دمشق.. تخفيضات للأسعار خوفًا من كساد البضاعة

في الوقت التي تعاني فيه الأسواق في سوريا ركودًا في حركة البيع والشراء، يعمل أصحاب المحال التجارية على إطلاق العروض، وإعلان تخفيضات لتشجيع الزبائن على الشراء، وخوفًا من كساد البضائع في المستودعات.
وتتراوح تكلفة كسوة الفرد الواحد بين 500 ألف ومليون ونصف ليرة سورية، ويختلف هذا المبلغ تبعًا للقدرة الشرائية، بحسب ما رصدته خلال جولتها على سوقي الصالحية والحمرا وسط دمشق.
تخفيضات وهمية؟
“لا توجد تخفيضات، الأسعار كما هي”، تكرر هذه العبارة كتعليق من الزبائن على التخفيضات التي تقدمها بعض المحال التجارية في سوق الصالحية.
مرفت صوان، مهندسة مدنية وأم لطفلين، تعتقد أن على التجار تخفيض أسعارهم الأساسية، بالتزامن مع تحسن قيمة الليرة السورية أمام الدولار.
لكن التخفيضات لا توازي تحسن العملة، وبالعكس عند انخفاضها فإن التجار يسارعون لرفع الأسعار.
حجة التجار المعتادة هي الخسارة في حال خفضوا الأسعار بشكل أكبر، لكننا اعتدنا أن نسمع هذه الجملة مع اختلاف الظروف، إضافة لاستغلال التجار لزبائنهم ممن لا يملكون سوى العملة الأجنبية، والتقليل من قيمة تصريفها، حسبما قالت مرفت صوان.
ويقابل سعر صرف الدولار 10000 ليرة في السوق السوداء، بينما يثبت مصرف سوريا المركزي السعر عند 13200 ليرة.
وتشغل واجهات المحال التجارية، اعلانات عن تخفيضات أسعار على بضائعها من موسم شتاء 2025، تتراوح بين 30 و70% من قيمة القطعة الأصلية.

محل “ماجيلا” للألبسة الجاهزة – 23 شباط 2025 (/ مارينا مرهج)
وأنهت “أم أحمد”، وهي أم لثلاثة أطفال وفي العقد الخامس من عمرها، جولتها في السوق، دون شراء ما تحتاجه.
وقالت ل إن الأسعار لم تتغير، رغم إصرار التجار أن هناك تخفيضات، لكنها “وهمية”.
لكن آخرين وجدوا في التنزيلات فرصة حقيقية، كحال سلوى الفحل، إحدى المتسوقات التي قابلتها في شارع الحمرا، ووصفت الأسعار بأنها انخفضت إلى ما يقارب نصف القيمة وأكثر، مع وجود تنافس بين المحال التجارية لتسويق بضاعتها.
وصارت الأسعار اليوم تتناسب مع دخل الفرد في سوريا، إضافة لوجود عروض غير مسبوقة في بعض المحال التجارية، حسبما قالت سلوى.
الاتجاه نحو الضروريات
يركز الزبائن على شراء الحاجات الأساسية، ريثما تستقر أوضاع السوق، حسبما عبر المحامي وسيم خياط، الذي التقته خلال جولتها في سوق الصالحية في دمشق.
وشاطرته الرأي الامرأة الخمسينية “أم أحمد”، التي قالت، “اليوم لا يستطع رب الأسرة تأمين الحاجات الأساسية والضرورية للمنزل، ليتمكن من شراء كسوة كاملة لأولاده. الوضع ما زال سيئًا رغم التخفيضات المعلنة”.
ورغم إعلان حكومة دمشق المؤقتة رفع الرواتب بنسبة 400% في كانون الثاني الماضي، فإن قيمة الرواتب لا تزال أدنى بكثير من حجم احتياجات العائلة التي باتت تقترب من عشرة ملايين ليرة سورية.
وتستغل ميس محمد، وهي معلمة في دمشق، هذه التخفيضات لشراء كسوة العيد لأطفالها، خوفًا من موجة الغلاء التي تشهدها الأسواق عادةً قبل مواسم الأعياد.
وتتناسب أسعار البضاعة بعد التخفيضات المعلنة مع دخل “أم عبدو” القادمة من مدينة يبرود للتسوق في شارع الصالحية بدمشق، خاصة مع انخفاض الدخل المادي للأسرة عما كان سابقًا.
واستغلت “أم عبدو”، التخفيضات المعلنة لشراء حاجيات أفراد أسرتها من موسم شتاء 2025، والاحتفاظ به للشتاء القادم، وهو ما اعتادت أن تقوم به مع نهاية كل موسم.

محلات تجارية في شارع الحمرا في دمشق – 23 شباط 2025 (/ مارينا مرهج)
الخوف من كساد البضاعة
شكل موسم شتاء 2025، خسائر كبيرة لتجار الألبسة والأحذية، فلم يستطع التجار تسويق بضائعهم إلا خلال تشرين الثاني 2024، نتيجة التحولات التي شهدتها سوريا، وما تبعها من جمود في الأسواق وخوف المواطنين وانتظارهم استقرار الأوضاع، حسب وصف مدير فرع الصالحية لأحذية “سوفت“، محمد ماهر الدمشقي، ل.
ويبدأ التجار عرض بضائعهم لموسم الشتاء عادة، مع بداية تشرين الأول من كل عام، وحتى نهاية شباط، لتبدأ مرحلة التخفيضات لتصريف ما تبقى لديهم من بضائع.
كما تأتي التنزيلات في وقت يتوجه الزبائن فيه لشراء البضائع الأجنبية (البالة) التي دخلت إلى سوريا بعد التحولات الأخيرة، بالتزامن مع انتشار فكرة سوء جودة البضائع الوطنية أمام غيرها.
ويعتقد محمد فاروق الحجي، وهو صاحب محل لأحذية الأطفال، أن البضائع التي دخلت إلى سوريا، عبارة عن نفايات مكومة من جميع أنحاء العالم.
واضطر التجار لتخفيض أسعار بضائعهم، لتخفيف الكمية المكدسة في المحال والمستودعات، ودفع ما عليهم من مستحقات، خاصة رواتب الأيدي العاملة لديهم، بحسب الحجي.
عوامل تدفع للتخفيضات
انخفضت القدرة الشرائية لدى الكثير من السوريين، الأمر الذي دفع المحلات التجارية، لإعلان عروض وتخفيضات على بضائعها، وهذه العروض حقيقية ليست وهمية كما يزعم الزبون، حسبما قال مدير فرع الصالحية لألبسة “فري غيرل”، حمزة كريم، ل.
وتتناسب التخفيضات مع دخل الفرد، ويستطيع الزبون اليوم شراء أكثر من قطعة بنفس المبلغ الذي كان يشتري فيه قطعة واحدة حسب السعر القديم للقطعة الواحدة، حسب حمزة.
“نبيع اليوم بسعر التكلفة، فأوضاع المعيشة صارت صعبة، والناس لا يملكون إلا ثمن حاجاتهم الضرورية، ويحولون الفائض منه لشراء ما يحتاجونه من ألبسة وأحذية”، قال يامن سكر، صاحب محل “SL New Fashion”، للألبسة الجاهزة في شارع الحمرا.
وأشار يامن إلى مبادرة “المبيع بسعر التكلفة” لمساعدة الناس على شراء حاجياتهم بأسعار تتناسب مع دخولهم، وتخفف كمية الكساد في المستودعات، خاصة مع اقتراب موسم العيد وانتهاء موسم الشتاء.
مديرة فرع الشهدا لألبسة “دعدوش” القطنية، إسراء الحلبي، قالت ل إن الشركة أطلقت عروضًا كبيرة على بعض منتجاتها، إضافة إلى إعلان تخفيضات مختلفة، نتيجة تغييرات سعر الصرف.
وهذ المرة الأولى التي تقوم بها الشركة بهذه الخطوة في الفترة نفسها من السنوات السابقة، بحسب إسراء.
اتفقت تصريحات التجار التي قابلتهم خلال جولتها على سوقي الحمرا والصالحية في دمشق، أن ارتفاع قيمة الليرة السورية أمام الدولار، قد ساهم أيضًا كبير في التخفيضات والعروض المعلن عنها في الأسواق.
وترتبط أسعار المنتجات في سوريا بشكل كبيرة بقيمة الليرة السورية أما الدولار الأمريكي، وبالتالي ترتفع الأسعار وتنخفض بحسب قيمة الليرة السورية، وبالرغم من ذلك مازال بعض التجار يتعاملون حسب سعر الصرف الذين اشتروا بها موادهم الأولية، حسب “محمد فاروق الحجي” تاجر أحذية أطفال.

مبادرة أحد محال شارع الحمرا في دمشق – 23 شباط 2025 (/ مارينا مرهج)
ماذا يقول الخبراء
ينتقل الاقتصاد السوري من ركود اقتصادي تضخمي، إلى ركود اقتصادي حاد، وبالتالي تحول الأسواق السورية إلى انكماش حاد في الطلب المحلي، حيث لا يجد التجار زبائن لمنتجاتهم رغم تخفيضات الأسعار وتحسن قيمة الليرة السورية، بحسب الباحث الاقتصادي محمد السلوم.
وتعود أسباب هذا الركود، إلى أزمات هيكلية، أبرزها نقص الطاقة والوقود بسبب العقوبات الاقتصادية، وهجرة رأس المال البشري والمالي نتيجة عدم الاستقرار السياسي.
وأكد الباحث الاقتصادي، ل، أن سوريا بحاجة ماسة إلى مساعدة دولية عاجلة من الأصدقاء والأشقاء العرب، لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار التام، فلا يمكن للاقتصاد السوري أن ينهض دون تدخل خارجي عبر تقديم حزم مساعدات اقتصادية واستثمارات مباشرة لتخفيف حدة الركود.
واقترح السلوم مجموعة من الحلول العملية، منها:
- إيجاد بدائل للطاقة عبر الاستثمار سريعًا في الطاقة المتجددة، لتقليل الاعتماد على الوقود المستورد.
- تحسين بيئة الاستثمار بسياسات توسعية لتحفيز النمو.
- إصلاح السياسة النقدية لتقليص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء.
- طلب الدعم العربي والدولي عبر شراكات اقتصادية واتفاقيات تجارية تساعد على تجاوز آثار العقوبات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي