دمشق.. مكب نفايات “الإدعشرية” يقلق السكان

“تخيل أن تصحو كل يوم على رائحة كريهة”، “ابتلينا بالتلوث والأمراض وسوء النظافة”، هكذا عبر أهالي منطقة “الإدعشرية” عن استيائهم من وجود مكب نفايات في منطقتهم السكنية.
تقع منطقة “الإدعشرية” في مركز مدينة دمشق، بالقرب من باب شرقي التي تعتبر منطقة أثرية وسياحية في آن واحد، ويلاصق حائط المكب، مسجد ومجمع “الفتح الإسلامي” التابع لجامعة “بلاد الشام”، ما أثار غضب المصلين وسكان المنطقة.
أحمد سعد أحد سكان “الإدعشرية”، قال ل، إن معاناتهم لا يمكن حصرها فقط بالرائحة الكريهة، بل امتدت لتشمل كافة الخدمات من سوء الكهرباء والمياه والنظافة، متسائلًا، “أيعقل وجود مسجد ومكب نفايات في منطقة سكنية؟”.
خطر يهدد الأهالي
معاناة أهالي “الإدعشرية” لا تقتصر على خطورة التلوث البيئي والغازات السامة المنبعثة من النفايات في منطقتهم، فغياب الخدمات الصحية والكهرباء وقلة مياه الشرب، تجعل حالهم المعيشي أكثر تعقيدًا.
بحسب الأهالي، تأتي الكهرباء لمدة ساعة مرتين في اليوم فقط، وبالتالي لا يستطيعون تعبئة مياه صالحة للشرب، التي يتزامن وصلها مع قطع الكهرباء، مما جعل بعضهم يعتمدون على “مستنقع” نهر بردى المجاور لأحيائهم السكنية وغير الصالح للشرب بسبب إهماله وتلوثه من مكب النفايات.
سميرة المذيب، من سكان “الإدعشرية”، روت ل قصتها بعد تسمم ابنها أكثر من مرة نتيجة شربه مياهًا ملوثة، فلجأت لمنطقة القصاع القريبة من سكنها لتسعف ابنها، إذ لا توجد مراكز صحية في “الإدعشرية”.
يعاني الطفل خالد العبد (12 عامًا) من مرض “الربو”، ووجود منزله بالقرب من مكب النفايات يجعل وضعه الصحي أكثر سوءًا، وتمثل حالة خالد عينة عن الأمراض التي يعاني منها معظم الأهالي بعد إصابتهم بأمراض تنفسية مزمنة.
إضافة إلى الأمراض، هناك أزمة الحشرات والقوارض التي تطارد الأهالي مع بداية فصل الصيف، “هواء ملوث وانعدام النظاقة وخدمات منسية، بأي سبب نعاقَب؟”، قالت سميرة.
وعود سابقة
أكد أهالي “الإدعشرية” الذين قابلتهم، أن مطالب إزلة مكب النفايات من منطقتهم ليس بالجديد، لكن الوعود المتكررة التي تلقوها من الجهات المعنية ومحافظة دمشق، جعلت آمالهم تعلّق لأجل غير مسمى.
مر على تصريح محافظ دمشق في حكومة النظام السابق، طارق كريشاتي، أكثر من أربعة أشهر بعد الوعود التي أطلقها لأهالي دمشق القديمة، في 10 من تشرين الثاني 2024، بنقل مكب نفايات باب شرقي إلى موقع جديد بالقرب من المتحلق الجنوبي.
ووفقًا لما أعلنه كريشاتي، فإن المهلة المحددة لنقل المكب إلى موقع جديد هي شهر و20 يومًا فقط، لكن حتى تحرير هذا التقرير، ما زالت آمال أهالي المنطقة تنتظر تنفيذ هذه الوعود.
اختيار المكان
قابلت أحد العاملين السابقين في مديرية النظافة بدمشق، فضّل عدم ذكر اسمه، وأوضح سبب وجود المكب في منطقة سكنية.
قال المصدر، إن اتخاذ قرار وضع المكب في المنطقة يعود لعام 1993، إذ كانت “الإدعشرية”، باعتبارها منطقة عشوائية وقليلة عدد السكان حينها، حلًا إسعافيًا نتيجة لتعطل ناقلات القمامة بشكل مستمر.
كما أن بعد المسافة عن مكبات النفايات لعب دورًا أساسيًا في اختيار مكان المكب، فكانت نفايات دمشق تنقل إلى منطقة الغزلانية في ريف دمشق التي تبعد مسافة 20 كيلومترًا عن العاصمة، فضعف وجود آليات وناقلات تخدم محافظة دمشق أدى إلى اتخاذ القرار بإنشاء محطة مؤقتة لنقل النفايات.
وعود بالحل
المشرف العام على قطاع البيئة في مديرية نظافة دمشق، صبري عباس، صرح ل أنه بناء على توجيهات محافظ دمشق، ماهر مروان، واستجابة لمطالب الأهالي، يتم العمل على إيجاد مواقع بديلة لنقل مكب نفايات “الإدعشرية” إلى محطة نقل “مؤقتة” تجميعية، خلال أسابيع قليلة.
وتجري حاليًا دراسة هذه المواقع البديلة، وفق المعايير النموذجية البيئية، أي أن تكون محطة النقل مغلقة بعيدة عن المناطق السكنية، ووضع سور يحيط بها، تجنبًا لأي انبعاثات سامة تؤثر على البيئة والسكان.
وعن التحديات التي تواجه محافظة دمشق بما يخص تحديد محطات نقل النفايات، تحدث عباس عن قلة وجود مساحات بعيدة عن السكان.
ومن الأمور التي تجعل عمل مديرية نظافة دمشق أكثر تعقيدًا، النقص في الآليات والمعدات إلى جانب نقص في العمال الذين بات عدد منهم في سن التقاعد.
وبيّن صبري عباس أن من الخطط المستقبلية التي تعمل عليها مديرية النظافة في محافظة دمشق، إنشاء حاويات ذكية “تحت الارض”، فبحسب الدراسة المبدئية للمشروع، تم تحديد 100 موقع لهذه الحاويات، للحد من تراكم القمامة في معظم المناطق السكنية.
معالجة النفايات
بحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا)، في 2019، تعود فكرة معالجة النفايات في سوريا إلى عام 1990، إذ أنشئ معمل في الغزلانية لمعالجة النفايات وتحويلها إلى سماد وكان يغطي محافظة دمشق بالكامل.
وبعد سنوات تم توسيعه بأقسام وآلات جديدة لمعالجة النفايات الطبية والخطرة وفرم الإطارات، وأصبح يغطي دمشق وريفها تحت اسم (إدارة النفايات الصلبة بدمشق وريفها).
وفي عام 2011، توقف معمل القنيطرة الذي تتراوح طاقته الاستيعابية بين 15 و20 طنًا يوميًا، فيما أحدث في نفس العام معمل آخر في طرطوس.
وحددت مديرية معالجة النفايات الصلبة في الغزلانية طرق معالجة النفايات التي يتم تجميعها من دمشق وريفها مع المنطقة الجنوبية بمعدل 4000-4500 طن يوميًا، وشملت:
- معالجة النفايات الطبية بالتعقيم بالبخار بدرجة 140 درجة مئوية.
- كبس المعادن وعلب الألمنيوم لإعادة تدويرها.
- فرم الورق وكبسه بـ”بالات” قابلة للتدوير.
- فرم الإطارات إلى حبيبات خشنة قابلة للتدوير.
- فرم أغصان الأشجار و تحويلها إلى نشارة قابلة للتدوير.
- بعد معالجتها يتم تحويلها إلى سماد بحدود 100 طن يوميًا.
- الطمر النظامي بالمكب الصحي المجاور للمعمل وإتمام الطمر الصحي بالتغطية بالتربة وزراعتها وزراعة الأراضي المجاورة بالأشجار الحرجية والمثمرة كالزيتون والورود.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي