تركيا ترد على إيران بـ”ملف حساس”

اخبار تركيا
كشف الكاتب الصحفي والخبير التركي يحيى بستان، أن أنقرة أرسلت ملفا إلى طهران على خلفية التوتر الذي تشهده العلاقات التركيةالإيرانية بسبب التطورات في سوريا.
وحول استدعاء تركيا وإيران ممثليهما الدبلوماسيين بشكل متبادل إلى وزارتي خارجيتهما، رأى بستان في مقال بصحيفة يني شفق أن “هذا ليس أمرا معتادًا”.
وأضاف: “علمت أن ملفًا قد أُرسل من أنقرة إلى طهران قبل هذه الخطوة. وفي خضم هذه التطورات، رفع فلول الأسد الساقط في اللاذقية راية التمرد ضد حكومة دمشق، وواجهت دمشق صعوبة في السيطرة على الوضع في أول اختبار لها”.
وقال: “ظهرت صور قد تفرح الأطراف الجهات الفاعلة التي تسعى إلى إثارة الفوضى في البلاد. إننا نمر بمرحلة حساسة، فما الذي يحدث؟ لقد أجريت بحثًا”.
وتابع المقال:
إن هدف دمشق هو الحفاظ على وحدة أراضيها، وجمع الجماعات المسلحة تحت مظلة واحدة، ورفع العقوبات لإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح. إن مهمة الرئيس السوري الشرع صعبة، فالبنية التحتية الاقتصادية منهارة، ودمج الجماعات المسلحة في الجيش سيأخذ وقتا. وفوق ذلك، تستخدم بعض الجهات الفاعلة في المنطقة كل الوسائل المتاحة لهم لتقسيم سوريا. ويجب على أولئك الذين يتوقعون أن تتعافى سوريا بسرعة أن يأخذوا هذه الحقائق بعين الاعتبار، فلا أحد يمتلك عصا سحرية لحل كل المشاكل.
لقد كشفت إسرائيل عن خطتها لتقسيم سوريا إلى أربع كانتونات. وهي تتعاون مع تنظيم “بي كي كي/قسد” في شمال سوريا. وصرح مظلوم عبدي، الذي طالبته إيمرالي بتسليم السلاح، أنه يرحب بالدعم القادم من إسرائيل. كما يحرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، حيث أعلن عن حزمة دعم لهم بقيمة مليار دولار. وكما أشرنا سابقًا؛ فإن الهدف الآخر لإسرائيل هو تجريم حكومة دمشق والإطاحة بها.
إيران وإسرائيل من جهة، وجيران سوريا من جهة أخرى
شهدت إيران خسائر كبيرة في نفوذها في كل من قره باغ ولبنان وسوريا، حيث كانت هذه المناطق تعتبر مناطق نفوذ استراتيجية لها. فأصبحت تزداد عدوانية، إذ تقوم بأمرين: أولًا، ما عبر عنه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي في ديسمبر الماضي، حين قال: “نتوقع أن تظهر في سوريا حركة قوية ومشرفة”. وإثر ذلك بدأت المجموعات المسلحة المدعومة من إيران بالظهور في سوريا في الشهر الماضي. ثانيًا، ، تعمل إيران على تعزيز محور المقاومة الذي تعرض للتصدع في سوريا من خلال التعاون مع قوات “بي كي كي/قسد”.
وفيما يتعلق بسوريا، يتضح أن إيران وإسرائيل تتشاركان نفس الخط. وفي الجانب الآخر، تقف دول مجاورة لسوريا، بما فيها تركيا. وفي توقيت لافت، اجتمع في عمان خلال نهاية الأسبوع وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء الأركان والمخابرات لكل من الأردن وتركيا والعراق ولبنان وسوريا. وقد خلص الاجتماع إلى دعم الإدارة السورية وإنشاء مركز عمليات مشترك لمكافحة داعش. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن سوريا قد استعادت عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي الأسبوع الماضي، إلا أن الدول العربية لا تزال تتحرك ببطء فيما يتعلق بتقديم الدعم المالي لدمشق.
أين تقف الولايات المتحدة وروسيا؟
لقد منحت الولايات المتحدة إسرائيل شيكا مفتوحًا في غزة، ولكنها لم تفعل الأمر ذاته مع إيران. وقد أبدت واشنطن رغبتها في التفاوض مع طهران عبر الوساطة الروسية. وأعلن ترامب أنه بعث رسالة إلى طهران، ولكن الجانب الإيراني نفى وصولها. وبينما تمارس واشنطن ضغوطًا على إيران من خلال العقوبات، تحاول في الوقت ذاته دفعها إلى طاولة المفاوضات.
سنرى ما إذا كان ترامب سيسير على خطى إسرائيل في سوريا. ولكن بدأت تظهر أولى الإشارات، فقد أدلت الولايات المتحدة بتصريح حول اللاذقية قالت فيه: “نحن نقف مع العلويين والدروز والأكراد والمسيحيين”. وهذا يتطابق مع الموقف الإسرائيلي. ولكن البيان دعا أيضًا إدارة دمشق إلى اتخاذ إجراءات ضد مرتكبي الهجمات، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ترى في إدارة دمشق طرفًا يمكن التفاوض معه، وتختلف مع إسرائيل في هذه النقطة.
أما بالنسبة لروسيا، فإن الوضع مختلف. فتغيير النظام في دمشق أزعج الروس، ولكن الرئيس فلاديمير بوتين التقى بالرئيس السوري أحمد الشرع، وأكد على ضرورة فتح صفحة جديدة في العلاقات. ويولي الروس أهمية لموانئهم وقواعدهم في سوريا، ويجرون محادثات مع دمشق حول هذا الموضوع. ولكن هذا لا يمنعهم من تغيير مواقفهم بناءً على التطورات.
وتجدر الإشارة إلى رسالة نتنياهو إلى الروس، والتي حثهم فيها على “الحفاظ على وجودهم في سوريا ضد الأتراك”. ومن اللافت أن روسيا دعت إلى عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي مع الولايات المتحدة بعد أحداث اللاذقية. وسبق أن أشرنا إلى ضرورة التركيز على كلمات الرئيس الروسي بوتين: “لقد اتخذنا الخطوات الأولى نحو التعاون مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا وفلسطين”.
محور الحرس الثوري الإيراني “بي كي كي/قسد” البعث
يجب تقييم المحادثات الأخيرة بين أنقرة وطهران في هذا السياق المتغير. وفي هذا الصدد، يعتبر الحادث الذي وقع في 8 فبراير أمرًا مهمًا. حيث زار رئيس جهاز المخابرات التركي، إبراهيم قالن، طهران لإجراء محادثات مع المسؤولين الإيرانيين. وفي نفس اليوم، تحدث وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، مع نظيره الإيراني، عباس عراقجي، عبر الهاتف. ولا شك أن هذه المحادثات تناولت جهود إيران في ضم قوات “بي كي كي/قسد” إلى محور المقاومة، فضلاً عن المجموعات المسلحة التي أنشأتها في سوريا.
في الواقع، كانت وكالة فارس للأنباء التابعة للحرس الثوري الإيراني، هي التي أعلنت في 4 مارس عن تشكيل “مجموعات مقاومة في سوريا ضد محاولات تقسيم البلاد من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا”. وبدأت الأحداث في اللاذقية والمناطق المحيطة بها في 6 مارس.
وتصريح وزير الخارجية هاكان فيدان لقناة الجزيرة في 1 مارس له أهمية كبيرة. حيث أشار إلى ضرورة عدم فرض أي طرف هيمنته على المنطقة. وعندما سُئل عن علاقة إيران بـ “بي كي كي/قسد”، قال: “إذا كنت لا تريد أن يُلقى حجر على نافذتك، فلا ترمِ حجراً على نافذة الآخرين”. ولم يقصد بذلك إيران فقط، بل كان يطرح مبدأ عامًا. وقد لقي هذا التصريح ردود فعل من المسؤولين الإيرانيين، وتم استدعاء الدبلوماسيين من الجانبين إلى وزارتي الخارجية في 3 مارس. وذهب الإيرانيون إلى أبعد من ذلك عندما أعلنوا عن استدعاء السفير التركي، وهو ما يعد خرقًا للأعراف الدبلوماسية.
ما الذي تحتويه الملفات المرسلة إلى طهران؟
منذ سقوط الأسد في 8 ديسمبر، أصبحت السلطات الإيرانية تستهدف أنقرة علنًا، وتتهمها بالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة. وردا على ذلك أرسلت أنقرة ملفاً إلى طهران يحتوي على معلومات بشأن هذه القضية ومضمون الرسائل التي أُرسلت ومن أرسلها. وطلبت من إيران أن تتوخى الحذر. وفي هذا الصدد تقول أنقرة لطهران: “إذا كان لديكم مشكلة، أخبرونا بها، ولا تتحدثوا علنا. فعندما تفعلون ذلك، فإنكم توجهون الرسالة إلى جمهوركم المحلي وليس إلينا، وهذا لا يحل المشاكل” ولكن هل تسعى طهران حقًا لحل المشاكل؟ أشك في ذلك.