التوتر التركي-الإسرائيلي.. تصريحات مرنة تفتح الباب للوساطة الغربية

اخبار تركيا
تناول مقال للكاتب والمحلل السياسي سمير صالحة، تطورات الموقفين التركي والإسرائيلي تجاه التوترات في سوريا، حيث ظهرت مؤشرات على رغبة متبادلة في تجنّب المواجهة المباشرة.
وتطرق صالحة إلى تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، التي خفّفت من حدة الخطاب تجاه إسرائيل، وتزامنت مع موقف إسرائيلي مماثل، ما فتح الباب أمام تحركات دبلوماسية غربية للوساطة بين الطرفين.
كما سلّط المقال الضوء على الدور المحتمل لفرنسا، خاصة مع وجود فيدان ونظيره الإسرائيلي في باريس بشكل متزامن، إلى جانب لقاءات فيدان المكثفة مع مسؤولين غربيين في بروكسل، بما يعكس دعمًا أوروبيًا لجهود التهدئة.
وفيما يلي نص المقال الذي نشره موقع تلفزيون سوريا:
التقت مصالح تركيا وإسرائيل حتى يوم الثامن من كانون الأول المنصرم في الساحة السورية. إضعاف إيران وإخراجها من هناك، واكبه تجاهل تل أبيب لهدف إزاحة نظام بشار الأسد الذي كان يعطيها أكثر مما تريد. واشنطن كانت العرّاب بين الطرفين، وموسكو قررت في اللحظة الأخيرة ركوب الحافلة المتجهة نحو التغيير في سوريا.
بعد هذا التاريخ، تضاربت مصالح أنقرة وتل أبيب وتباعدت في سوريا لأكثر من سبب. قررت إسرائيل وضع تركيا وإيران على مسافة واحدة في سوريا، بعد التقارب والتنسيق الواسع بين أنقرة والسلطة السياسية الجديدة في سوريا. لكن أن تلتقي مصالح البعض مع ما تقوله وتريده تل أبيب حول ضرورة قطع الطريق على التمدد التركي هناك عبر الجهود الإسرائيلية لتحييد أنقرة في سوريا، هو المحيّر حقًا. “الأتراك ماضون قدما في استراتيجية وضع اليد على سوريا”، هذا ليس ما تقوله تل أبيب وحدها، بل هو رأي بعض وسائل الإعلام الصديقة لتركيا.
لم تنتظر إسرائيل إعلان أنقرة ودمشق عن حجم التفاهمات والعقود العسكرية المحتملة. كما تجاهلت ما تقوله وزارة الدفاع التركية، التي أعلنت أنها ما زالت تدرس طلب دمشق في توسيع رقعة التنسيق والتعاون العسكري، وإنشاء قاعدة تدريب مشتركة في سوريا بما يتماشى مع متطلبات الحكومة الجديدة هناك. فقررت توسيع رقعة التوغّل والانتشار واستهداف العمق السوري.
هل ما تقوم به يهدف فقط إلى حماية مصالح إسرائيل في المنطقة، أم أنها تتحرّك باتجاه تقديم خدمات لبعض المنزعجين من اتساع رقعة التفاهمات بين أنقرة ودمشق؟
مشكلة تركيا هي تجاهلها لرغبة البعض في الاستقواء بالتصعيد الإسرائيلي لإخراجها من سوريا، وتبرير ما تقوم به إسرائيل، “المتخوّفة من سيطرة أنقرة على دمشق”، عبر اللجوء إلى الاستيلاء على أراضٍ في جنوب غربي البلاد، وإعلان استعداد تل أبيب لحماية الأقلية الدرزية، واستهداف ما تبقى من بنية عسكرية تحتية من الأسلحة والعتاد العسكري السوري الثقيل في الأيام التي تلت سقوط الأسد.
ذهبت تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قبل يومين، “لا رغبة لنا بالدخول في مواجهة مع إسرائيل في سوريا”، باتجاه مغاير لما كان يتضمّنه بيان الخارجية التركية حول الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا: “ممارسات إسرائيل أكبر تهديد لأمن المنطقة”.
لكن ما أعقبها من موقف إسرائيلي جديد، يتحدّث عن عدم رغبة تل أبيب في الدخول في مواجهة عسكرية مع أنقرة، عزّز سيناريو دخول وسطاء غربيين على خط التهدئة بين البلدين.
تزامن وجود وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في باريس مع زيارة نظيره الإسرائيلي جدعون ساعر يوم الأربعاء المنصرم، يرفع أسهم دخول الخارجية الفرنسية على خط الوساطة بين الطرفين.
تصريحات فيدان من بروكسل، ولقاءاته المكثفة مع أكثر من وزير خارجية غربي على هامش اجتماعات دول حلف شمال الأطلسي، تعزّز دعم أكثر من عاصمة غربية لجهود التهدئة بين تركيا وإسرائيل أيضًا.
خيّبت هذه الرسائل الجديدة آمال البعض باقتراب موعد المواجهة العسكرية بين البلدين، لكنها لم تُسقِط احتمال التوتر والتصعيد من الحسابات.
تركيا ما زالت تتمسّك بأن ما تفعله إسرائيل يعرّض الأمن الإقليمي للخطر، وإسرائيل لا تريد أن ترى القوات التركية على مقربة من حدودها مع سوريا.
تُجري أنقرة منذ كانون الأول سلسلة من الاتصالات مع العواصم العربية والغربية، مُبدية استعدادها للتوسّط باتجاه التقريب بين السلطة السياسية الجديدة في دمشق وهذه العواصم.
وهذا ما يُقلق تل أبيب ويدفعها للغضب، لأنه سيقوّي موقف سوريا الجديدة على مستوى الإقليم، خصوصًا وأن التنسيق يتم مع الجانب التركي.
ما يغضب نتنياهو أكثر هو أن أنقرة تتحرك في سوريا بالتنسيق مع العواصم العربية الفاعلة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تعمل على إعادة سوريا إلى الحضن العربي.
إسرائيل خارج هذا الحراك، الذي سيكون على حساب مصالحها، لأن واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية تدعمه، وترى فيه فرصة للتهدئة الإقليمية.
الاحتمال الأكبر أن إسرائيل غاضبة أيضًا نتيجة تفاهم هذه العواصم على بقاء سوريا موحّدة، بعكس المشروع الإسرائيلي الذي يسعى للعب ورقة الأقليات وفرض نظام كونفدرالي، يوصلها إلى شمال شرقي سوريا، حيث المكوّن الكردي، ما يقرّبها من تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية التي تطمح إليها منذ عقود: الطاقة، والمياه، والتربة، والجغرافيا، والأجواء الواسعة، على مقربة من الحدود التركية.
بقدر ما تقلق تركيا من المخطط الإسرائيلي الهادف إلى الاقتراب من حدودها الجنوبية، حيث دجلة والفرات والثروات الطبيعية ومجاورة شمالي العراق، تقلق إسرائيل من احتمال اقتراب تركيا من حدودها الشمالية، والتي قد تتحوّل إلى ورقة ضغط على إسرائيل للالتزام بإعادة الأراضي السورية المحتلة في الجولان، وتسحب من يدها محاولة التلاعب بالورقة الدرزية والكردية والعلوية في سوريا.
تقول إسرائيل إنها تدافع عن مصالحها ومصالح حليفها الأميركي في الشرق الأوسط، وأن من حقها أن تكون شريكة في تقاسم “الكعكة” بعد إخراج إيران من سوريا.
لكن التحوّلات الأخيرة بعد منتصف كانون الأول المنصرم، خصوصًا “صدمة” التفاهمات بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، تدفعها إلى تبديل قواعد وأسس “الكتاب الأحمر” في شقّه السوري، مع الاحتفاظ بحق أن تبقى “ترمانتور” واشنطن في الإقليم.
إضعاف الموقف التركي في سوريا لن يقوّي الموقف العربي أو الأوروبي هناك، بل سيزيد من الغطرسة الإسرائيلية التي توفّر لها واشنطن الحصانة والحماية.
لن يتخلى وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن تصريحاته التهديدية: “الغارات الجوية رسالة واضحة وتحذير للمستقبل، لن نسمح بالمساس بأمن دولة إسرائيل، والحكومة السورية ستدفع ثمنًا باهظًا إذا سمحت لقوات معادية لإسرائيل بالدخول إلى سوريا”.
ولن يتوقف فيدان عن تحذير تل أبيب بأنها ستتحمّل أعباء ما تصنعه في المنطقة. كذلك، لن يُجدي كثيرًا رمي الكرة في الملعبين التركي والإسرائيلي وتحميلهما وحدهما مسؤولية التوتر في سوريا.
المطلوب هو المزيد من الضغوطات العربية على إسرائيل إقليميًا ودوليًا عبر الحلفاء والشركاء.
فالذي سيساعد على إخراج سوريا من أزماتها واتّضاح الرؤية، هو تحوّل في مواقف العواصم العربية في مواجهة تل أبيب وممارساتها في المنطقة.