اخبار عمان

الابتكار الإداري.. جوهر التميز | جريدة الرؤية العمانية

 

 

د. سعيد الدرمكي

 

يُعد الابتكار الإداري إحدى الركائز الأساسية لتحقيق النجاح والتطور في بيئة الأعمال الحديثة؛ حيث يسهم في رفع الكفاءة وتعزيز الاستراتيجيات التنافسية لمواجهة التحديات المتزايدة في الأسواق العالمية، ومع تعقّد بيئة العمل وتسارع التغيرات، أصبح تبني أساليب إدارية مبتكرة ضرورة لتمكين المؤسسات من استشراف الفرص المستقبلية وتحقيق نقلة نوعية في الأداء المؤسسي.

ويُسهم الابتكار الإداري في تحسين الأداء المؤسسي من خلال إعادة هيكلة الأنظمة التقليدية وتبسيط العمليات، مما يؤدي إلى تقديم خدمات ومنتجات عالية الجودة وزيادة رضا العملاء. كما أن اعتماد التقنيات الرقمية المتقدمة وتحليل البيانات الحديثة يعززان دقة اتخاذ القرارات الاستراتيجية، مما يمنح المؤسسات ميزة تنافسية أقوى. علاوة على ذلك، فإن بناء ثقافة تنظيمية قائمة على الإبداع والتعلم المستمر يساعد الفرق على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية، مما يضمن استمرارية النمو وتعزيز الريادة في السوق.

وتؤدي القيادة المبتكرة دورًا محوريًا في دعم الابتكار الإداري؛ حيث تحفّز تبني الأفكار الجديدة وتوفر بيئة عمل قائمة على التعاون والتواصل المفتوح. ويؤدي هذا النمط القيادي إلى تمكين العاملين من استكشاف حلول مبتكرة تتجاوز الأساليب التقليدية، مما يعزز مستويات الثقة والروح الجماعية داخل المؤسسة. كما تُسهم القيادة الفاعلة في دفع عجلة التغيير والتطوير من خلال دعم المبادرات الفردية والجماعية وتحفيز التفكير النقدي والإبداعي لدى جميع العاملين.

وعلى المستوى العالمي، نجحت العديد من المؤسسات في تحقيق ميزة تنافسية واضحة من خلال تبني الابتكار الإداري. فعلى سبيل المثال، اعتمدت جوجل نظام “20% Time”، الذي يمنح الموظفين جزءًا من وقت العمل لتطوير أفكار مبتكرة، مما أدى إلى ابتكار منتجات بارزة مثل بريد “جي ميل Gmail”، و”أخبار جوجل Google News”. وفي المقابل، طبَّقت شركة تويوتا مفهوم “الكايزن” أي التحسين المستمر؛ مما ساهم في رفع جودة الإنتاج وتقليل التكاليف. واستفادت شركة أمازون من استراتيجيات رقمية متطورة، عبر توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة سلسلة التوريد وتعزيز تجربة العملاء. أما شركة IBM، فقد أعادت هيكلة عملياتها الإدارية عبر التحول الرقمي، مما مكّنها من تقديم خدمات استشارية وحلول تقنية متطورة. وتبرز هذه الأمثلة كيف يمكن للمؤسسات الدمج بين التكنولوجيا والإبداع لتحويل التحديات إلى فرص.

ورغم الفوائد الكبيرة التي يوفرها الابتكار الإداري، فإن المؤسسات تواجه تحديات عديدة في تطبيقه، من أبرزها مقاومة التغيير من قبل بعض الموظفين والإدارات المتمسكة بالنظم التقليدية، إضافة إلى نقص الموارد المالية والخبرات المتخصصة. كما أن العوائق الثقافية والتنظيمية قد تشكل عقبة أمام التجديد والإبداع. ولمعالجة هذه التحديات، أصبح من الضروري تعزيز ثقافة الابتكار عبر برامج تدريبية متخصصة، ودعم تبادل المعرفة داخل المؤسسة وخارجها، والاستثمار في تطوير المهارات القيادية والإبداعية للعاملين لضمان نجاح تطبيق الاستراتيجيات المبتكرة.

وعلى الصعيد المحلي، شهدت المؤسسات العُمانية تقدمًا ملموسًا في تبني الابتكار الإداري، خاصة مع تسارع التحول الرقمي، الذي عزز كفاءة القطاع الخاص واعتماد أحدث التقنيات وأساليب الإدارة الحديثة. وتشير تقارير غرفة تجارة وصناعة عُمان إلى أن 40% من الشركات الخاصة تبنت التحول الرقمي، مع توقعات بارتفاع النسبة إلى 70% بحلول 2025، مما يعكس توجهًا واضحًا نحو الاستراتيجيات الرقمية. ومع ذلك، لا تزال بعض المؤسسات الحكومية تواجه تحديات مرتبطة بالبيروقراطية، مما قد يحد من التجديد. إلا أن “رؤية عُمان 2040” والمبادرات التطويرية الحديثة توفر دافعًا قويًا لتحديث الأنظمة الإدارية وتحسين جودة الخدمات.

وتستهدف السلطنة، ضمن “رؤية عُمان 2040″، أن تكون من بين أفضل 20 دولة عالميًا في مؤشر الابتكار، وذلك من خلال تعزيز بيئة البحث والتطوير، ودعم المبادرات الرامية إلى تطوير بيئة الأعمال وتحفيز ريادة الأعمال والابتكار المؤسسي. ورغم أن تقرير مكتب الملكية الفكرية العالمي (الويبو) أشار إلى أن عُمان احتلت المرتبة 74 عالميًا لعام 2024 من بين 133 دولة، فإن هذا الواقع يمثل نقطة انطلاق لتعزيز وتضافر الجهود الوطنية وتكثيف الاستثمارات في مجالات البحث والابتكار.

ولم يعد الابتكار الإداري خيارًا؛ بل أصبح ضرورة استراتيجية لتمكين المؤسسات من التكيف مع المتغيرات المتسارعة وتعزيز تنافسيتها في الأسواق المحلية والعالمية. لذا، يتعين على المؤسسات الاستثمار في بناء بيئة إدارية مرنة تشجع على الإبداع والتطوير المستمر، وتوفر منصة لتبادل الأفكار والخبرات.

وأخيرًا.. إنَّ تبني ممارسات إدارية مبتكرة لا يسهم فقط في تحقيق التميز المؤسسي؛ بل يمهد أيضًا الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقًا وازدهارًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *