قصة الوادي الصغير 22 | جريدة الرؤية العمانية

الكاتب/ حمد الناصري
ترأس” مُحسن الشيخ ” قائد التحالف الجديد الاجتماع الأول، مُحذّراً من تأثير أفكار الغُرباء على أهلنا في الرمال والوادي وقال في مُجمل حديثه:
ـ أيها الإخوة الأعزّاء ، في اجتماعنا هذا ندعوكم للوقوف معنا، فالتحالف الجديد؛ تحالف شُرِّع لخدمتكم، ونأمل أنْ تكون وقفتكم باسم “تحالف الوادي الصغير” تحالفاً يقوم على السلام للناس جميعاً، سلاماً رادعاً للغُرباء المُهيمنين على بحرنا ورمالنا، ومنذ زمن بعيد يتصادم الشرقيين والغربيين على بحرنا الكبير بحجج كثيرة نعلمها أو لا نعلمها، خفيّة وظاهرة ثم نقلوا نزاعهم الخفيّ من البحر إلى الرمال، وشرعوا يُهَرّبون السلاح على أسس أمنية شاملة وفعّالة، وحجّتها ردع الصراعات الداخلية وكبح حِدّة هوامشها، وتزايد امتدادها أو تكوين مُعارضات في بلاد الأعراب، وهذه الفكرة آلتْ إليهم بدوافع فلسفة “ثابت” إذ أنّ “ثابت” ومجموعة من الرجال يقومون بتخزينها في كهوف آمنة حتى الجنّ لا يعرفون لها طريق، وقد أسرّ ثابت إلى أبي بخبر لا يَعلمه كثير من الناس ، أنه استخدم الخِطة بذكاء ودهاء الغربيين، ليحصل على السلاح لقتال الشرقيين في بداية الأمر وفي ظاهر القول، بحجة ردع الصراعات الداخلية وكبح امتداد هوامشها، ويفعل ذلك الأمر مع الشرقيين بالطريقة نفسها وبالأسلوب عينه، ثم يُقاتلهم بها جميعاً.
والحقيقة أنّ السيّد ثابت قائد ورجل ذو حكمة ودهاء ومكر، ونحن لم نستطع فهمه في أثناء حقبة قيادته، وينقصنا التركيز، وما سمعناهُ وما قِيْل بأنه كان يتستّر بالوطنية.. خطأ جسيم.
وحاشا للرجل أن يخون أمة الأعراب ويتستّر بالوطنية وهو طوال حياته ظل مُناضلاً بصمت لأجل جمع أشتات ما تفرّق عليه الأعراب، أنّه رجل تقارب مع أقواماً ليسوا منا؛ أقواماً من غير الأعراب، عُرفوا بذوي السحنة الرصاصية وفارعي الطول وذوي العيون السود والعيون الجاحظة في البحر الكبير، وقد كُنّا يوماً أسياداً امتدّت سلطتهم إلى بحار شرق ذوي الأنوف الفطحاء.
وبحقّ أقولها وللمرّة الأولى: هذا الرجل عظيم، ودهاؤه لا يعلم به حتّى المُقرّبون منه، وكذلك في كثير من الأمور، فهو يُحافظ على انتقاء ألفاظه بدهاء تصويبه، من منطلق مقولته الشهيرة “الأعراب يستحقون “.
قال عنه أحد أبرز أعدائه الشرقيين، ثابت من أكبر دُهاة الأعراب، ورغم أن الفكرة جيدة والدهاء عانق السماء إلا أنّ الغرباء شرقيهم وغربيهم ازدادوا حقداً على الأعراب والرمال والبحر الضيّق والبحر الكبير ورأس الجبل والساحل الطويل، فقلبوا صفقات السلاح ضِدّنا، وكان مُخبريهم يعلمون تفاصيل كثيرة أكثر مما يعلمها ثابت ابن الوادي الصغير ورمال الأعراب الذهبية.. وبدونا ـ أي نحن الأعراب ـ فرحين مُستبشرين أنّ الغرباء يَمدّوننا بالسلاح، إلى أنْ فرّقوا قُرانا وفصلوا ساحلنا عن بحرنا الكبير وتنازع الرجال بينهم، وظهرت خيانة رجال لا خير فيهم، مثل فلوع وأخيه فالع. ثمّ تقاتلنا وتفرّقنا حين نشأت في الرمال أحقاد وبَغضاء وشحناء، ودفعنا بأموالنا جِزية للغرباء لدوام بقائنا ونحن صاغرين، برضاً مِنّا أو بغير رِضاً .
ولم يكن ليحدث ذلك أبداً لولا غياب التآلف والقوة الرادعة التي تُحافظ على الوادي والرمال والبحر الكبير، والتي دخل فيها بعض الخونة ممّن عُرفوا بـ “خونة أهل الدار”، يعني خيانة أهل الأرض والمكان من أعراب الرمال والساحل الطويل والبحر الكبير، فتصاعدت أصوات التخوين، واشتغل الغُرباء على تلك الأصوات المُخالفة، فأوجدوا الخائن الذي فرّط في حقّ مجتمعه وأمّته.. وبعثوا من يشتغل في نبش التخوين، وقاموا بالتغيير في مواقف الرجال وبدت ملامح نقض العهد ظاهرة إلى العيان لا تستّر عليها، وغلظ جمع منهم في صلابة وشدّة ضد الجمع الآخر، ولجأ بعضهم إلى تنظيرات في الخيانة والخائنين بينما غيرهم ثبتوا في طاعتهم لولي الأمر “ثابت” لأنّهم وجدوا فيه معاني الأمانة، حقوقًا وواجبات، وانبرى قِلّة منهم على لومه، ورمى التافهون رجالاً كانوا بعيدين عن التخوين والفِرقة، ورغم ذلك التزم ثابت الصدق وقول الحق والصراحة، وهذه حقيقة، شهادة مني، وإن كان يوماً اتخذته خصماً.
وما يُؤلمني أكثر هو ما ظهر في مجتمع الأعراب، يُحارب الكبار الخونة الصغار وهم أنفسهم الخونة، ويُحارب التجار الفساد وهم أساس الفساد، ويحارب القادة فقر المجتمع وعوزه وهم يثقلون جيوبهم بالأموال الحرام، ويُحمّلونهم أوزاراً من عدم الثقة بهم، فيكونوا خونة ومُفسدين فقراء ينظرون إلى الأغنياء على أنّهم سبب فقرهم وجوعهم وعوزهم وفسادهم.
وذلك ما يُريده الغُرباء في رمال الأعراب، وذلك هو الهدف الذي يُخفونه بينهم، أنْ يَكْثُر الأفّاكون بين جنبينا وتستمرّ فوضى تخوين الرجال وينتشر الفساد.
قال رجل ذي شُعيرات شائبة وقد انشقّ عن جماعة الوادي الصغير على أثر تولي ثابت قيادة مجتمع الأعراب، واعتزلهم غاضباً إلى ما وراء أحياء كثبان الرمال:
ـ طيب.. وماذا يتوجّب علينا على أثر هذه التداعيات الخطيرة فما أحدثهُ “ثابت” بالتعاون مع الغرباء في أرض الأعراب وبحرها الكبير، يُعد إنكاراً مُؤثراً وخطيراً على الرمال والكثبان وعلى قرية البحر وقرية التراث والقرية العتيقة والحارات العشر والسيح المالح والساحل الطويل.
وما أراهُ صواباً وبعيداً عن اختلافي مع ثابت؛ يتوجّب على كل واحد منكم أنْ يُصَوّب غضبه وسخطه إلى عدونا الأوّل وخصمنا الأزلي والأشدّ خطورة على أرضنا وبحرنا وقُرانا، الغُرباء ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة، أنّهم قوم أشرار مُتبجّحون، نفسيّتهم وقحة وشرّانية وألسنتهم طويلة على أبناء مُجتمعنا، بذيئة إلى حدّ الغُرور، وقد بلغ تعاليهم وتكبّرهم وإنكارهم إنسانية الأعراب إلى حدّ لا يُمكن السكوت عنه، نعم وأنا لا أزكّي أحداً، فهناك قِلّة من الخونة في الداخل، وعلينا قطع دابرهم وعدم تمكين الخائنين من أبناء جِلدتنا حيثما كانوا في جبهة الداخل.
وأدعوكم إلى وقفة مُشرفة، وقفة مع تحالف ” الوادي الصغير” بقيادة مُحسن الشيخ وأنْ لا تنشغلوا بالمَعمعة الحادثة في رمالنا، فما يجري من توجيه اتهامات لبعضنا هي من صُنع الغُرباء.
وكان من خطأي هو اعتزال الرجال يوم كان السيد ثابت على مسؤولية قيادة الوادي، إذ كان يُحارب الفساد واتذكر قوله ” مُحاربة الفساد الداخلي هو الأصوب ، فإنْ صَلُحَ ما بداخل المجتمع كان باستطاعتنا مواجهة الأعداء بقوة وثقة وعزم ” فالرجل ثابت ويُلقبه أهالي الوادي بأبو الثوابت .. وهذا اللقب أُطلق عليه لأنه إذا صوّب فكرهُ إلى هدف معين، ثبت عليه وإن وجّه أمراً نفذه بحذافيره، وإن أراد تمكين المجتمع على شيء طبقه على نفسه وأهله أولاً.
ذلك الرجل العظيم ابن سادة نُجباء، حصيف وداهية عصره ، اعترف بذكائه وفطنته أعداء الرمال والبحار جميعَا شرقيهم وغربيهم، وهذه هي الحقيقة ويجب أن لا نُخفيها والكلمة الصادقة تُقال في موقفها والثمرة الطيبة مذاقها بعد نُضجها. وإنْ لم نكن عادلين فمن يَعدلنا بعدئذ، إذا ما احتجنا إلى العدالة، وقديماً قِيْل ” جمال الزهرة في الصَخرة وخير اليُسر في العُسر ” فوالله وتا الله لا أزكي الرجل على أحدٍ منكم أبداً، ولكنّني أرى أنّ مجتمعنا واحد ولسانه واحد وعاداته وتقاليده واحدة، والأعراب أُمّة خير باقية للناس، ولا يزال الخير باقٍ في صخرهم وبحرهم ورمالهم، فالأولون من رجال الأعراب، عُرفوا بسلامة الصدر ونقاء السريرة ومنهم من اتبع الحق ولا يحيد عنه قيد أنملة، والقاسطون من رجالنا عُرباً أقحاح، ومنهم من دون ذلك اتبع طريقًا معتدلاً تماشياً مع رفاهية الناس ومعيشتهم، كمثل أبو الثوابت العظيم، الذي ترك لنا نصاً يُقرأ واعتبرهُ الكثيرون بأنه وثيقة خالدة ” لا تَعْتدوا بما يشيعهُ الغُرباء في المُجتمع وما يُذيعونه على ألسنة مُخبريهم وخونة بعض رجال الأعراب، وعلينا جميعاً مسؤولية القيام بتوعية أعراب الرمال والساحل الطويل وأحياء الكثبان وقرى البحر والجبل وفي كل بُقعة من رمالنا وبحرنا وأوديتنا وجبالنا من خطورة الذين بجوارنا ، ومُرتزقة من أقوام فارعي الطول وذوي العيون السود وذوي العيون الجاحظة الذين ينهبون ثرواتنا ويسرقون كنوزنا ومُقدراتنا الفكرية والعقلية، ويُحَوّرون كُتب الأولين زيفاً وبُهتاناً..”
وليس أدلّ على قولي أكثر من ذلك الدليل الكبير الذي تركه لنا السيد ثابت لنقرأه بتريّث؛ إذ فيه سلامة وصبر وأمان وكل اعتدال، وفيه حكمة واستقرار وطُمأنينة.
وما أراهُ أنا اليوم، أنّ أؤلئك الأقوام أوغاد كَثروا في أرضنا وعلى الرمال والكثبان والبحر الكبير في قبضتهم، وذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة هم من أيّد فكرة وجود الحارة الحادية عشرة ليزدادوا في ظُلمهم وفي طُغيانهم إلى حدّ لا مُنتهى له ، وقد تطاول أوباش الحارة الحادية عشرة بقوة داعمة من الحمقى الغربيين ذو الوجوه الحمراء المُكتنزة وانصبّت حماقتهم على أقصى تُراثنا وعلى قِيَم مُعتقدنا الأصيل ، وقد تجاوزوا ذلك المحظور إلى الأشد غرابة وحماقة منه أن أخرجوا رجالاً عُرباً كانوا على صخرة عُرفوا بها، ينظرون إلى السماء لتهديهم إلى بوابة الطريق، وازدادوا عَبَثاً وفي قولهم زوراً من استنساخ قِيَم تُراثنا العظيم حين زوّروا التاريخ العظيم زاعمين بأنه لا تُراث للأعراب في بوابة أقصى بوابة السماء ، وأنّ صخرتهم في قريتهم العتيقة وتراثهم في قريتهم القديمة ، وبيننا وبينهم بحر المرجان يفصل بيننا وهو ينطق بالحق، فالمرجان لُؤلؤة الذين هادوا من الأعراب وانقلبوا إلى القوة الحادية عشرة بحثاً عن نور الأمان.
تلك الأقوام عادتْ الناس جميعاً ولم يقتصر عداؤهم على أعراب الرمال بل امتدّ إلى أعراب أقاصي بوابة السماء، فعادوا المرأة العفيفة التي ذُكِرت في نصوص الكذب والزور نصوصاً اتخذوها من بعد تحريفها دلالة على تحريفهم للحق ببطال مُغرض جاؤوا به طُغياناً وكُفراً وبَغوا بطشاً غليظاً وفساداً كبيراً وصل حدّ لا يُمكن السكوت عنه، وقالوا أنّ مُعتقد الأعراب لا موثق له.. ذلك الذي قاتلهم عليه السيد ثابت.؛ وأسماهُ إخراج الغُرباء من بحر الأعراب والرمال والكثبان.
بقيَ محسن الشيخ ساكتا وعينه تدور شمالا ويميناً، وقد أوقفها في أعين الرجال وكأنه يشدّهم إلى الانتباه إليه.. وقال:
ـ انتبهوا أيها الرجال، إنّ ما يشغل بال الغُرباء جميعهم هو التضييق على مُعتقداتنا وتغييب تُراثنا بغطاءات لا قِبَل لنا بها.. فلنقم بواجبنا تجاه ما نُؤمن به وما فُضّلنا عليهم بنعمة إكرام السماء والأرض. وما سار عليه رجال الوادي الصغير منذ العهد الاوّل العظيم في رمال الأعراب.
وإني أرى، بأنّ الجانب الآخر، الغُرباء البيض ذوي العُيون الزرقاء أهْوَن الأمرّين من أولئك الرعاع، الذين يُشعلون فَتِيل الفتنة على أرضنا وكل أساليبهم تنصبّ بغوغائية الكسب المادي واستغلال ضَعفنا بثورات لا أخلاق فيها ولا خلاق.. بل أنّ الشرقيين أخْيَر من الغوغائيين جلبة الفساد إلى أرض الأعراب، فالغوغائية تجذّرت في أكثر من مكان؛ في البحر والسهل والجبل، وكانت نتاجاً لما نحن عليه الآن من انقسام وتشتّت واختلاف.. والذين تقاسموا معنا شطراً من البحر هُم دوماً في مواجهتنا ولكنهم يُخفون حقيقتهم، من أجل أنْ يبقى بحرنا الكبير وما وراءهُ من بحار كالبحر العميق والبحر الرهيب والذي يُعرف لدى الغرباء بـ بحر المرجان.. فأولئك الأقوام يضطروننا على التعايش القسري معهم للأسباب التي تعلمونها ومن مُنطلق تقاربهم البحري أو من مُنطلق الإلزام بقبول الآخر واجب، تُفرضه علاقة التقارب، وذلك الاضطرار أسْوأ اضطرار ، فهم يُخادعوننا في التعايش معهم وما يخدعون إلا أنفسهم وإن كانوا يعلمون بحقّنا وهم لا يزالون يرتكبون جرائم في حق قرية البحر الضيّق التي تُعرف لدى الغُرباء بالممر الضيّق ، تلك القرية التي تمسّك بها ثابت حفيد السيد سالم الراس وما زادهم إلا ألماً وحُزناً وحسرةً على تمسّكه الشديد بالبحر الضيق وقريته العالقة على رأس الجبل، ويُقال أنّ رأس الجبل نبت في عُمق البحر الأصْعب، وأرض البحر عبارة عن طبقات غليظة مُتراكبة فوق بعضها، هذا ما أجمع عليه الراسخون في علم البحار والرمال على أن القرية البحرية التي عُرفت بالقرية الأعلى أو القرية العالقة أو قرية الرأس بأنها موروث امتدّ إلى داخل عُمق جبال الوادي الصغير وحتى المُستكشفين والخبراء والمخبرين الغربيين والشرقيين أجمعوا على ذلك القول، وحتى أولئك المُنحرفين من القوة الحادية عشرة يؤكدون بلا خِلاف بأن البحر الضيّق والبحر الكبير امتداد للوادي الصغير ولن يشهد بالحقّ إلا من رأى الحق فنطق مؤمناً به وبما لا يدعوا للشكّ فالحقُ أحقَّ أن يُتّبع.
قال رجل من الوادي الصغير مترأسًا جماعته:
ـ نحن نعلم كثيراً مما حدّثتنا به وزيادة، فالفِتن كلها من الغُرباء ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة والذين يُجاوروننا، وما قُلته في ذلك الرجل العظيم، فتلك شهادة يستحقّها وهي واجبة على أهلنا في الوادي الصغير قبل أي أحد غيرهم، فهم أحقّ بهذه الشهادة الثابتة من خصوم الرجل في أرض الأعراب وكثبان الرمال والبحر الكبير.. والغُرباء لا يُريدون لنا عُلواً ولا رِفْعَة ، بل يقومون بتدنيس تُراثنا بأسلوب لا يفهمه كثير من الناس وما خفي كان أعظم، فالمُندسين من أبناء جلدتنا هم أسوأ منهم ، وهذا الوادي وكل القرى المُتجاورة والقرية الأعلى وقرية البحر والتراث والسيح المالح والحارات العَشْر ، تُربتها طاهرة ورجالها أهل عِزّة ونخوة، ومن مسّ كرامتنا يوماً فإن التاريخ سَيُعِيد كرامته بنفسه، وما وقفتكم الشامخة من منع الغُرباء من تدخلهم في شُؤوننا إلا شهامة وكرامة عربي أصيل ، وما حدث في السيح المالح ، خطأ من أعراب تجنّوا على أنفسهم ، وتعاونوا بقباحة وجهالة وقد افتعل الغُرباء عُدوانية يُفرقوننا بها ، فتنة مُجتمع الرمال ، هي أكبر عُدوانية على أمّة الأعراب الذين لم يُظهروا غِيرة على تُراثهم ولم يصَونوا مكانتهم وهذا ما وجدناهُ عند غيرنا ، وما قرأناه في كتب كثيرة غربية وشرقية .
وإني وفي هذا المحفل العظيم وفي جمعنا هذا ، أشُد يدي على أيديكم ويسرّني أنْ نوجّه رسالة إلى كل غيور من أبناء جَلدتنا، أنّ الغُرباء لا أمانة لهم ولا ثِقة، وفي أنفسهم غُموض وحِقْد على تُراثنا ، ويتربّصون بنا ويكرهوننا وإنْ أظهروا لنا محبة وصداقة ، فهم يُداهنوننا بها ولا يَطمئنون إلينا ويحقدون علينا إلى الحد الذي يَتمنون إنهاء وجودنا بأيديهم ، تحقيقاً لرسالة الربّ الذي يُؤمنون به في كتبهم المُحرّفة وينتهزون كل موقف ليسددوا رميهم علينا بضربة قاضية ، وأمّا إنْ تهالكنا وضَعُفنا فلا تسألني عن شيء بَعْدَها ، فقد يُحدث الغرباء أمراً نُكْراً .. فما يُخفونه أشدّ وأغلظ وأقسى مِمّا حذّرتكم منه، ولن تستطيعوا معهم صَبْراً ، لمخالفتهم قِيم تُؤمنون بها ولا يزالون يُنكرون عليكم مُخالفة قيمٍ الربّ الأعلى ، ومن خالف قِيَم الربّ الأعلى وقع في التهلكة وسقط في الوحْل ، وعقابهُ أشدّ وأقسى ، حتى ولو كانت بالوحشية والغِلظة ، ولن تصبروا على إساءة الغربيين ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة ولن تستطيعوا تحمّل غِلظة الشرقيين ذوي العيون الزرقاء ولا يُمكن لأحد منكم معرفة التحدّيات التي سوف تُواجهونها من أعدائكم بشكل وافٍ وكامل، ويومئذ أمركم خُسْرًا وتحسبونه نفعاً لكم ولن ينفعكم ندم ولا لوم ، إنْ لم تقوموا جمعاً ، وكل سقطة وخيبة وراءها يقظة وأمل..
أنتم أيها الرجال كِراماً وشُجعاناً، رمالكم ذهبية وحضارتكم ماجدة، تسيّد أجدادكم العُظماء بحاراً عميقة، وشغلوا الشرق والغرب بهيبتهم وصلابتهم وبلغوا آفاقاً أدهشت الغُرباء شرقيهم وغربيهم، وكان آبائكم على بصيرة واسعة بالبحر، فأعَدّوهُ جوهرة ثمينة، وخزائن الرمال ذهبية فحافظوا عليها والجبال نفائس صَلدة، لم يمسسها أحد غيرهم.
ولن أزيد ولن أسْهب في حديثي عن الغُرباء ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة ولا عن الشرقيين ذوي العيون الزرقاء فجميعهم أقوام لا نيّة صادقة لهم، ومَواقفهم سَوداء وحِقدهم دفين، علناً وجهراً، لا يُدارون أحد مِنّا قوياً أو ذكياً أو حتى داهية وحكيماً، فرسالتهم مكشوفة وغاياتهم مُوثقة في كتبهم وحضارتهم التي يَدّعونها وأكثرها تدور حول المُساواة الفاشلة والحريات الماجنة، فتحرير المرأة من القِيم والأخلاق يشغل بالهم.
قال رجل من قرية التراث مُتقدماً رجال القرية:
ـ اتفق مع ابن العم “نعيم” في أشياء كثيرة، وخاصة ما تحدّث به عن ثابت، ولكن ما يهمّنا الآن، ليس ما يُذكر من حديث ولكن ما نقوم به من عمل لمواجهة الغُرباء، وأشدّ بيدي على يد مُحسن الشيخ، كونه أحد كُبراء رجال الحارة التاسعة ونتفق معه ـ أيضاً ـ لما أجمع عليه رجالنا ليكون قائداً لـ “تحالف الوادي الصغير” ونحن في قرية التراث، ندعم الأثر الإنساني الذي يترك بصمة عالقة، فقد خُلقنا جميعاً للعطاء، وذلك هو السبيل الأقوم لتحقيق أثر عميق في المُجتمع.
ولكنّنا نُؤكّد، أنّ الغُرباء ليسوا جميعا خطراً وشرّاً مُحْدَقاً على مجتمع أعراب الوادي والقرية العتيقة والتراث.. وثِمة أمر غائب عن كثير منكم، وهو أنّ القرية البحرية والحارات العشر والساحل الطويل والسيح المالح لا يتبعنَ الوادي الصغير مُنذ غابر الازمان، وإنما هي أقاصيص محبوكة من أبناء الوادي الصغير وعلى رأسهم ثابت ومن قبله الذين أذاعوا بأنهم أسياد البحار، وهنا مُغالطة كبيرة يجب أن نقف عندها ونُصوّبها وننتشلها من وَحْل كذبتها، فأين بقية الأعراب الذين اشتركوا معهم في أقاصي الشرق؟ وما هو دورنا نحن كأعراب الرمال والكثبان؟ والسؤال الأكثر دهشة؛ كيف عادتْ القُرى والأحياء إلى منظومة الوادي الصغير؟ وما يُحَيّرني ويزيد من دهشتي واستغرابي.. هل جِئْنا لمناقشة قضية أسياد البحار وأحوالهم وما كانوا عليه؟ أم جِئْنا لمناقشة أوضاع البلدات التي انشقّت ومجتمعاتها التي انفصلت عن قرية التراث الكبيرة، كالقرية الأعلى، والقرية التي تتوسّط البحر والتي قِيْل ـ أيضاًـ أنّ جذورها امتداد للبحر الكبير.؟ أم نحن جِئنا لتفصيل امتداد القرية العتيقة وقرية التراث فيمن هي الأصل فيهما.؟ وهل تكوّنت الرمال أوّلاً في الوادي الصغير أم أنّ البحر هو الذي خلق البحار حين تركها بلا ماء فجفّت وتصلّبت وصار بعضها صَلد كالحجارة.؟
ومن طيب الأثر الجميل الذي أنتم عليه مُجتمعون، يَسعني أن اتطرّق إلى مناقشة قضية تبعية الساحل الطويل للوادي الصغير أم أنّ تبعيته تعود إلى القرية التاسعة.؟
هذه القرية الحسناء ولك أن تتخيّل منظرها الساحر الخلاب.. وساحلها الهادي الجذّاب والتي منها “محسن الشيخ” الذي أجمعتم عليه ليكون قائدا للتحالف الجديد.؟
والحديث يجرّ بعضه.. هل قرية البحر العميق أو الممرّ الضيّق، هو مدخل لقرية التُراث.؟ أم أنّ قرية التراث امتداد لمدخله المُهِم؟ وهل منافع القريتين؛ رأس الممرّ الأعلى وقرية البحر تخدم مُجتمع الساحل الطويل والوادي؟ وهل المنافع المحصّلة من قرية التراث والقرية العتيقة تعود لخدمة مُجتمع الأعراب والرمال الذهبية.؟
قاطع مُحسن الشيخ حديث الرجل من قرية التراث خوفاً من تصاعد حدّة النزاع مرة أخرى:
ـ المنافع كلّها يجب أنْ تُكرّس لتحسين وضع المعيشة في أحياء الرمال والكثبان والحارات الأفقر مورداً والبحر الكبير والساحل الطويل والرمال والكثبان وقرية البحر والقرية الأعلى ورأس المَمرّ لتكون مكسباً ومورداً لكل بلاد الأعراب برّاً وبحراً.. فضلاً من ذلك، فنحن نهتم بكل سيرة تجمعنا وتدعوا إلى التكامل، وتوحيد أمة الأعراب وترتقي بنا اقتصادياً واجتماعياً وتدفعنا إلى تحقيق مزيد من منافع الوحدة والتكامل، إذ نطمح إلى مزيد من السَعي المُشترك الذي يقودنا إلى مؤتلف واحد. يُسمّى “تحالف رمال الأعراب.”.
قال رجل من القرية الأعلى له هَيْبة ووقار ولحية مُسترسلة، ملأتْ جزء من صَدره:
ـ وأنا أتفق مع مُحسن الشيخ، ابن الحارة التاسعة، وأرى تثبيته لقيادة” تحالف الوادي الصغير” ونُزكّيه بأنْ يكون على رأس قادة التحالف الجديد.. بدلاً عن هذه الزيادات والاختلافات بين مجتمعات الأعراب، وما يدريك لعلّ الغد يظهر لنا مُقترح “تحالف بلاد الرمال الذهبية” ويكون تحالف مشترك من الغُرباء وفارعي الطول وذوي العيون الجاحظة والجوار البحري والقوة الحادية عشرة. وذلك ما يُريده الغرباء ذوي الوجوه الحُمر المكتنزة.
قال رجل اُخْتير ليكون عُضواً في مجموعة البيانات السرّية بقيادة تحالف الوادي مُعقّباً :
ـ وتأكيداً على هدفنا المُشترك، فإنّ مسار التحالف الجديد يحتاج إلى بضعة أمور غاية في الأهمية، منها أن يكون تحالف “الوادي الصغير” قوة يُعتدّ بها، وبحاجة إلى مُناقشة الأوامر التنفيذية بجدية، والوصول إلى المعلومات السرّية الضرورية، ومُناقشة تفاصيل التفاصيل وبدقّة عالية ومناقشةـ إن شئتم ـ من الذي تسبّب وأدخل الغُرباء إلى ساحلنا الطويل؟ ومن الذي جرّنا إلى هذا الوضع المُزري من التعايش بيننا؟ ومن الذي ألحق بنا الضّرر الجسيم الذي كان أهم دوافع الاختلاف؟ ومن الذي أشعل الفِتنة بين مجتمعاتنا، الساحل أو الرمال أو الجبل.؟ وكيف ولماذا انشّق الأخوين “فالع وفلوع” من أعراب الساحل.؟ وهل هم حقاً أعراباً وليسوا عُجْماً؟!
قال رجل من قرية التراث يتّصف بنزعة رجولية وشهامة:
ـ ذلك التحالف لن يَجمعنا، ولن يُوحّدنا على الرغم من أنّنا نتحدّث بلغة واحدة فما هي غايته وما هو الهدف منه؟ فإذا كان التحالف لا يأتلف لغاية ولا يجمع قوة وأفكاراً ، نعتبرهُ تحالفاً بلا قوة ولا هدف، فإذا لم يكن قوّة نجتمع على إثرها، وتخرج لنا أفكاره مما تَنبت به مُخيّلات الرجال ولم يحقّق لنا طموحاتنا ولا مأربنا؛ سيظلّ تحالفاً بالاسم فقط، ويُراوح في مكانه، مُجرّد اسم أو حُلم خطف مُخيّلة الأعرابي .. فأصبح مشروعاً فخماً لا واقع له في رمال الأعراب وبحارهم.
ما أودّ تذكيركم به هو أنّ قيادة التحالف لا بدّ من أن تضمّ كل القرى وأطرافها؛ قرى الساحل العشرة وقرية البحر وقرية الرأس والقرية الملوّنة وقرية جبل الماء الضحل وجُزر رَمْثة وهُبلان والرمال والكثبان والقريتين الأعلى والمُنحدر والبلدتين العريقتين ” قرية التراث والقرية العتيقة “، وأنا أفضّل أن تكون البلدتين مُنطلق لتأسيس التحالف وأنْ تكون مركز قوة التحالف في الوادي الصغير. لماذا.؟ أقول لكم، تأسيس تحالف مرجعه القريتين “التراث والعتيقة” فيه قوة وإجماع من كل الأطراف، فمكانة القريتين كبيرة في مخيّلة الأعراب.. ثم يكون مركز هذه القوة ” الوادي الصغير ” والذي يُشرف على البحار السّتة الكبيرة، بحر الأعراب والبحر العميق، بحر المرجان، بحر الظُلمات ، بحر العواصف ، بحر الشرق ، فضلا عن بحر الوادي الصغير اللائي تلتقين فيها البحار الستّة الكبيرة، أو كما يُقال بحر الوادي الصغير بحر تصبّ فيه البحار الكبيرة .
قال مُحسن الشيخ قائد تحالف الوادي الصغير مُرحباً بالرجال ومُتفهّماً لما تطرّقوا إليه:
ـ اتفق معكم جُملة وتفصيلاً فيما ذهبتم إليه، ويَسُرّنا ذلك التفهّم والوعي بقضيّتنا الأولى وهي إخراج الغُرباء من رمالنا وإبعادهم عن بحرنا ورمالنا.. لقد أطلق الغربيين اسم قوتهم على بحرنا “تحالف البحر المُزدهر”، تحالف موسوم ضِدّنا كأعراب ومرسوم بدقّة، وهو من ضِمن مشروعهم الكبير ” البحر والرمال” غير مُكترثين بصلابتنا ويتوعّدون بإعصار يزدهر في رمالنا، هكذا يقولون في منشوراتهم المُستفزّة غير عابئين بصلابة رجالنا، فنواياهم غاشمة ولا يُخفونها، فقد أظهرتهم على حقيقتهم وأخرجت ما في صُدورهم من غِلّ وخُبث ومكر، ونفثت ضغائنهم كالسُم الرّعاف.
والأكثر خطورة، هو تغابينا لدسائس الغرُباء في أرضنا وفي بحرنا، إذ تزداد خطورتها حين تُغادرنا القيَم بغير رجعة، ونكون في عُزلة وفي توتّر مُستمر.. فالغُرباء يَستكثرون الخير علينا ويُكابرون في نقل ما هو أشدّ قسوة من الحجارة الصَلدة، ذلك المُعتقد البائس الذي يحمل في طيّاته الحمق؛ لا جوهر له.
ولذلك يتمادى الغُرباء في وصفهم لنا، بأنّا أقواماً مُشتّتة وجماعات مُتفرقة، نُجافي بعضنا ونعتزل بعضنا بعضًا، نثور تارةً ونُهادن تارة أخرى … ذلك الوصف قاله أحد القادة الغربيين في بحر الأعراب الكبير.
عقّب رجل من قرية التراث مُلمّحاً:
ـ منذ مئات السنين والغُرباء أفكارهم مُقيتة، وخَلّفوا أقواماً يائسة وقد ذُكروا في وثيقة العهد القديم ، أنّ تلك الأقوام اليائسة لم تتوقف عند حدّ مُعين بل استمرت في زيفها وكذبها إلى حدّ لا يُطيق قبول سخافاتها، وقد طالتْ نصوص عقائد الأوّلين من رجالهم وكانوا يؤمنون بها نصاً ويلتزمون بها كيْفاً ، وسردية الأعراب تتفق تماماً مع ذلك النصّ؛ وهو جزء من عقيدتهم ، ومن ضِمْن ذلك سيّدة عفيفة مسّتها أقوالهم وأساءتْ إلى كرامتها وطالتْ عِفّتها ، وهي سَيدة عُرفت من مَنبت فيه صلاح وعفاف ، وبيت كريم وشرف وعز ، سيّدة أنْصَت الحُزن إليها وأدمعت محاسن الدمع لأجلها ، وأجمعت الكلمة في شأنها ، رفيعة الحسب والنسب الأصيل ، ولكنّ القوم اليائسون أغلظوا في أسفارهم وكتبت أيْديهم الآثمة ووثّقت أقلامهم زيفاً وصاغتْ حروفهم بُهتانًا وظُلماً فيها.. انشغلوا بالظنون فقستْ قلوبهم بالقول ودناءة الفِعْل لسيّدة رَؤوم نهلتْ تعاليم رِفْعَتها من فيض رسالة النور الإلهية في أرض الخُلود.
قال محسن الشيخ والرغبة في تفاصيل حكاية السيدة الرؤوم بالعفّة والشرف.. زدنا أكثر من مَعين مَحاسنها وضِياء نورها وسِعة رِفْعَتها.. سكت بُرهة.. ثم أردف، من تطوّع خيراً فهو خيرٌ له.
هزّ الرجل من بلدة التراث رأسه مُوافقاً وقال:
ـ تلك السيدة الرؤوم وهي في أصْعب ظروفها النفسية، عانت من جهل قومها اليائسين ومن غِلظة الأذى النفسي من كبار قومها بغوغائية مُتلازمة.. أولئك الأقوام حُرموا من ألطاف الجمائل الحَسِنة، إلى الحدّ الذي جعلهم يَتبرأون منها وهيَ منهم، سيّدة من عِلية قومها، فأنكروا عليها ذلك المقام الرفيع، ولم تَنج من ظُلمهم وقساوة ألسنتهم ودناءة أفعالهم. وطفقوا بألسنة حِداد وحماقة جُبلوا عليها، لا يكفّون عنها أبداً.. وفي حكاية لفّقها قومها اليائسين، سردية عُرفت بوثيقة العهد القديم.. سألها قومها الأوباش بيأس مُدهش وحيرة غصّوا بأمرها، أنّى لكِ هذا.؟ حتى ذلك الذي كان في مَهدها صبياً ، أدهشتهُ تلك الأسئلة ، وحيّرهُ ذلك الهوس المأفون ، فنطقَ الصبي مُطهراً أمّه ومُبعدًا إيّاها عن قُبح اليائسين المأخوذ بالظنّ في طهارتها وعفّتها العالية، ذلك الصبي الموضوع في مَهده تدور عينيه في قوم مأخوذين بقباحة الأفعال ونتانة الأقوال ويَنظر في وجه أمّه وقد همّه حُزنها وساء حالهُ بضَائقتها، ويُهِمّ أن يقول شيئاً عن أمّه ويُدافع عنها ، ويكتم غيظ صدره ، لم يجد إلّا ما حدّثته السماء بالكرامة والرفعة والعِفّة وهم لا يزالون يتساءلون وفي حيرة من أمرهم قائلين: ” ما كان أبوكِ معروفاً بالفحش ولا البذاءة وما كانت أمّك بغيّة لا طهارة لها ولا عفّة، وما كان أخاكِ خالياً من الرِفْعة والمقام ، وكنتِ غير ذي عِوج ولا نقص من الأخلاق.. ساعتها نطق الصبيّ ، وعُرف بالصبي المُعجزة وانتشر خبر إعجازه الأرجاء ، ونالتْ أمهُ براءتها من نُطقه السّليم، إلّا أنّهم ظلّوا في غوغائية ولُؤم.
تحمحم مُحسن الشيخ وكأنّه يُحسّن صوته، وجلس قعدة الرجل الواثق:
ـ أيّها الأخوة الكرام.. أقفُ بشموخ العزّة لامرأة صانت عِرضها وأكرمت نفسها، وطهّرها صَبِيّها في حضنها، فأرض الخلود ماجدة باسمها وطاهرة بمن فيها.. وأنّي أحدّثكم وأنتم لا تجهلون بني جلدتكم من الأعراب، نحن أمة تأصّلت في الرمال.. وأدعوكم بدعوة الرجل المُقاوم للغرباء، ثابت ذلك الرجل المُقاتل الفطن، لم يُسرف في القتل ولم يَذهب بأموالنا ولم يُخرج مُدخراتنا ولم يُنفقها في غير محلّها، كان رجل يُدرك أنّ سنوات الرّفاهِ ورائها سنين من القحط.
والأوغاد يتربّصون بنا، طُغاة في الظُلم عبر التاريخ، لا أمانة لهم ولا عدل، فلم تسلم منهم امرأة زكيّة من أشراف قومها بأرض الخلود في ذلك التاريخ البعيد، فلنْ يَسلم رجال الوادي الصغير من حقدهم وخبثهم ومكرهم وسُوء عدالتهم.
إنّ رمال الأعراب عامرة برجالها، وأنا عمّا أقول شهيد، وما أذيع به منه قريب وألتزم بأمره وتنفيذه وأتعهّد بمسؤوليته كاملة وعازم بكل ثقة على ردع الأوغاد الغاشمين وعدائهم المُستمر لأمّتنا الماجدة إلى أنْ يتحقّق لنا النصر ونُخرجهم من ديارنا وأرضنا وبحرنا ورمالنا، بقوة ثقتكم وبعِزة رجولتكم والنخوة الأصيلة المُتجذّرة فيكم، فلا تتراجعوا عن نُصرة أهلكم الأعراب أينما كانوا ولا تسكتوا عن قول الحق في وجه أعدائكم الظالمين، فلكل حُرية دماء، ولكل بطولة إباء، ولكل يدِ مُضرجة بظلم الأعراب نهاية.
قال الرجل الأوّل من قرية التراث مُداخلاً وكأنّه على عُجالة من أمره ويُعرف بعتيق التراث:
ـ اسمح لي سيدي أن أقول لكم شيئاً تعرفونه أكثر مني: فأنا لا أشكّ في عزمك ولا أظنّ بك إلّا خيراً، فأنت أوّل المُلتزمين بإخراج الغرباء من رمالنا وبحرنا، وأحبّ أن اسمعكم في عُجالة..
وإذا الشدائد أعتدتْ أو أسلمتْ / فالعُرب جدّها وجدودها
وإن أوجعتك ضربةً في موضعك / فارفع يديك فالسماء حدودها.
وأكثرْ من المَشي وحرّك مُبتغى / واكسر الخوف ذاك ما أوجعك.
لا تتركنّ الوغد يمرح غادياً / فالغاديات وعُودها غادرة.
واخدعْ من تراهُ يستحقّها / هو من أخلف الحق باطلة.
صَفّق الحضور وتحلّق بعضهم حوله، وأكثروا من الهرج والضوضاء، وطرحوا فكرة أن يكون “عتيق التراث” الرجل المساعد لقائد تحالف الوادي.
يتبع 24