من نيكسون إلى ترامب.. تحليل تركي لأسرار نظرية “الرجل المجنون”

اخبار تركيا
عاش نيقولا مكيافيلي، في جمهورية فلورنسا، إحدى دول المدن الإيطالية، بين عامي 1469 و1527، ويعرف بشكل رئيسي بكتابه “الأمير”. ويقدم كتاب “الأمير” نصائح حول كيفية تصرف الحاكم للحفاظ على استمرارية سلطته. يمكن تلخيص هذه النصائح في جملة لا يمكن الدفاع عنها من الناحية الأخلاقية من قبيل؛ “الغاية تبرر الوسيلة”. هناك كتاب آخر لمكيافيلي يعتبر أكثر أهمية من “الأمير”، وهو “نقاشات”، الذي ألّفه بناءً على الكتب العشرة الأولى للمؤرخ الروماني القديم تيتوس ليفيوس. ويُقال إن “نقاشات” يعكس الأفكار الحقيقية لمكيافيلي، إلا أنه بقي خلف ظلال الشهرة الأكبر لكتاب “الأمير”.
يظهر تأثير اليونان وروما القديمة بصورة واضحة للغاية في الثقافة السياسية الأمريكية. فقد استشهد آباء الولايات المتحدة المؤسسون بشكل كبير بمفكري اليونان وروما القديمة. وليس من قبيل الصدفة أن تعكس مباني المؤسسات الرسمية الأمريكية الطراز المعماري الروماني.
في هذه الأيام، يثير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجدل بتصريحاته المليئة بالتهديدات الموجهة إلى دول مختلفة. ويتم ربط قدرة ترامب على تنفيذ تهديداته إذا لم تتحقق مطالبه، بكونه “غير قابل للتنبؤ”. غالبًا ما يستخدم ترامب عبارات مفادها “لنرى ما سيحل بهم إن لم يفعلوا ذلك”، و”ستفتح أبواب الجحيم”، و”الجميع سيرى ما سأفعله”. ويترك ترامب نواياه غامضة، مما يزيد من تأثير الترهيب.
تمتلك الولايات المتحدة آلة حرب ضخمة بحوالي 800 قاعدة عسكرية منتشرة في جميع أنحاء العالم. وهي تنفق على الجيش أكثر مما تنفقه الدول العشر التي تليها مجتمعة، وتمتلك حاليًا أكبر اقتصاد في العالم. كما أن ترسانتها النووية تزيد من خطورة ترامب، الذي يُوصف بأنه “غير قابل للتنبؤ”. وبالتالي، فإن كل كلمة يقولها ترامب، باعتباره رئيس دولة بهذه القوة الهائلة، يتم الاستماع إليها بكل اهتمام. هل ترامب يمارس الألاعيب ويخادع؟ أم أنه يرفع سقف التهديدات؟ أم أنه متهور ومجنون إلى درجة أنه لن يتردد في تنفيذ ما يقوله؟ إذا تذكرنا أن تاريخ العالم مليء بالحروب والكوارث التي تسبب فيها رجال مجانين، فإن تصريحات ترامب المهددة تثير قلق الجميع.
قارن البعض ترامب بمكيافيلي خلال فترة ولايته الأولى أيضًا. ووفقًا لهذه المقارنة، كان ترامب يمثل النسخة الأمريكية من مكيافيلي. بالنسبة لمكيافيلي، كانت القيادة تتعلق باستخدام القوة بحزم، وليس بالأخلاق. وكانت مهمة “الأمير” هي خلق دولة قوية، ولم تكن هذه الدولة مضطرة لأن تكون دولة “جيدة”. ووفقًا لمكيافيلي، يجب أن يكون الحاكم “مُهابًا” وليس “محبوبًا”. فالخوف أكثر أمانًا من الحب. ويجب على الحاكم أن يقلد الأسد والثعلب في نفس الوقت؛ أن يكون مخيفًا مثل الأسد، وقادرًا على رؤية الفخاخ مثل الثعلب.
ويعتقد عدد كبير من المؤلفين أن ترامب يمتلك سمات القيادة التي عرضها مكيافيلي في كتابه “الأمير”. في المقابل، يرى آخرون أن مساواة ترامب بمكيافيلي ليست مضللة فحسب، بل تساهم أيضًا بشكل فعال في خلق أسطورة تُعزز مسيرة ترامب السياسية. بينما يرى بعض النقّاد أن ترامب هو مجرد كاريكاتير لمكيافيلي.
في كتاب “نقاشات حول العقد الأول من تيتوس ليفيوس”، لمكيافيلي، كان عنوان أحد الفصول هو “من الحكمة أن تتصرف كالمجنون في الوقت المناسب”. فهل ترامب رئيس أمريكي يتصرف كالمجنون؟ سيتعرف العالم على إجابة هذا السؤال من خلال التجربة.
نيكسون لعب دور “الرجل المجنون”
كان ريتشارد نيكسون رئيسًا أمريكيًا آخر يُعتبر نموذجًا في التصرف كالمجنون. وقد وصف نيكسون نفسه هذا التصرف بعبارة “نظرية الرجل المجنون”. وتم تحليل هذه العبارة التي صاغها نيكسون من قبل العديد من علماء السياسة تحت عنوان “نظرية الرجل المجنون” في سياق السياسة الخارجية. وتدور النقاشات حول هذه النظرية بشكل رئيسي حول ما إذا كان من المفيد للقادة أن يُعتبروا غير قابلين للتنبؤ من خلال التصرف بشكل مجنون. ووفقًا لهذه النظرية، فإن عرض صورة غير قابلة للتنبؤ، وغير عقلانية، ومتهورة أمام الخصوم والأعداء يمكن أن يخلق ضغطًا عليهم ويجبرهم على تقديم تنازلات.
كان هاري روبنز هالدمان (بوب هالدمان)، رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد نيكسون، من أوائل المستخدمين لمصطلح “نظرية الرجل المجنون”. ففي مذكراته التي نشرت عام 1978 تحت عنوان “نهايات القوة”، استعرض هالدمان كيف أن نيكسون كان يعتقد أنه يمكن تعزيز قوته في التفاوض والمساومة في السياسة الخارجية من خلال تصوير نفسه كرجل مجنون ومتهور. ووفقًا له، أراد نيكسون أن يلعب دور رئيس مهووس، وغاضب، وغير قابل للتنبؤ، ولا يمكن السيطرة عليه. أما مستشار الأمن القومي لنيكسون، هنري كيسنجر، فقد كان يشبه لعبة الجنون هذه بلعبة بوكر حيث يلقي اللاعب الكثير من الرهانات حتى يعتقد أعداء الولايات المتحدة أن نيكسون قد جن.
أعطى نيكسون تعليماته لهنري كيسنجر، الذي أصبح لاحقًا وزيرا للخارجية، بإقناع قادة الدول الشيوعية المعادية بأنه يمكن أن يكون غير منتظم ومتقلب، خاصة تحت الضغط. كيسنجر، الذي كان تكتيكيًا ماكرًا في “الواقعية السياسية”، تبنى أيضًا “لعبة الرجل المجنون”. وكان الهدف من إبراز الطبيعة غير المستقرة المزعومة لنيكسون، والتي كانت ناتجة جزئيًا عن الإفراط في شرب الكحول، هو إثارة الخوف لدى الخصوم من أن إغضابه قد يؤدي إلى رد فعل غير عقلاني، أو حتى نووي. هذا الخوف كان من شأنه أن يجبر الخصوم على التحكم في سلوكهم. وبتوجيهات من كيسنجر، قام مستشار البيت الأبيض آنذاك ليونارد غارمنت بزيارة موسكو وأخبر المسؤولين السوفييت أن نيكسون “شخصية ارتيابية إلى حد ما” و”شخصية لا يمكن التنبؤ بها بدرجة لا يمكن تصورها”، وهو ما كان يثير ارتباكهم.
كان نيكسون وكيسنجر يأملان في أن يؤدي عرض صورة الرئيس الذي فقد صبره وأصبح غير عقلاني، بغض النظر عن التكلفة، إلى خلق ضغط كافٍ على فيتنام الشمالية والاتحاد السوفيتي، وبالتالي تحقيق ميزة تفاوضية لإنهاء حرب فيتنام بشكل أقرب إلى موقف الولايات المتحدة. وتماشيًا مع صورة “الرجل المجنون”، قام الرئيس نيكسون، في الفترة من منتصف أكتوبر إلى أواخر أكتوبر 1969، برفع مستوى الإنذار النووي العالمي للولايات المتحدة بشكل سري وواسع النطاق، على أمل أن يأخذ الاتحاد السوفيتي التهديد الأمريكي على محمل الجد، مع إبقاء الرأي العام الداخلي وحلفاء الولايات المتحدة في الظلام. وخلال هذه الفترة، نفذ الجيش الأمريكي سلسلة من التدريبات العسكرية في أوروبا الغربية والشرق الأوسط والمحيط الأطلسي والمحيط الهادئ وبحر اليابان، بما في ذلك دوريات طويلة الأمد لقاذفات B52 المسلحة نوويًا في المجال الجوي السوفيتي. ومع ذلك، لم تحقق “نظرية الرجل المجنون” لنيكسون التأثير المطلوب. على الرغم من أن القيادة السوفيتية كانت تدرك أن هذا التصعيد يزيد من خطر نشوب حرب نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إلا أنها ظلت غير مبالية بـ”إنذار 1969 النووي العالمي”. كما فشل نيكسون في إنهاء حرب فيتنام في وقت مبكر من ولايته الرئاسية.
نيكسون نفذ إنذارًا نوويًا عالميًا مليئًا بالحسابات العقلانية. كان يريد أن تتحرك الولايات المتحدة بطريقة تجعل الاتحاد السوفيتي يشعر بأن صبرها قد نفد، ولكن دون أن تكون استفزازية بشكل مفرط. كما أنه لم يرغب في إثارة قلق الشعب الأمريكي والحلفاء لأسباب سياسية. هذه المطالب المتناقضة لم تترك الجيش الأمريكي في حيرة من أمره فحسب، بل جعلت من السهل على السوفييت رؤية أن نيكسون كان يخادع.
ومع ذلك، استمر نيكسون في الدفاع عن أن “نظرية الرجل المجنون” كانت نهجًا صحيحًا. في كتابه “الحرب الحقيقية” الذي نُشر عام 1980، أشار نيكسون أيضًا إلى أهمية “عدم القابلية للتنبؤ”. كان نيكسون نائبًا للرئيس الأمريكي في عهد دوايت أيزنهاور. وأعرب نيكسون عن اعتقاده بأنه تعلم من أيزنهاور جوهر “سياسة القسوة في الحرب”، وقال: “إذا أدرك عدوك أنك غير قابل للتنبؤ أو حتى متهور، فسيكون أكثر حذرًا في تعامله معك، وسيكون أقل عرضة لطرح مطالب مفرطة. ونتيجة لذلك، تزداد احتمالية استسلام خصمك، ويكون الرئيس غير القابل للتنبؤ في وضع أفضل إلى حد ما”.
تكمن نقطة القوة في نظرية “الرجل المجنون” أو “الرجل المتهور” في صعوبة تمييز المراقبين ما إذا كان الرئيس سيتصرف بناءً على تهديداته بحرب شاملة أم أنه كان يمثل فقط. وكلما كان التمييز أكثر صعوبة، كان الخداع أكثر فعالية. وكلما أتقن الممثل دوره، بدا أكثر جنونًا وتهورًا، وكان نيكسون ممثلًا جيدًا. تتوقع “نظرية الرجل المجنون” أن القائد الذي يتصرف كما لو كان قادرًا على فعل أي شيء لديه فرصة أكبر لإقناع الجهات الفاعلة العالمية الأخرى بتقديم تنازلات لن يقدموها له لولا ذلك.
وفقًا لهاري روبنز هالدمان، كان نيكسون شخصية متعددة الأوجه. وكان “دور العملاق الطاغية” مجرد دور آخر كان يجب تمثيله. في خريف عام 1969، قام نيكسون بتفعيل نظرية الرجل المجنون لتهديد الفيتناميين الشماليين. ووفقًا للحكاية التي سردها هالدمان في مذكراته، أراد نيكسون أن يعتقد الفيتناميون الشماليون أنه قادر على فعل أي شيء لإنهاء حرب فيتنام، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية. وقال نيكسون: “أسميها نظرية الرجل المجنون يا بوب. أريد أن يعتقد الفيتناميون الشماليون أنني وصلت إلى نقطة يمكنني فيها فعل أي شيء لإنهاء الحرب. علينا أن نوصل لهم رسالة تفيد بأن نيكسون يكره الشيوعية، وأنه عندما يغضب لا يمكن لأحد إيقافه، وأن الزر النووي بين يديه! بعد ذلك، سيبدأ هو تشي منه (الزعيم الفيتنامي الشمالي) في التوسل من أجل السلام في باريس خلال يومين”.
بعد أن وضع هذا السيناريو الذي في ذهنه حيز التنفيذ، التقى نيكسون بالسفير السوفيتي لدى الولايات المتحدة أناتولي دوبرينين في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، حيث كان هنري كيسنجر حاضرًا أيضًا. وتحدث نيكسون لمدة نصف ساعة أمام دوبرينين، موضحًا كيف أنه لن “يسمح أبدًا” للسوفييت “بإحباطه” بشأن فيتنام. وقد ابتلع السفير دوبرينين الطعم، وكتب في تقاريره إلى الكرملين: “يبدو أن الوضع أصبح عاطفيًا لدرجة أن نيكسون لا يستطيع السيطرة على نفسه”. ومع ذلك، لم تتراجع موسكو ولا فيتنام الشمالية أمام تهديدات نيكسون. ولم تنجح لعبة الرجل المجنون.
ووفقًا للباحثين، كانت “نظرية الرجل المجنون” في صميم استراتيجية نيكسون في التعامل مع الاتحاد السوفيتي خلال فترة الحرب الباردة. وكان على الشيوعيين أن يصدقوا أي تهديد بالقوة يصدر عن نيكسون. لأن ذاك الشخص كان نيكسون، ولم يكن من الممكن ضبطه. ومع ذلك، فإن محاولة نيكسون استخدام “نظرية الرجل المجنون” خلال الحرب الباردة فشلت إلى حد كبير لأن المسؤولين السوفييت كانوا قادرين على التنبؤ بسلوكه نوعا ما من خلال وسائل الاستخبارات.
“نظرية الرجل المجنون” لم تكن تعكس فقط ميل نيكسون إلى التمثيل والسرية، بل أيضًا استعداده وميله للمخاطرة الكبيرة لتحقيق مكاسب أكبر. كانت “نظرية الرجل المجنون” استراتيجية للسياسة الخارجية تزعم أن الظهور بمظهر غير عقلاني أو غير قابل للتنبؤ من شأنه أن يمنح القائد ميزة في العلاقات الدولية، كما ألمح مكيافيلي في “النقاشات”. ووفقًا لهذه النظرية، يمكن للقائد أن يزيد من احتمالية حصوله على تنازلات من أعدائه من خلال تعزيز صورة أنه مستعد لاتخاذ إجراءات متطرفة أو غير عقلانية، مما يثير مخاوفهم من عواقب غير متوقعة. وإذا اعتقد الخصوم أن القائد قد يكون غير مستقر أو مستعد لاتخاذ إجراءات متطرفة، فقد يكونون أكثر ميلا للتفاوض أو التراجع في النزاعات. وبحسب العديد من مؤلفي تلك الفترة، فإن اعتبار القائد شخصًا غير متزن عقليًا يمكن أن يساعده في ممارسة الضغط على أعدائه الأجانب.
الاستخدامات السياسية للجنون
في الواقع، تعلم هنري كيسنجر وريتشارد نيكسون “نظرية لعبة الرجل المجنون” من دانيال إلسبيرغ، أحد أهم الاستراتيجيين في البنتاغون. في أواخر الخمسينيات، ألقى إلسبيرغ محاضرات في ندوات نظمها البروفيسور كيسنجر في جامعة هارفارد حول موضوعات مثل “استخدامات الابتزاز والجنون”. وفي تلك الفترة نفسها، قدم إلسبيرغ أيضًا سلسلة من المحاضرات تحت عناوين مثل “فن الإكراه”، و”نظرية وتطبيق الابتزاز”، و”تهديد العنف”، و”حوافز الهجوم الاستباقي”، و”الاستخدامات السياسية للجنون”. في تلك السنوات، كان إلسبيرغ، يُعتبر صقرًا بارزًا في فترة الحرب الباردة، ويعتقد أن أي تهديد متطرف سيكون أكثر إقناعًا للخصوم إذا تم اعتبار الشخص الذي يهدد غير عقلاني تمامًا.
كان إلسبيرغ، يؤمن بأن السلوك غير العقلاني يمكن أن يكون أداة مفيدة في المفاوضات. واعترف كيسنجر لاحقًا بأنه تعلم من إلسبيرغ عن فن التفاوض أكثر مما تعلم من أي شخص آخر. وفي كتابه “الأسلحة النووية والسياسة الخارجية”، ربط كيسنجر بين “استراتيجية الغموض” و”نظرية الرجل المجنون” أثناء مناقشته استخدام الأسلحة النووية التكتيكية. وخلال حرب أكتوبر بين العرب وإسرائيل، عام 1973، ترأس كيسنجر اجتماعا لمجلس الأمن القومي تقرر فيه رفع حالة التأهب للقوات النووية الأمريكية لمنع الاتحاد السوفيتي من التدخل لصالح مصر. لا شك أن كيسنجر كان قد تعلم الكثير من كتاب الألعاب لإلسبيرغ.
بالإضافة إلى إلسبيرغ، كان البروفيسور توماس كرومبي شيلينغ، الذي اشتهر بأعماله في مجالات الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن القومي والاستراتيجية النووية ومراقبة الأسلحة، يعتقد أيضًا أن “نظرية المجنون” يمكن أن تكون فعالة. وفي كتابه الصادر عام 1960 بعنوان “استراتيجية الصراع”، جادل شيلينغ بأن التهديدات الغامضة بالانتقام تكون أكثر مصداقية وفعالية من التهديدات القاطعة. أثرت أعمال شيلينغ حول “عقلانية اللاعقلانية” والقيمة الاستراتيجية للجنون المُتصور على سياسات الحرب الباردة واستراتيجيات الردع النووي. وكان شيلينغ يحلل كيف يمكن للجهات الفاعلة السياسية أن تحقق ميزة إذا تم اعتبارها غير قابلة للتنبؤ أو متحمسة لتحمل مخاطر كبيرة. ووفقًا لشيلينغ، فإن التصوّر بأن جهة فاعلة ما قد خرجت عن السيطرة بشكل واضح يمكن أن يلعب دورًا رادعًا ضد الجهة الفاعلة المعادية. وعندما يتعلق الأمر بالتهديد النووي، فإن الجهة المعادية ستعتقد أن الجهة التي تهدد لن تتردد في الضغط على الزر النووي. وبما أن الجهة المهددة (الرجل المجنون) لن يخشى من انتقام الجهة المعادية نوويا، فإن النتيجة ستكون كارثية لكلا الطرفين. ولأن الجهة المعادية لا تريد مواجهة مثل هذه النتيجة، فإن تهديد “الرجل المجنون” سيحقق هدفه. وبالتالي، وكما نصح مكيافيلي، فإن الجنون في مثل هذه الحالات يمكن أن يكون تصرفًا حكيمًا.
أشار شيلينغ، أثناء مناقشته لاستراتيجيات الردع، إلى وجود أوقات يمكن أن تساعد فيها التصرفات الاندفاعية وغير الموثوقة والخارجة عن السيطرة في زيادة مصداقية الردع. وهذا يوضح أن شيلينغ قد فسر بشكل صحيح عبارة مكيافيلي التي تقول: “من الحكمة أن تتصرف كالمجنون في الوقت المناسب”. جدير بالذكر أن البروفيسور شيلينغ حصل على جائزة نوبل في عام 2005 لتطويره فهم الصراع والتعاون من خلال تحليل “نظرية الألعاب”.
ساهمت أعمال كل من إلسبيرغ وشيلينغ في تعزيز “نظرية الرجل المجنون”. كما قام نيكسون وكيسنجر بتفعيل الاستخدامات السياسية للجنون. ومع ذلك، يجب أن نتذكر مرة أخرى أن التحركات الجنونية لنيكسون في خريف عام 1969 باءت بالفشل.
من نقاط الضعف في “سيناريوهات الرجل المجنون” أن يقوم القائد بتهديد يبدو مجنونًا ظاهريًا، ولكن دون أن يتم تصويره على أنه مجنون. في هذا السيناريو، لن يتحقق التهديد لأن القائد، الذي لا يُعتبر مجنونًا، سيُعتقد أنه يخادع. ويمكن أن تكون “لعبة الرجل المجنون” فعالة إذا نجح القادة في إقناع خصومهم بأنهم على الأرجح أو بالتأكيد مجانين، وإذا أوضحوا ما يريدونه بشكل صريح. ربما لم يصف السوفييت وقادة فيتنام الشمالية نيكسون بأنه “مجنون”. من ناحية أخرى، يمكن أن تتحول “نظرية الرجل المجنون”، في غياب هدف استراتيجي “عقلاني”، إلى استفزاز غير ضروري وتؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها.
جيفري كيمبال، أستاذ التاريخ الأمريكي المعروف بدراساته عن حقبة نيكسون وحرب فيتنام، يشير إلى أن استراتيجيي السياسة قد أدرجوا مبادئ “الغموض” و”القوة المفرطة”، التي تشكل نظرية الرجل المجنون، في مفاهيم الردع النووي والإكراه خلال العقود التي تلت نيكسون. وفقًا لكيمبال، فإن “نظرية الرجل المجنون” نجحت لبعض القادة ورجال الدولة والطغاة والفاتحين عبر التاريخ، ولكن ليس دائمًا. في الواقع، لم تنجح “نظرية الرجل المجنون” كثيرًا بالنسبة لنيكسون وكيسنجر خلال حرب فيتنام. يؤكد كيمبال أن دبلوماسية وحروب العالم الحقيقي أثبتت أنها أكثر تعقيدًا من أي لعبة خيالية، بغض النظر عن مدى إفادتها التعليمية. ويرى كيمبال أن دروس التاريخ يمكن أن تكون دليلًا أفضل بكثير إذا تم استخلاص الدروس الصحيحة منها.
من جانبها، أشارت الدكتورة روزان ماكمانوس، الأستاذة في جامعة بنسلفانيا، في دراسة أجرتها عام 2019 حول “نظرية الرجل المجنون”، إلى أن الجنون المُتصور يكون ضارًا بالردع العام وأحيانًا بالتفاوض في الأزمات. ومع ذلك، تعتقد ماكمانوس أن النظرية يمكن أن تكون مفيدة في التفاوض خلال الأزمات تحت ظروف محددة. وتبدو دراسة ماكمانوس ة بشكل كبير بتقمص ترامب لدور “الرجل المجنون”، تمامًا كما فعل نيكسون.
تظهر العديد من الدراسات الأخرى أن “نظرية الرجل المجنون” تواجه العديد من العقبات في تحقيق النتائج المرجوة، بما في ذلك كيفية إرسال إشارات واضحة، وجعل التهديدات والضمانات مقنعة في نفس الوقت، بالإضافة إلى القيود السياسية الداخلية والتحالفات. ووفقًا لهذه الدراسات، يمكن أن تلعب النظرية دورًا محدودًا في حالات قليلة تحت ظروف صعبة. إن اللاعقلانية الظاهرة في نظرية الرجل المجنون هي في الحقيقة محاكاة للجنون تهدف إلى زيادة مصداقية التهديدات لتحقيق هدف استراتيجي عقلاني. ومع ذلك، فإن وجود هدف استراتيجي “عقلاني” يعني أن هناك حدًا يجب أن يكون للـ”لاعقلانية الظاهرة”، مما يضعف مصداقية “اللاعقلانية” في عيون العدو.
ترامب يحب أن يكون غير قابل للتنبؤ
خلال حملته الانتخابية في عام 2016، قال ترامب: “علينا أن نكون غير قابلين للتنبؤ أكثر”. وكان ترامب يعتقد أن القابلية للتنبؤ تضر بأمريكا. في كتابه الذي صدر في نفس العام بعنوان “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، كتب ترامب: “أنا لا أخبر الناس بما سأفعله، ولا أحذرهم، ولا أجعل من السهل عليهم وضعي في نمط سلوك يمكن التنبؤ به. لا أريد أن يعرف الناس ما أفعله أو ما أفكر فيه. أحب أن أكون غامضًا. هذا يجعلهم في حيرة”.
كانت فترة ترامب الأولى حقًا بمثابة “رياضة عدم القابلية للتنبؤ”. فقد هدد ترامب زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي وصفه بـ”رجل الصواريخ الصغير”، بـ”نار وغضب لم يسبق لهما مثيل في العالم”. وقال ترامب: “الولايات المتحدة لديها قوة كبيرة وصبر، ولكن إذا اضطرت للدفاع عن نفسها أو حلفائها، فلن يكون لديها خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل”. ومع ذلك، أصبح لاحقًا أول رئيس أمريكي يلتقي بزعيم كوريا الشمالية، حيث عقد قممًا معه في سنغافورة وفيتنام ثم عند خط العرض 38. ولم يتحقق أي تقدم في قضية الأسلحة النووية الكورية الشمالية.
كان ترامب يلعب دور “عدم القابلية للتنبؤ” في تعامله مع حلفائه أيضًا. على سبيل المثال، خلال مفاوضات التجارة مع كوريا الجنوبية، طلب ترامب من فريقه أن يقولوا عنه: “هذا الرجل مجنون لدرجة أنه قد ينسحب في أي لحظة”. وكانت القضية تتعلق بما إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاقية التجارة مع كوريا الجنوبية أم لا. ووفقًا لتقرير نشره موقع “آكسيوس” الأمريكي في عام 2017، بقلم جوناثان سوان، كان ترامب يقدم نصائح لممثل التجارة الأمريكي روبرت لايتيزر حول كيفية إجراء المفاوضات. وعندما أخبر لايتيزر ترامب أنه سيمنح الكوريين الجنوبيين مهلة 30 يومًا لتقديم التنازلات المطلوبة، رد ترامب قائلًا: “لا، لا، لا. التفاوض لا يجري بهذه الطريقة. لا تخبرهم أن لديهم 30 يومًا. قل لهم: ‘هذا الرجل مجنون لدرجة أنه قد ينسحب في أي لحظة’”. وأضاف ترامب: “وبالمناسبة، يمكنني فعل ذلك. يجب أن تعلموا جميعًا أنني قادر على ذلك. لا تعطوهم 30 يومًا. إذا أعطيتموهم 30 يومًا، فسوف يماطلون. أخبروهم أنه إذا لم يقدموا التنازلات الآن، فإن هذا الرجل المجنون سينسحب من الاتفاقية”.
كما أن تصريحات ترامب بشأن حلف الناتو كانت تثير الشكوك بين أعضاء الحلف حول ما قد يواجهونه إذا لم يلبوا مطالبه. فقد هدد ترامب بسحب القوات الأمريكية من أوروبا إذا لم يتجه أعضاء الناتو إلى زيادة إنفاقهم العسكري، بل وقال إنه في حالة نشوب صراع مع روسيا، قد يتركهم يواجهون بوتين بمفردهم. لقد نجحت هذه التهديدات إلى حد ما، لكن ترامب الآن يريد منهم زيادة الإنفاق أكثر، أي شراء المزيد من الأسلحة الأمريكية.
كان من الواضح أن ترامب سيواصل نهجه في “عدم القابلية للتنبؤ” في ولايته الثانية. فخلال حملته الانتخابية عام 2024، عندما سُئل عن كيفية رده إذا فرضت الصين حصارًا على تايوان، أجاب: “لن تكون هناك حاجة لذلك، لأن شي جين بينغ يحترمني ويعرف أنني مجنون”. أما جي. دي. فانس، الذي اختاره ترامب نائبًا له، فقال في خطاب ألقاه في يونيو: “ترامب، كما يقول منتقدوه وأنصاره، شخص لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. وأنا متأكد بنسبة 100% أن هذا الأمر يصب في مصلحة الولايات المتحدة”. ووفقًا لأنصار ترامب، فإن عدم إقدام بوتين على غزو أوكرانيا خلال الولاية الأولى كان بسبب عدم يقينه من كيفية رده.
كتب البروفيسور دانيال دبليو دريزنر، أستاذ السياسة الدولية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، مقالًا في مجلة “فورين بوليسي” في 7 يناير بعنوان “هل نظرية الرجل المجنون فعالة حقًا؟”. ووفقًا لدريزنر، كان ترامب يحب الاعتقاد بأن عدم القابلية للتنبّؤ تعتبر ميزة بالنسبة له. وتطرق البروفيسور دريزنر إلى ولاية ترامب الأولى قائلًا: “ترامب لديه نبرة صوت مختلفة عن الرؤساء الذين جاءوا بعد الحرب الباردة، لكن مشاعره تعكس ريتشارد نيكسون، الذي كان يحب الجنون بكل معاني الكلمة”.
بالفعل، بدأ ترامب ولايته الثانية بإعلانات مثيرة للجدل. فقد طلب شراء جزيرة غرينلاند، التابعة لمملكة الدنمارك، وهي حليفة للولايات المتحدة في الناتو، ولم يستبعد الخيار العسكري لتحقيق ذلك. كان هذا الموقف من ترامب يحتوي على عناصر نظرية الرجل المجنون، والغموض، وعدم القابلية للتنبؤ. كما اقترح ترامب أن تصبح كندا، الجارة الشمالية للولايات المتحدة وحليفتها في الناتو، الولاية الأمريكية رقم 51. من ناحية أخرى، قال ترامب إن الولايات المتحدة يمكن أن تستولي على قناة بنما بحجة أنها تمنح الصين امتيازات استثنائية. وكانت هناك فكرة أخرى أكثر جنونًا وتهورا ووقاحة من ترامب، وهي إعلانه أن قطاع غزة، الذي يشهد إبادة جماعية على يد إسرائيل، ستصبح ملكًا للولايات المتحدة. وادعى ترامب أنه سيجعل من غزة، بعد “تطهيرها” من الفلسطينيين، “ريفييرا الشرق الأوسط.
طلب ترامب أيضًا من الأردن ومصر استضافة الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة. وعندما ذكره الصحفيون بتصريحات هذين البلدين بأنهما لن يستضيفا سكان غزة، رد ترامب قائلًا: “سيفعلون ذلك، سيفعلون ذلك. نحن نفعل الكثير من أجلهم وسيفعلون ذلك”. لقد كان واضحا ما يعنيه كلام ترامب..
من الجدير بالذكر أن تصريحات ترامب التهديدية كانت موجهة في الغالب نحو دول وقوى ليست على قدم المساواة مع الولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا. فقد لاحظ المراقبون أن ترامب كان أكثر حذرًا في تعامله مع القوى التي يمكن أن تنافس الولايات المتحدة، خاصة الصين.
الغابة يمكن أن تصبح مُميتة للجميع
تظهر الدراسات الأكاديمية أن استخدام “نظرية الرجل المجنون” بنجاح أمر صعب للغاية. ووفقًا لهذه الدراسات، نادرًا ما تكون سمعة الجنون مفيدة على الساحة الدولية. وعادةً ما يفشل القادة الذين يلعبون دور المجنون في إقناع أعدائهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن القائد الذي يلعب دور الرجل المجنون قد يفقد مصداقيته، مما يعرضه لخطر إبعاد حلفائه عنه. في حالة الولايات المتحدة، قد يؤدي هذا الوضع إلى دفع الحلفاء أو الدول المحايدة نحو قوى أخرى مثل الصين. ويعتقد الكتاب الأمريكيون الذين ينتقدون “نظرية الرجل المجنون” بأن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على الحفاظ على موقعها القيادي العالمي إذا فقدت ثقة حلفائها. ويؤكد هؤلاء الكتاب أن أي اتفاقية يتم التوصل إليها تحت إدارة “الرجل المجنون” لن تحظى بثقة كاملة من الأطراف. وفقًا لذلك، إذا لم يتم إجراء تقييم دقيق، فإن “استراتيجية الرجل المجنون” قد توفر مكاسب قصيرة الأجل ومحدودة، ولكن هذه المكاسب ستأتي على حساب المكاسب طويلة الأجل.
في مقال على موقع “GZERO Media“، بعنوان “ماذا يريد ترامب من غرينلاند، وكندا، وبنما… ومن المزيد؟”، أشار إيان بريمر، عالم السياسة الدولية المعروف بتحليلاته حول المخاطر السياسية العالمية، إلى المخاطر التي قد تنتج عن صفة عدم القابلية للتنبؤ لدى ترامب. بريمر، الذي اشتهر في تركيا بكتابه “المجموعة الصفرية: نهاية عصر القادة العالميين والتحالفات”، أوضح أن مؤيدي ترامب يرون أن عدم قابليته للتنبؤ أو إبقاء الأصدقاء والأعداء في حالة من الغموض هي طريقة لإنجاز الأمور. ومع ذلك، يعتقد بريمر أن هذه الغموضيات تشكل مخاطر هائلة للحكومات والشركات التي تحاول البقاء على قيد الحياة في “الغابة”. وأكد بريمر أن عودة ترامب إلى السلطة ستسرع من الاتجاهات نحو نظام دولي أكثر خطورة وميلا للأزمات. وقال بريمر: “قد يحقق الصياد في القمة صيدًا مثيرًا للإعجاب، لكن الغابة ستصبح أكثر فتكًا ووحشية للجميع بما في ذلك الولايات المتحدة عاجلا أم آجلا”.
نشر العالمان السياسيان الأمريكيان صموئيل سيتز وكايتلين تالمادج في عام 2020 مقالًا مشتركًا في مجلة “The Washington Quarterly” بعنوان “المخاطر التي يمكن التنبؤ بها لعدم القابلية للتنبؤ: لماذا لا تكون التصرفات المجنونة فعالة؟”. ووفقًا للمقال، تُظهر السجلات التاريخية المتعلقة بترامب والفترات الرئاسية السابقة أن التكتيكات المجنونة تفشل عادةً في تعزيز الردع أو تحقيق مكاسب تفاوضية. وأشار الكاتبان إلى وجود ثلاثة أسباب رئيسية وراء هذا الفشل؛ الدول المستهدفة لا تفهم الرسالة التي يعتقد “المجنون” أنه يرسلها، والدول المستهدفة لا تجد سلوك “المجنون” مقنعًا، وحتى إذا صدقت الدول المستهدفة خطاب “المجنون”، فإنها لا تستسلم له لأنه يُنظر إليه على أنه غير قادر على تقديم ضمانات مقنعة بشأن تصرفاته المستقبلية.
من ناحية أخرى، يشير الاستراتيجيون الذين يدافعون عن قابلية تطبيق “نظرية الرجل المجنون” والحصول على نتائج منها إلى الزعيم الروسي فلاديمير بوتين كمثال. فقد وافق بوتين في نوفمبر 2024 على عقيدة تسمح بالرد النووي في حالة تعرض بلاده لهجوم بصواريخ باليستية طويلة المدى من دول حلف الناتو. ووفقًا للمدافعين عن “نظرية الرجل المجنون”، كان لهذا التصريح من بوتين تأثير رادع على الدول الأوروبية.
بلا شك، هناك تكاليف محتملة لنظرية “الرجل المجنون” و”عدم القابلية للتنبؤ”. فمع زيادة عدم اليقين في السياسة الدولية، قد يؤدي خطر سوء التقدير إلى حروب جديدة ويعرض بلد “الرجل المجنون” لتحديات غير متوقعة.
من ناحية أخرى، فإن أولئك الذين يلعبون دور “الرجل المجنون” قد يبالغون أحيانًا في استيعاب هذا الدور ويرتكبون أفعالًا مجنونة. ويمكن أن تتغير سيناريوهات الرجل المجنون أثناء تطبيقها. وهذا الخطر قائم دائمًا. لأنه إذا لم يبتلع الخصوم الطعم، فقد يجعل ذلك الشخص الذي يلعب دور المجنون أكثر عدوانية ويجعل الأمور تخرج عن السيطرة. وفي بعض الأحيان، يمكن أن يتحول دور الجنون إلى حقيقة إذا صاحبته مشاعر الكبرياء. هذا هو السياق الذي يجب أن يكون فيه أصحاب السلطة حذرين للغاية. من المحتمل أن يؤدي رد فعل من قبيل: “إذا كنت مجنونًا، فأنا أكثر جنونًا منك، هيا!”، إلى انحراف “لعبة الرجل المجنون” عن مسارها.
حتى الخداع البريء في الحياة اليومية للأشخاص يمكن أن يؤدي أحيانا إلى نتائج غير مرغوب فيها. عندما تكون هناك فرصة لأن يؤدي التراجع عن الخداع إلى وضع الشخص في موقف أكثر صعوبة، فإن التقدم خطوة إلى الأمام قد يدفع الأطراف إلى طريق يصعب العودة منه. هذه الحالات النفسية تكون أكثر وضوحًا لدى الأفراد الذين يظهرون سمات شخصية نرجسية.
في الختام، يمكن القول إن المناقشات حول نظرية “الرجل المجنون”، التي عادت للظهور منذ الولاية الرئاسية الأولى لترامب، لا تزال تحافظ على حيويتها حتى اليوم. وفي هذا السياق، يبدو أن الولاية الرئاسية الثانية لترامب ستكون اختبارًا جديدًا لنظرية “الرجل المجنون”.
*تحليل معمق للكاتب والخبير التركي عبد الله مير أوغلو، نشرته مجلة كريتيك باكيش الفكرية