اخبار تركيا

المقاتلون بالوكالة.. أقوى أسلحة الإمبريالية الحديثة (خبير تركي)

اخبار تركيا

تناول مقال للخبير السياسي التركي سلجوق تورك يلماز، دور المقاتلين بالوكالة والبُنى التابعة كأدوات للإمبريالية في زعزعة استقرار الدول، مع التركيز على تنوعها الديني والطائفي والعرقي.

كما استعرض تورك يلماز في مقاله بصحيفة يني شفق المواجهة التي خاضتها تركيا ضد هذه الجماعات، مثل “بي كي كي” و”غولن”، وأهمية خطوط المقاومة الاجتماعية والأيديولوجية في التصدي لها.

وناقش المقال أيضًا التحولات في النظام الدولي، مشيرًا إلى ظاهرة “الدول الخارجة عن النظام” وانعكاساتها على موازين القوى العالمية، مع تأكيد تركيا على أهمية تعزيز استقرارها وتعزيز مقاومة التدخلات الخارجية.

وفيما يلي نص المقال:

كان المقاتلون بالوكالة أو الجماعات التابعة أقوى أسلحة الإمبريالية. وإذا تركنا جانبا مسألة متى بدأ استخدامها كأداة لزعزعة الاستقرار، وركزنا على الحقبة التي تلت التسعينيات، فإن عملية تشكيل هذه الجماعات الوكيلة تظل ذات أهمية بالغة. ونظرًا لأن أدوات التدخل الإمبريالي لا تقتصر على المجموعات المسلحة فقط، فإنه يمكن اعتبار مصطلح “البُنى التابعة” أكثر ملاءمة كوصف عام. فقد أثرت هذه البُنى التابعة على بعضها البعض بمرور الزمن، مما أدى إلى تنوعها دينيًا، ومذهبيًا، وعرقيا. ومن بين أحدث هذه التنظيمات يظهر كل من تنظيمي “بي كي كي” و”غولن” الإرهابيين، وبالعودة إلى الوراء نجد تنظيمات إرهابية أخرى مثل تنظيم “أسالا” الإرهابي. وكانت هذه الجماعات من بين أخطر الكيانات التخريبية في النصف الثاني من القرن العشرين.

وفي العقد الماضي، اضطرت تركيا إلى خوض مواجهة فعلية مع هذه التنظيمات على مستويات مختلفة. وهذا ما كان يقصده الرئيس أردوغان حين قال في أحد خطاباته الشهيرة: “تعالوا جميعًا دفعة واحدة”، فقد كان إشارة إلى هذه التنظيمات. وكان تنظيم “داعش” ضمن هذه القوى المستهدفة. وينبغي كذلك اعتبار إسرائيل جزءًا من هذه البُنى، بوصفها كيانًا استعماريًا.

ورغم أن المقاتلين بالوكالة والبُنى التابعة شكّلوا سلاحًا فعالًا بيد الإمبريالية، إلا أن هذا الوضع استمر إلى حد معين فقط. فكلما ازدادت قوة الكيانات المستمدة من الخارج، ضعفت الدول أمامها، وقد أدى ذلك إلى ظهور نتيجتين منفصلتين متناقضتين. ففي تركيا على وجه الخصوص نشأت خطوط مقاومة اجتماعية وأيديولوجية ضد هذه البُنى، وشهدت المناطق المجاورة لتركيا نتائج مماثلة. وتميزت هذه البُنى التابعة بتنوعها الديني، والطائفي، والعرقي، فضلًا عن استمدادها القوة من مجالات متعددة. ومع مرور الوقت بدأت هذه البنى في التنظيم ضمن شبكات لوجستية بفضل روابطها القوية مع الخارج، ولعل هذا الوضع كان أكثر ملاءمة للمراكز الإمبريالية. ولكن بمرور الوقت، تحوّل هذا “الوضع المثالي” إلى نقطة ضعف بالنسبة لتلك المراكز.

لقد تشكلت الجماعات الوكيلة والبُنى التابعة بناءً على فرضية أن القوى الإمبريالية ستظل دائمًا هي الطرف المنتصر. ومن هنا نشأت حالة الضعف. وفي السياق التركي والإقليمي، يُعد تنظيم “غولن” الإرهابي أحدث وأقوى البُنى التابعة التي نشأت. إذ لعبت عناصر هذا التنظيم دورًا محوريًا في الشبكات اللوجستية. وعندما تحركت تركيا بشكل غير متوقع ضد هذا التنظيم، بدأت نقاط الضعف في النظام القائم على الدعم الخارجي تنكشف. وبالتالي لا يمكننا تفسير التغيير المفاجئ الذي شهدته المراكز الإمبريالية إلا من خلال هذه العملية الديناميكية.

وينبغي أن نولي اهتماما خاصا لخطوط المقاومة الاجتماعية والأيديولوجية، فكلاهما يشكّلان قيمة كبيرة. ومن المحتمل أن يُنظر إلى هذه الخطوط في المستقبل ضمن إطار “فن تراكم القوة”، حيث تشكّل هذه الخطوط واحدة من النتيجتين المتناقضتين التي سبق أن أشرنا إليها. إن خط المقاومة المتشكل في المجالين الاجتماعي والأيديولوجي يعكس عملية جدلية، إلا أن استمرارية هذه الخطوط وإنتاجيتها تواجه تهديدًا جديًا من البُنى التابعة. فبعض العناصر المنخرطة في هذه البُنى لديها القدرة على التسلل إلى المجموعات المختلفة وإقامة علاقات وثيقة ضمن النسيج المؤسسي، مما يجعلها تشكّل تهديدًا للمؤسسات. كما أن التآكل الأيديولوجي يُعدّ بدوره من المخاطر التي ينبغي تصنيفها ضمن فئة التهديدات. ولا بد من متابعة مسألة تعميق واستدامة الصراع بين التيارات العلمانية والمناهضة للعلمانية في سياق التآكل الأيديولوجي. فبينما تشكّل خطوط المقاومة أساسًا لبناء القوة، فإنها قد تصبح نقطة ضعف في فترة وجيزة.

إن أقوى ضربة للنظام الدولي توجه من قبل مؤسسيه. ومع فقدان هذه الدول لقوتها بدأت تخرج من النظام. وإذا ما عكسنا المفهوم الذي طرحه إيمانويل والرشتاين حول “الحركات الخارجة عن النظام”، يمكننا أن نصل إلى مفهوم مثير للاهتمام وهو “الدول الخارجة عن النظام”. ومع مرور الوقت، سيتضح محتوى هذا المفهوم بشكل أكبر. وفي المقابل تؤكد دول مثل تركيا على أهمية النظام الدولي. وهذه أيضاً إحدة النتيجتين المنفصلتين والمتناقضتين اللتين نحاول التعبير عنهما. إن خروج الدول الإمبريالية التي أسست النظام بعد عام 1945 من النظام الدولي هو حدث بالغ الأهمية. وهذا يجعل متابعة الدول الخارجة عن النظام عن كثب أمرًا ضروريًا. وتشير تصريحات الرئيس أردوغان إلى ضرورة الاستعداد للتطورات غير المتوقعة. وفي هذا الإطار يجب تعزيز استمرارية خطوط المقاومة المجتمعية والأيديولوجية وجعلها أكثر إنتاجية. لقد كانت البنى التابعة التي ظهرت بأقوى تدخل في تاريخ الجمهورية تستمد قوتها من المجال الاجتماعي. وكانت أحداث “غيزي” تدخلًا كبيرًا لأنها استمدت قوتها من المجال الاجتماعي. أما تنظيم “غولن” الإرهابي فكان يستمد قوته من التآكل الأيديولوجي.

يجب أن نعمل على تعزيز وإبراز الخصائص التي تمنح القوة لتركيا والمناطق المجاورة لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *