اتفاق قسد والحكومة السورية: خطوة نحو الوحدة أم إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية؟

إسلام الغمري خاص اخبار تركيا
في العاشر من مارس 2025، شهدت سوريا تحولًا سياسيًا وأمنيًا قد يعيد رسم خريطتها الوطنية والإقليمية. بعد سنوات من الانقسام والصراعات، جاء الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية المؤقتة برئاسة أحمد الشرع ليضع حدًا لواحد من أكثر ملفات الأزمة السورية تعقيدًا.
بموجب هذا الاتفاق، سيتم دمج قسد ومؤسساتها ضمن هيكلية الدولة السورية، مما يعني استعادة السيطرة على المناطق التي كانت خاضعة لنفوذها، وخاصة حقول النفط والغاز الحيوية. لكن الأهم من ذلك، أن هذا الاتفاق لا يعيد ترتيب المشهد الداخلي السوري فحسب، بل يعيد رسم التوازنات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بعلاقة سوريا بتركيا والتدخل الأمريكي المستمر.
أهمية الاتفاق للأمن القومي السوري
لطالما شكّلت مناطق شمال شرق سوريا، التي كانت تحت سيطرة قسد بدعم أمريكي، تحديًا للسيادة السورية، ليس فقط لخروجها عن سلطة الدولة، ولكن أيضًا لأنها تضم معظم الموارد النفطية والغازية، التي تمثل العصب الاقتصادي للبلاد.
من خلال هذا الاتفاق، تستعيد الحكومة السورية السيطرة على هذه الموارد، مما يعزز قدرتها على إعادة الإعمار وتحسين الوضع المعيشي في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة.
كما أن دمج قسد ضمن مؤسسات الدولة، عسكريًا وإداريًا، ينهي وجود كيان موازٍ كان يهدد وحدة الأراضي السورية. ومن خلال هذا الدمج، يتراجع خطر الاشتباكات الداخلية، مما يسمح للدولة بتوجيه مواردها نحو إعادة النازحين، وإعادة بناء المؤسسات، ومواجهة التحديات الأمنية الأكبر.
التأثير على الأمن القومي التركي
تركيا، التي لطالما اعتبرت قسد تهديدًا لأمنها القومي بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني (PKK)، ترى في هذا الاتفاق خطوة ضرورية لتعزيز الأمن والاستقرار على حدودها الجنوبية.
إن إنهاء وجود تشكيلات عسكرية كردية مستقلة ودمجها ضمن الجيش السوري يحقق لأنقرة هدفها في إزالة أي تهديد محتمل على حدودها دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر.
كما أن استعادة الدولة السورية سيادتها على مناطق الشمال الشرقي، وفقًا لهذا الاتفاق، تدعم جهود التعاون الأمني بين أنقرة ودمشق الجديدة، حيث لم تعد هذه المناطق تشكل مصدر قلق استراتيجي لتركيا، ما يفتح المجال لتوسيع التعاون الاقتصادي والأمني في المستقبل.
قطع الطريق أمام التدخل الأمريكي
من أبرز تداعيات هذا الاتفاق أنه يضعف الذرائع التي تستند إليها الولايات المتحدة لتبرير وجودها العسكري في سوريا. لطالما بررت واشنطن تدخلها بدعم قسد في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية وحماية حقول النفط، لكن مع استعادة الحكومة السورية السيطرة على هذه المناطق، تفقد واشنطن مبررات بقائها.
هذا قد يدفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة تقييم استراتيجيتها في سوريا، خاصة في ظل تركيزها المتزايد على الصراع مع الصين وروسيا.
إذا تراجع النفوذ الأمريكي في شمال سوريا، فقد يفتح ذلك الباب أمام تحولات جديدة في علاقات سوريا مع كل من روسيا وإيران وتركيا، مما يعيد رسم المشهد الجيوسياسي في المنطقة.
ماذا يعني عودة سوريا موحدة؟
عودة سوريا إلى حالة الوحدة، باستثناء الجولان المحتل، تعيد لها وزنها الإقليمي، لكنها تفرض تحديات داخلية كبيرة:
1. إعادة استيعاب قسد ضمن مؤسسات الدولة دون حدوث توترات، خاصة بين قياداتها والقوى التقليدية في دمشق.
2. بناء الثقة بين مختلف المكونات السورية، وخاصة بين العرب والأكراد، من خلال إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، وليس مجرد ترتيبات أمنية.
3. التعامل مع المناطق الخاضعة للنفوذ التركي والإيراني، مما يجعل مشروع “سوريا الموحدة” رهينًا بقدرة الحكومة على إدارة الملفات الخارجية بمهارة.
نجاح الاتفاق يتطلب أكثر من مجرد توقيع، بل يحتاج إلى تنفيذ دقيق ومتوازن يحفظ حقوق جميع الأطراف ويضمن استقرار البلاد.
الخاتمة
اتفاق قسد والحكومة السورية ليس مجرد ترتيب سياسي جديد، بل هو محاولة لإعادة بناء سوريا من الداخل، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي كرّست الانقسام لسنوات.
لكن نجاح هذا الاتفاق لن يعتمد فقط على توقيعه، بل على التنفيذ الفعلي لما جاء فيه. إن كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لتنفيذه، فقد يكون هذا الاتفاق مقدمة لسوريا جديدة قوية وموحدة.
أما إذا فشل التنفيذ، فسيكون مجرد هدنة مؤقتة في صراع طويل لا يزال ينتظر حلوله الجذرية.