“وساطة عربية” متعثرة للإفراج عن مختطفة إسرائيلية في العراق

كشفت مصادر موثوقة عن كواليس اجتماع عقد بين مفاوضين أميركيين وعراقيين في عاصمة عربية تلعب دور الوسيط للإفراج عن المختطفة الإسرائيلية، إليزابيث تسوركوف، في حين أكد مسؤول عراقي أن مؤسسة أمنية (عراقية) كُلّفت التواصل مع “جهات صديقة” لتحرير المختطفة في أقرب وقت ممكن.
ولم ينته الاجتماع، الذي عُقد في أواخر فبراير 2025، إلى اتفاق بعدما رفض مسؤولون أميركيون مقايضة جهة عراقية، بفدية وإطلاق سراح أشخاص موالين لإيران في العراق ولبنان بينهم قبطان بحري يعمل لصالح “حزب الله” اللبناني، لما يحمل ذلك من احتمالات تمويل أنشطة وكلاء طهران في المنطقة.
وكانت الرهينة التي تحمل أيضاً جنسية روسية، قد اختُطفت في مارس 2023 بمنطقة الكرادة، أحد أحياء بغداد التجارية، التي تضم مقار أحزاب شيعية متنفذة، وفصائل موالية لإيران، ومكاتب تابعة للأمن العراقي.
وتسوركوف، باحثة من جامعة برينستون، دخلت البلاد بشكل قانوني في مهمة أكاديمية، وفقاً لمسؤولين في الحكومة العراقية.
حتى اليوم، لم يعلن أي فصيل مسلح مسؤوليته عن الاختطاف، لكن تقارير أميركية وإسرائيلية وجهت الاتهام لـ”كتائب حزب الله”، التي تورطت سابقاً بحوادث خطف وقتل لأجانب في العراق.
ورقة بيد إيران
وأفادت مقابلات أجرتها “الشرق الأوسط” مع عشرات الأشخاص الضالعين في مفاوضات لتحرير تسوركوف، بأن الجهة الخاطفة تقدم “مثالاً قوياً” على هشاشة الخطط العراقية لحل الفصائل وإلقاء سلاحها، وتؤشر إلى أن إيران تحاول الاحتفاظ بورقة لعب لمنع خسارة نفوذها في العراق، ولمواجهة ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وأظهرت الإدارة الأميركية خلال الأسابيع الماضية اهتماماً لافتاً بملف الرهائن الإسرائيليين، وحظي آدم بوهلر، المبعوث الرئاسي لشؤون الرهائن، باهتمام وسائل إعلام عربية بسبب تفاوضه مع حركة “حماس” لإنجاز صفقة رهائن، وتطور دوره إلى بحث مستقبل الحركة في القطاع.
وكان بوهلر قد ضغط على رئيس الحكومة العراقية بشأن المختطفة إليزابيث، وقال في 5 فبراير 2025، إن محمد شياع السوداني “إما عاجز عن تحريرها أو متواطئ مع الجهة الخاطفة”.
يومها، طلبت “الشرق الأوسط” تعليقاً من بوهلر حول السيناريو المحتمل لـ”التواطؤ” دون رد، لكن متحدثاً باسم الخارجية الأميركية قال لـ”الشرق الأوسط”، إن “إليزابيث ليست مواطنة أميركية، ومع ذلك فإن واشنطن تحث المسؤولين العراقيين على تأمين إطلاق سراحها في أقرب وقت ممكن”.
في الأيام اللاحقة، تصاعد انخراط بوهلر، والإدارة الأميركية، في ملف تسوركوف، وأبلغ متحدث باسم الخارجية “الشرق الأوسط”، أن “واشنطن لن تتسامح مع احتجاز رهائن من رعايا إسرائيل”.
اجتماع في دولة وسيطة
وقالت مصادر عراقية وعربية لـ”الشرق الأوسط”، إن “دولة عربية تلعب دور الوساطة، استضافت اجتماعاً في أواخر فبراير الماضي بين مسؤولين أميركيين وآخرين يمثلون مؤسسة أمنية حكومية في بغداد”.
وحضر عن الجانب الأميركي مسؤول بارز في الإدارة الجديدة، مع سفير أميركي سابق عمل في بغداد قبل سنوات، ويشار إليه بأنه أحد أهم الضالعين في صياغة المرحلة الانتقالية بعد عام 2003.
ووفق مصادر متقاطعة، فإن مسؤولاً أمنياً، له صلات وثيقة بالفصائل المسلحة، حضر الاجتماع عن الجانب العراقي.
وسمع المفاوضون الأميركيون “عرضاً لإطلاق تسوركوف مقابل فدية مالية والإفراج عن معتقلين عراقيين ولبنانيين ينتمون لفصيل عراقي و(حزب الله) اللبناني”.
وأكدت المصادر، أن وسطاء تمكنوا من خفض قيمة الفدية من 500 مليون دولار إلى 200 مليون دولار، لكن المسؤولين الأميركيين رفضوا الدخول في مفاوضات مشروطة لتحرير تسوركوف.
ونقلت المصادر، أن “واشنطن ترى أن تحرير المختطفة الإسرائيلية مسؤولية الحكومة العراقية، وأن دفع أموال مقابل تحريرها مرفوض لأنه يساعد على تمويل أنشطة إرهابية”، كما أن “الإدارة الأميركية ترى أن إيران ووكلاءها غير مؤهلين للحديث عن تبادل رهائن بمعتقلين على أرض تتمتع بسادة القانون مثل العراق”.
وانتهى الاجتماع عند الحديث عن الفدية دون التوصل إلى نتائج، لكن مسؤولاً عراقياً اقترح على “جهات في الدولة الوسيطة أن تقوم بدفع الفدية لأنها على دراية سابقة بطريقة التواصل مع قنوات الخاطفين”، وفقاً للمصادر.
لاحقاً، في مارس 2025، أبلغ رئيس الحكومة العراقية مسؤولين في أجهزة أمنية “عدم الانخراط في مفاوضات مشبوهة”، وشدد على “أهمية تحرير الرهينة بالطرق القانونية”، حسبما أفاد مصدران عراقيان.
وجاء تحرك السوداني بعد اتصالات تلقاها من مسؤولين في الإدارة الأميركية، من بينهم مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، كما أنه “التقى وجهاً لوجه مسؤولين سافروا من واشنطن لبحث هذه القضية تحديداً”.
سماسرة وقنوات خلفية
وقالت مصادر إن “الضغط الأميركي ازداد على بغداد منذ مطلع فبراير 2025 بعد اكتشاف وسطاء عرضوا خدماتهم للتفاوض مع الجهة الخاطفة، تبين أنهم كانوا على اتصال مع سماسرة لا صلة لهم بالقضية”.
وفق المصادر، فإن “سماسرة من جنسيات عربية عرضوا خدماتهم على الدولة الوسيطة وأنهم فتحوا قناة خلفية للتفاوض، وفي مرحلة ما تأكدوا أنهم لا يتفاوضون مع الجهة التي تحتفظ بتسوركوف”. وقال مصدر: “الدولة الوسيطة كانت مهتمة بتقديم خدمة مثل هذه لإدارة ترمب، لأبعاد سياسية طويلة الأمد”.
مع فشل “القنوات الخلفية”، كانت “كتائب حزب الله” تمتنع عن الاستجابة للوساطات. وأكد أشخاص على صلة بالمفاوضات إن الفصيل قدم رواية مختلفة عن اختطاف تسوركوف، أفادت بأن “مجموعة مسلحة تنتمي للكتائب خطفت تسوركوف دون الرجوع لقادتها، بعدما رصدت باحثة أجنبية بمحض الصدفة في بغداد”.
وقالت مصادر إن “الفصيل وقع أخيراً تحت ضغط مزدوج من إيران و(حزب الله) لاستخدام المختطفة ورقة ضغط أمام الإدارة الأميركية”. وقال سياسي شيعي (عراقي)، لـ”الشرق الأوسط”، إن “أهمية تسوركوف ازدادت في وقت حرج بالنسبة لإيران، التي ترى أنها على وشك خسارة نفوذها في العراق، على غرار سوريا ولبنان”.
في هذه المرحلة، تفاقمت ضغوط الإدارة الأميركية على بغداد. وأكدت مصادر أن “الحكومة العراقية سمعت تهديدات بعقوبات ما لم يفرج عن تسوركوف قريباً”.
وأكدت المصادر، أن الجهة الخاطفة تراجعت عن صفقة تبادل كانت تشمل مقايضة تسوركوف بشخص عراقي أدين بقتل المدرس الأميركي ستيفن ترويل قبل نحو ثلاثة أعوام في بغداد، إلى جانب أشخاص ينتمون إلى “حزب الله” اللبناني اعتقلتهم إسرائيل، من بينهم قبطان بحري. عماد فاضل أمهز الذي سحبه كوماندوز إسرائيلي من مدينة البترون شمال لبنان في نوفمبر 2024.
وبحسب مصادر لبنانية مقربة من “حزب الله”، فإن الحزب نفى ضلوعه في أي مفاوضات أو أن يكون هناك ربط بين قضيتي أمهز وتسوركوف.
صفقة وشيكة
لم يرد آدم بوهلر على طلبات “الشرق الأوسط” للتعليق، إلّا أن متحدثاً باسم الخارجية الأميركية قال إن بلاده أكدت للحكومة العراقية ضرورة تأمين إطلاق سراح تسوركوف.
وقال المتحدث لـ”الشرق الأوسط”: “أوضحنا للحكومة العراقية ضرورة السيطرة على الفصائل المسلحة التي تعمل داخل حدودها وتحتجز أسرى أبرياء”.
وقال فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الحكومة العراقية، إن “السلطات في بغداد تتابع قضية إليزابيث تسوركوف من خلال القنوات الرسمية، وبما ينسجم مع القوانين والسيادة الوطنية”.
وشدد علاء الدين في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، على أن “أي جهود تُبذل لمعالجة القضية تتم وفق الأطر القانونية والمؤسساتية”.
وكشف المستشار العراقي عن “تكليف مؤسسة حكومية رسمية بمتابعة الملف، مع استمرار التواصل مع الجهات الصديقة المعنية للوصول إلى حل في أقرب وقت ممكن”، من دون أن يوضح هوية هذه الجهات وفيما إذا كانت دولة عربية أو وسطاء خارجيين.
ورجَّحت المصادر أن الجهة الخاطفة التي لا تزال تحتفظ بتسوركوف “على قيد الحياة”، ستتخلى عنها مقابل فدية مالية، بعد فشلها في إبرام صفقة تبادل أجهضها الأميركيون، وليس من الواضح بعد إذا كانت “الدولة الوسيطة” ستتكلف أعباء إتمام الصفقة أم الدولة العراقية.