إرهابيون حتى يثبت العكس! –

غزوان قرنفل
من عجائب هذا الزمان أن يبقى الأحرار الذين اقتيدوا أو أحيلوا الى محكمة “الإرهاب”، زمن النظام المدحور، معلقين على صليب انتظار قرار لجنة قضائية قرر وزير العدل تشكيلها، لتقوم بمراجعة مختلف الملفات القضائية والتدقيق فيها للتثبت من مدى مخالفتها للمعايير القانونية عند الفصل في تلك الدعاوى، وعما إذا كانت تستخدم لقمع الحريات الأساسية للناس.
فقد أصدر وزير العدل مؤخرًا قرارًا يقضي بتشكيل “لجنة قضائية متخصصة لدراسة الأحكام القضائية والإجراءات الصادرة عن محكمة قضايا الإرهاب والمحاكم الاستثنائية الأخرى، وتهدف هذه الخطوة إلى تقييم مدى مشروعية الأحكام ومواءمتها مع الضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حقوق جميع المواطنين، وستتولى اللجنة إعداد تقارير دقيقة تشمل تحليلًا قانونيًا لكل حالة، ورفع تقارير دورية إلى مجلس القضاء الأعلى شهريًا، مرفقة بمقترحات لإلغاء الأحكام التي تثبت مخالفتها للمعايير القانونية واستخدامها لقمع الحقوق والحريات الأساسية”.
وبخلاف ما يراه زملاء آخرون نكن لهم كل احترام، من أن القرار يشكل خطوة بالاتجاه الصحيح، وأنه لا بد من إجراء تلك المراجعات قبل إلغاء الأحكام وفق الأصول القانونية، رغم إقرارهم فيما يكتبون أو يصرحون بأنها محكمة استثنائية تم تشكيلها خلافًا للقانون، لأنها لا تراعي شروط المحاكمات العادلة، وأنها واحدة من الأدوات التي وظفها النظام للنيل من المناهضين له ومعارضيه، ومع ذلك لا بد، وفق رأيهم، من مراجعة أحكامها ضد المعارضين للتثبت من مخالفتها للمعايير القانونية وفق قرار الوزير قبل أن يتم إلغاء تلك الأحكام.
عجبًا، إذا كان هؤلاء الزملاء وغيرهم كثير من الحقوقيين ورجال القانون يقرون بعدم مشروعية المحكمة، ويطعنون في نزاهتها واستقلالها، وفي أنها لا توفر محاكمات عادلة، وأنها مجرد أداة للبطش بالمعارضين، ومع ذلك يعتبرون أن قرار الوزير خطوة بالاتجاه الصحيح.
ثم ألم تنص المادة “48” من الإعلان الدستوري الناظم لعمل السلطة خلال هذه المرحلة الانتقالية على “إلغاء مفاعيل الأحكام الجائرة الصادرة عن محكمة الإرهاب التي استخدمت لقمع الشعب السوري، بما في ذلك رد الممتلكات المصادرة”؟ فهل بعد النص الدستوري من حاجة لإعادة تدقيق تلك الأحكام من لجنة قضائية ستصل في المؤدى لنفس النتيجة، ولكن بعد سنوات طوال باعتبار أن عدد ملفات تلك المحكمة يتجاوز مئة ألف ملف وحكم.
إذا كان النص الدستوري قرر “إلغاء مفاعيل الأحكام الجائرة الصادرة عن محكمة الإرهاب”، فهذا يعني سقوط تلك الأحكام واعتبارها معدومة بالضرورة، ولا يجوز لأي جهة أو لجنة أو محكمة مراجعتها أو إعادة النظر فيها مجددًا لأنها هي والعدم سواء. والأمر لا يستلزم إلا قرارًا أو تعميمًا من الوزير إلى جميع الجهات الرسمية ذات الصلة بإلغاء أي تعميم أمني أو إجراء تحفظي اتخذ بناء على تلك الأحكام، ورفعها من السجلات الرسمية والصحائف العقارية والممتلكات الخاصة بالمحكومين أو الملاحقين، ودون أن يرتب ذلك عليهم أي التزامات أو أداءات مالية لترقينها.
المؤسف أنه في يوم السقوط فتحت أبواب الزنازين على مصراعيها دون رقيب ولا حسيب، فخرج منها معتقلون ومضطهدون ممن ناهضوا النظام وعارضوه، وخرج أيضًا كثير من اللصوص والقتلة والمجرمين والمروجين للمخدرات والخاطفين والمغتصبين، وبينهم من صدرت أحكام جنائية قطعية بحقهم، ومع ذلك لم نرَ أن السلطة الجديدة راجعت ملفاتهم أو حاولت إعادة المحكومين على الأقل إلى السجون.
والمؤسف والأكثر إيلامًا أيضًا أن نرى مرتكبي الجرائم الكبرى ومتزعمي ميليشيات “الدفاع الوطني” وكبار ممولي عمليات قتلنا واستباحة حياتنا، يتجولون بكل صلف ووقاحة بيننا غير عابئين بشيء، لأنهم يدركون أن تلك السلطة، لسبب ما لم نفهمه إلا باعتبارها سلطة، لا تريد محاسبة أحد من المجرمين والقتلة والمأجورين، وعلى المتضررين أن يلوذوا بالصمت والقهر أو فلينطحوا رؤوسهم بأقرب صخرة يجدونها علّ ذلك يخفف ألمهم وخيبتهم.
بينما نرى نفس السلطة تريد إعادة التدقيق في أحكام محكمة “الإرهاب” التي لم يُحل إليها سوى خصوم النظام السابق ومعارضيه، للتثبت من مخالفتها للمعايير القانونية، قبل أن تقوم بإلغائها!
الحكومة التي لا تتبع الأصول القانونية في التفتيش والاعتقال والتحقيق، وتقتحم البيوت بلا إذن قضائي، وتعتقل دون أمر قضائي وتمارس العنف والتعذيب كوسيلة من وسائل التحقيق، هي نفس الحكومة التي تنكر العدالة عندما يمتنع رؤساء أقسام شرطة ومحامون عامون عن قبول شكاوى مواطنين على أشخاص من منظومة الإجرام السابقة، دون تفسير مفهوم لهذا الرفض، وهي نفس الحكومة التي صمتت على منع محاميات من مرافقة موكليهم من الذكور إلى بعض الدوائر الرسمية لأنها ارتأت تطبيق مفهوم الفصل بين الجنسين، وهي نفس الحكومة التي تنتهك الإعلان الدستوري الذي ألغى مفاعيل الأحكام الصادرة عن محكمة “الإرهاب”، وتريد الآن التدقيق في ملفات المحكومين من تلك المحكمة قبل أن ترفع الحيف عنهم، فنحن، إرهابيون إلى أن تثبت لجنة وزير العدل خلاف ذلك، وربما لا تثبت!
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي