ضغوط ترمب تحرك مؤشرات التقارب بين الهند والصين

أدت الضغوط التي ترافقت مع قرار الإدارة الأميركية برفع التعريفات الجمركية على عشرات الدول، قبل أن تُعلقها، إلى بروز إشارات متبادلة للتقارب بين الهند والصين، على الرغم من التوترات الحدودية بين البلدين التي تطل برأسها بين فينة وأخرى.
ورغم حث خبراء هنود، حكومتهم للرد على رفع الولايات المتحدة تعريفاتها على البضائع الهندية، إلا أن آخرين أيدوا الإبقاء على سياسة عدم الرد؛ لا بل ذهبوا إلى حد اعتبار الرفع الكبير للرسوم الأميركية على سلع الصين، ودول آسيوية أخرى، فرصة للهند لكي تنافس، لا سيما، البضائع الصينية، نظراً لانخفاض نسبة الرسوم المفروضة على البضائع الهندية، والبالغة 26%، مقارنة بالنِسَب المفروضة على دول مُصدِّرة في آسيا.
,وصلت التعريفات الجمركية على الصين إلى مستوى قياسي، بلغت 145%، فيما بلغت 46% على فيتنام، وعلى كمبوديا 49% .
وكانت الأسواق العالمية شهدت اضطرابات كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية، بسبب إعلانات الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض رسوم جمركية جديدة تستهدف معظم دول العالم تقريباً، ابتداءً من التاسع من أبريل، قبل أن يُعلن تعلّيقها في اليوم التالي، لمدة 90 يوماً أخرى، ما انعكس انتعاشاً مباشراً في الأسواق العالمية، أبرز التأثير العميق لرفع هذه التعريفات على أسواق العالم واقتصادات دوله.
تخفيض توقعات النمو لاقتصاد الهند
وعلى الرغم من تعليق الإدارة الأميركية بدء سريان التعريفات الجديدة، إلا أن تأثير هذه التعريفات كان شديداً لدرجة أنه في يوم تطبيقها، دعا محافظ البنك المركزي الهندي (RBI) سنجاي مالهوترا إلى مؤتمر صحافي أعلن فيه عن تدابير عدة للتخفيف من الآثار السلبية لهذا القرار.
كما خفّض مالهوترا توقعاته للنمو لهذا العام من 6.7% إلى 6.5%، وقال إن الناتج المحلي الإجمالي للهند سينمو بنسبة 6.5% العام المقبل أيضاً، كما دأبت الحكومة الهندية على طمأنة قطاع الصناعات ومجتمعات الأعمال بأنه لا داعٍ للقلق، وأنها تعمل جاهدةً لإيجاد الحلول.
ما هي القطاعات التي ستتأثر بشدة؟
لا تُعتبر تداعيات الرسوم الجمركية على الهند بنفس شدة تداعياتها على الصين، ولكن وفقاً للتحليلات الحالية، تُمثل هذه الرسوم، في حال تطبيقها، ضربة قوية لقطاع التصدير، إذ يتوقع رانجان سوديش راتنا، خبير التجارة الخارجية، في حديث لـ”الشرق”، أن “ترتفع التكاليف على المُصدّرين الهنود بأكثر من 26%”.
ولفت سوديش راتنا إلى أن المشكلة تكمن في أن هذه الشريحة “لا تحقق هامش ربح يتراوح بين 30 و35%، بل يعملون بهامش ربح منخفض للغاية. لذا، إذا ارتفعت الأسعار، سينخفض الطلب على السلع الهندية في الولايات المتحدة، وهذا ينعكس بالفعل على الأسواق”.
يُذكر أن الهند صدّرت بضائع بقيمة 89.91 مليار دولار إلى الولايات المتحدة، العام الماضي، ومن بين القطاعات التي يتوقع أن تتأثر في حال عودة تطبيق الرسوم، المجوهرات والمأكولات البحرية والمركبات وقطع غيار السيارات، التي فُرضت عليها رسوم جمركية منفصلة بنسبة 25%.
ورأى الخبير الاقتصادي الهندي أمير الله خان، في حديثه لـ”الشرق”، أن “انخفاض قيمة الصادرات يعني انخفاضاً في قيمة الدولار الأميركي، ما سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الهندية، ما سيؤثر سلباً على معظم قطاعات الأعمال الهندية”، متوقعاً في حال إعادة تفعيل التعريفات الجمركية بنسبها المُعلنة السابقة على بلاده، أن “يُلحق ارتفاع قيمة الدولار الأميركي ضرراً أكبر بالنمو الاقتصادي البطيء في الهند”.
دعوات في الهند للاعتراض
واعتبر الخبير الاقتصادي الهندي أمير الله خان أن عدم اتخاذ نيودلهي أي إجراء أو اتخاذ أي تدابير مضادة رداً على رفع الولايات المتحدة تعريفاتها الجمركية، يُرسل إشارة خاطئة، ويعني أن نيودلهي تخشى الولايات المتحدة، متوقعاً أن يُسبب ذلك ضرراً بصورة الهند عالمياً.
وكانت العديد من الدول، مثل الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، ردّت بحزم على رسوم ترمب الجمركية، وفرضت رسوماً مضادة على السلع الأميركية، فيما اتخذت الهند موقفاً أكثر تحفظاً وتعمل على إبرام اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة، للتخفيف من سقف الرسوم التي سبق وأن أعلنتها واشنطن.
بدوره، توقع سوديش راتنا ألّا تردّ نيودلهي على تعريفات ترمب؛ لأنها تؤمن بالأعمال التجارية القائمة على القواعد؛ لأن العديد من صانعي السياسات والقطاعات في نيودلهي يرون في هذا فرصة؛ لأنهم يعتقدون أن الرسوم الجمركية المفروضة على الهند أقل بكثير من الدول المنافسة الأخرى، لذا يمكن أن تكون هذه فرصة جيدة أيضاً.
كما أن الهند تتفاوض على اتفاقية تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة، ويرغب كلا البلدين في تسريع هذه العملية، وبهذه الطريقة تلتزم الهند الصمت، وتتجنب أي ضرر إضافي في هذه المرحلة.
وفي هذا السياق، قال الكاتب في الشؤون الخارجية في الهند، براكاش بهانداري لـ”الشرق”، إن الهند تُجري محادثات مع السلطات الأميركية بشأن اتفاقية تجارية، لذا فإن أي خطوة سلبية في الوقت الحالي قد تكون لها نتائج عكسية، ويجب قبول الحقائق الجديدة والمضي قدماً، وهذا ما تسعى نيودلهي إلى تحقيقه”.
وزير الخارجية الهندي، إس جاي شانكار، أكد بعد لقائه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الأسبوع الماضي، أن الهند اتفقت على أهمية الإبرام المبكر لاتفاقية التجارة الثنائية.
فرصة هندية لمنافسة الصين
وفي أعقاب قرار ترمب بتعليق الرسوم الجمركية، كشف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أنه سيتحدث مع مسؤولين من فيتنام واليابان والهند وكوريا الجنوبية خلال الأيام المقبلة.
وقال: “نتوقع من الدول تقديم أفضل عرض ممكن”، في إشارة إلى الصفقات التجارية المقبلة بين الولايات المتحدة وهذه الدول.
وقال رانجان راتنا إن “الرسوم الجمركية نسبية، وإذا كنت تتنافس مع منتجات دول أخرى، مثل الصين في هذه الحالة، فإن هذه الرسوم الجمركية المنخفضة قد تكون فرصة للهند، وبالتالي فإن نيودلهي تسير على طريق الانتظار والترقب”، مستبعداً في نفسه أن يحدث ذلك بين عشية وضحاها، بل يستغرق وقتاً، ولن يتحول المستوردون بهذه السرعة، ففرصة الاستبدال هي لعبة طويلة الأمد.
هل تتقارب الهند والصين؟
وتواجه الدولتان الآسيويتان الكبيرتان، الهند والصين، بعض الخلافات الحدودية والتوترات، ولكن مع ذلك، ظلّت علاقاتهما التجارية سليمة ومن دون ضجة تُذكر على مدى السنوات القليلة الماضية.
وتتزايد الدعوات حالياً للتكاتف لمواجهة الرسوم الجمركية الأميركية، ومنها دعوة السفارة الصينية في نيودلهي الهند والصين، الثلاثاء الماضي، إلى الوقوف معاً للتغلب على الصعوبات.
وكتبت يو جينج، المتحدثة باسم السفارة الصينية بنيودلهي، في منشور على منصة “إكس”: “تقوم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والهند على المنفعة المتبادلة. وفي مواجهة إساءة الولايات المتحدة استخدام الرسوم الجمركية، التي تحرم الدول، وخاصة في جنوب العالم، من حقها في التنمية، ينبغي على أكبر الدول النامية (في المنطقة) الوقوف معاً”.
ولم ترد الهند على هذا البيان فوراً، لكن وزير الشؤون الخارجية الهندي إس. جايشانكار، كان قد صرّح سابقاً بأن العلاقات بين البلدين آخذة في التحسن.
وفي مقابلة أجريت معه مؤخراً، تحدث رئيس الوزراء ناريندرا مودي بإيجابية عن علاقة الهند بالصين، غريمتها اللدود، مؤكداً أن الأوضاع عادت إلى طبيعتها على الحدود الهندية الصينية المتنازع عليها بين البلدين، داعياً إلى “تعزيز العلاقات بينهما”، وهو تصريح ملفت، فيما أعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج عن تقديرها لمودي، وقالت إن “البلدين يجب أن يكونا شريكين يساهمان في نجاح بعضهما البعض”.
تفاؤل بتقارب هندي صيني
وهناك تفاؤل بشأن هذا الاحتمال أيضاً، إذ يُشدد رانجان راتنا على “وجوب أن يحدث ذلك؛ لأنه الوقت المناسب لحماية مصالح المنطقة”، لافتاً إلى أنه في ظل التطورات الحاصلة حالياً، فإن “القرار سيكون سياسياً؛ فالهند الآن أكثر ميلاً نحو الولايات المتحدة، لكنني أشعر أن هذا هو الوقت المناسب لنوع من التعاون، ونهج الصين في التواصل مع الدول الأخرى خطوة جيدة جداً؛ لأن ترمب فكك جميع قواعد التجارة العالمية وخرق جميع الاتفاقيات”.
وتعتبر الهند والصين أكبر دولتين في آسيا، ويمكن للتطورات الإيجابية الأخيرة في العلاقات أن تُقرّب هاتين الدولتين من بعضهما البعض لمواجهة الضغوط الاقتصادية الأميركية.
هل يُفسد رفع الرسوم العلاقات بين نيودلهي وواشنطن؟
وسبق وأن اتهم الرئيس الأميركية ترمب، الهند مراراً وتكراراً، بإساءة استخدام الرسوم الجمركية بشكل كبير، لكنه أعلن حينها عن رسوم جمركية مخفّضة على الهند، بنسبة 26% فقط في تخفيض اعتبره المراقبون في نيودلهي على أنه يعني تجنب للتصعيد العلني مع الهند.
محمد أفضل السفير الهندي السابق قال لـ”الشرق”، إن “الهند تواجه حالياً تحديات ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل أيضاً على الصعيد الجيوسياسي، لكن لا توجد رغبة في نيودلهي في الرد على التصريحات الصادرة من الولايات المتحدة علناً”.
وأضاف أفضل: “التصريحات الصادرة عن الولايات المتحدة بشأن الهند، تشير إلى أن العلاقات لم تعد طبيعية، متوقعاً أن تلتزم حكومة مودي، الصمت بدلاً من التصريح بأي شيء علانية”، منبهاً إلى أن “الآثار واضحة جداً، ولكن هناك جهود للسيطرة على الأضرار أيضاً”.
ووفقاً للكاتب براكاش بهاندارين، فإن “الولايات المتحدة الأميركية في حالة من الحزم، إذ تسعى الهند إلى تهيئة مناخ ملائم للتوصل إلى صيغة تسوية”، معتبراً أن “هذا هو الطريق للمضي قدماً”.
مع ذلك، أعرب الدبلوماسيون وخبراء السياسة الخارجية عن تفاؤلهم وحذرهم في آن واحد، مؤكدين أنه لا ينبغي الاستهانة بمتانة العلاقات بين البلدين، على الرغم من أسلوب القيادة المتقلب الذي يتسم به الرئيس ترمب.