واشنطن تعيد رسم خريطة نفوذها في سوريا.. خبراء يكشفون عن تفاهمات “جديدة” ودور دمشق بها

مع الإعلان عن نية الولايات المتحدة خفض وجودها العسكري في سوريا بنسبة تصل إلى 50% خلال الأشهر القادمة، يعود الحديث مجددًا عن مستقبل شرق الفرات، وعن القوى التي ستملأ الفراغ، في مشهد تتداخل فيه حسابات إقليمية ودولية معقدة.
وأفاد مسؤولون أمريكيون، في تصريحات لوسائل إعلام دولية، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قررت تقليص عدد القوات الموجودة في سوريا من 2000 إلى نحو 1000 جندي، مع بدء تنفيذ الخطوة خلال شهرين.
خطر داعش
ويحذر عدد من الخبراء الأمريكيين من عودة خطر تنظيم داعش، كما قالت الحكومة العراقية مؤخراً إنها تراقب عودة نشاط ملحوظ للتنظيم قرب الحدود السورية العراقية، وحذرت صحيفة “واشنطن بوست” من أن الانسحاب قد يُعتبر “خيانة” للحلفاء المحليين، مما قد يؤدي إلى فراغ أمني تستغله الجماعات المتطرفة مثل “داعش” لإعادة تنظيم صفوفها.
ويرى الدكتور عبد الله الأسعد، الخبير العسكري والاستراتيجي، في حديث لوكالة “ستيب الإخبارية” أن عودة تنظيم “داعش” لملء الفراغ تبدو مستبعدة في ظل التفاهمات الجديدة بين الأمريكيين والإدارة السورية الجديدة. ويقول: “القوات الأمريكية وُجدت في الأساس لمقاتلة ‘داعش’، والآن بعد أن تلاشت، فإن قوات ‘قسد’ بصدد الاندماج مع الدولة السورية، ولم يعد هناك مبرر لبقاء تلك القوات، لا سيّما أن واشنطن واثقة بأن من سيسد الفراغ هي الدولة الجديدة، تحت رعاية دول قدّمت لها ضمانات.”
ويضيف: “الانسحاب الأمريكي سيكون بمثابة رفع الغطاء عن قوات ‘قسد’، التي يبدو أن مهمتها قد انتهت. وقد بدأت القوات الأمريكية بالفعل بالانسحاب من شرق سوريا، حيث انسحبت من حقل كونيكو وتوجهت إلى العراق.”
قلق الحلفاء وإعادة التموضع
بحسب الباحث في العلاقات الدولية مصطفى النعيمي، فإن الانسحاب الأمريكي لا يعني انتهاء الدور الأمريكي: “حتى وإن انسحبت الولايات المتحدة من سوريا، فهي لا تزال موجودة تحت مظلة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة. وهي تبحث عن شركاء جدد بدلاً من ‘قسد’، التي لم تتعاون معها في مشروعها لمحاربة إيران.”
ويتابع: “مارست الولايات المتحدة ضغوطًا على ‘قسد’ للانخراط ضمن الدولة السورية الجديدة. وهي تسعى لإعادة الاستقرار إلى المنطقة، تتبعها خطوات تدريجية وصولاً إلى تفاهمات حول التموضع الأمريكي والتحالف الدولي.”
نهاية مشروع “قسد”؟
أعرب دبلوماسيون أمريكيون، مثل ويليام روبوك، عن قلقهم من أن الانسحاب قد يُضعف الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، خاصة الأكراد الذين كانوا شركاء رئيسيين في مكافحة “داعش”.
ويتفق النعيمي مع رؤية الأسعد في أن مشروع “قسد” يقترب من نهايته، إذ يرى أن: “الانسحاب الأمريكي سيرسم ملامح ما بعد ‘قسد’. واندماجها ضمن القوات المسلحة السورية سيكون قريبًا، ولكن وفق شروط دمشق، وليس وفق رغبة ‘قسد’.”
وكانت أشارت تقارير إلى أن الانسحاب قد يُشجع تركيا على تنفيذ عمليات عسكرية في شمال سوريا، مما يزيد من التوترات مع الأكراد ويُعقد الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
لكن الأسعد والنعيمي يجمعان على أن تركيا لن تسعى إلى ملء الفراغ الأمريكي عبر اجتياحات جديدة. يقول الدكتور الأسعد: “تركيا سيكون لها دور بارز، لكن من غير المرجّح أن يصل إلى حدّ ملء فراغ القوات الأمريكية.”
أما النعيمي فيرى أن: “مع وجود دولة سورية قوية، لن يكون هناك توغل بري تركي. وإنما ستكون هناك تفاهمات بين حكومتي دمشق وأنقرة لضبط الحدود وتذليل الصعوبات.”
إسرائيل خارج الحسابات؟
يتفق الخبيران على أن إسرائيل تحاول عرقلة الانسحاب الأمريكي، لكن دون جدوى. يقول الأسعد: “إسرائيل لن تنجح في عرقلة الانسحاب الأمريكي من سوريا، إذ إن لواشنطن مشروعها الخاص في الشرق الأوسط.”
ويضيف النعيمي: “الذراع العسكرية الإسرائيلية لم تعد مجدية، والخلاف بين واشنطن وتل أبيب بات واضحًا. الولايات المتحدة تسعى إلى سوريا مستقرة، بينما تسعى تل أبيب إلى عرقلة هذا الاستقرار.”
تفاهمات جديدة؟
يرى النعيمي أن الانسحاب الأمريكي مرتبط بتفاهمات أمريكية سورية، وليس مجرد خطوة عسكرية: “الوجود الأمريكي لم يعد ذا قيمة كبيرة لصانع القرار في واشنطن. والتفاهم مع الحكومة السورية هو ما تسعى إليه الولايات المتحدة اليوم.”
ويختم: “الانسحاب الأمريكي سيكون ورقة جديدة لصناعة الاستقرار في سوريا، من خلال بناء علاقات متوازنة، وإنهاء الصورة النمطية التي ارتبطت بالنظام السوري سابقًا.”
في ضوء المعطيات الجديدة، يبدو أن قرار الانسحاب الأمريكي يحمل في طياته بداية مرحلة جديدة في المشهد السوري، قد تتسم بالاستقرار والتفاهمات، بدلًا من التصعيد والفوضى. غير أن طبيعة التحولات المقبلة، ووتيرتها، ستبقى رهينة بقدرة الأطراف السورية والإقليمية على ملء الفراغ بعقلانية سياسية، لا باستعراض القوة.
إعداد: جهاد عبد الله
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية