الذي أصبح رمزاً للقمع، فلولا الأدب لما عرف أحد ما هو “الباستيل”، وما الذي أبقى النازية وممارستها حتى الآن راسخة في الأذهان، إنه ببساطة الأدب.
هل ذلك يصب في أدب السجون أو الأدب السياسي؟
بعد نكسة 1967، ظهر لدينا كعرب تحديداً شكل شعري مستقل، يسمى الشعر السياسي أو الأدب السياسي، لم يكن موجوداً، ولم يكن مصنّفاً من قبل.
لعب نزار قباني دوراً بارزاً في تأصيل هذا النوع من خلال “هوامش على دفتر النكسة”، إلى جانب شعراء آخرين من سوريا ومصر والعراق، من مؤسسي هذا الاتجاه الشعري.
هكذا يوثق الأدب المرحلة، ولذلك أستطيع القول بأن الأديب هو الناطق الرسمي باسم الشعوب. ولذلك إذا أردت أن تدرس الحالة الاجتماعية لشعب ما، فانظر إليه من خلال الشعر والأدب، ومن خلال اللغة.
ما هو دور المثقف تجاه مجتمعه في الأزمات والصراعات؟
مع الأسف لدينا شريحة من المثقفين ما زالت تغرّد خارج السرب، في انعزال تام عن الواقع، وتتحدث من البرج العاجي.
المجتمع بحاجة إلى ما وصفه “غرامشي” بالمثقف العضوي، المثقف المشتبك مع قضايا المجتمع وهمومه، يجب أن يكون قادراً على الارتقاء بالحالة السياسية والثقافية، وتحويلها إلى حالة حوارية ناضجة ورأي متزن، يفترض بالأديب والمثقف أن يكون جزءاً من الحل، لا جزءاً من المشكلة.
كيف يمكن أن يسهم الأدب في إعادة بناء المجتمعات الناجية من الحروب؟
إذا كانت الدولة مسؤولة عن إعادة إعمار الحجر، فإن الأديب المثقف مسؤول عن إعادة إعمار البشر، الأدب أداة لإعادة بناء الإنسان.
مثالنا الأقرب هي بلدي سوريا، التي تدخل الآن مرحلة جديدة، لكن البلد مدمّر على المستوى الاجتماعي، لذلك نحن بحاجة إلى استعادة الهوية الثقافية، والاشتغال على قيم المواطنة، ونشر الإيجابية والتفاؤل بدلاً من خطاب الكراهية.
أما محاسبة المخطئ ومحاكمته، فهي حق أصيل للدولة، والسلك القضائي هو من يتولى المحاسبة وأخذ الحقوق.
كيف يستطيع الأديب مواجهة خطاب الكراهية؟
للأسف، لم يكن الأدب دائماً في صف القيم الإنسانية، بل في كثير من الأحيان كان أداة لتبرير الصراعات وتعزيز خطاب الكراهية، وعبر التاريخ، كان لكل فرقة وطائفة أدباء وشعراء يدافعون وينافحون عنها، يتبنون وجهة نظرها الإجرامية بحق الآخر، وهذا مخيب للآمال.
يتحمّل الأديب مسؤولية كبيرة، تكمن في مواجهة هذا القبح، من خلال إعلاء القيمة الجمالية والإنسانية والوطنية. يجب على الأديب أن ينتصر للإنسان وقضاياه وقضايا الوطن، يجدر به أن يبتعد عن الولاءات الضيقة والانتماءات الطائفية المعاكسة لمصلحة الوطن، ويجب أن يكون الأدب معبّراً عن هموم الناس جميعاً.
أخيراً كيف تقرأ المشهد الثقافي السعودي وتحوّلاته الكبرى؟
الآن يحق لكل عربي أن يتباهى بالهوية العربية، وأن يفخر بالمشروع الثقافي الذي تقوده المملكة، بكل ثقة وبالأرقام، أستطيع القول بأن المشهد الثقافي السعودي هو الأوّل على مستوى المنطقة.
ما تحقّقه المؤسسات السعودية من حراك ثقافي وفني ليس مشروعاً وطنياً سعودياً فحسب، بل هو مشروع عربي، وأريد أن أشير إلى مؤسستين رئيسيتين هما وزارة الثقافة بجميع هيئاتها، ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، والدور العظيم الذي تقومان به في بناء المشهد الثقافي.