اخر الاخبار

الشرع وقمة بغداد.. العرب “يختبرون” العراق وخياران أمام السوداني لحل القضية

بعد إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن توجيه دعوة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية المزمع عقدها في بغداد في 17 من أيار المقبل، أثير جدل واسع داخل البلاد، حيث قوبل ذلك بترحيب من جهة ورفض شديد من جهة أخرى، ما جعله محور حديث الشارع السياسي في العراق، لا سيما أن ميليشيات عراقية ذهبت أبعد من ذلك لتصل إلى “تهديد” الرئيس السوري في حال الحضور، بينما رهن زعماء عرب حضورهم بالملف السوري، فهل يفعلها الشرع ويحضر أم تعتذر بغداد عن القمة لإرضاء أطراف داخلية متصارعة؟

 

تباين الموقف العراقي بشأن الشرع

قبل أيام، كشفت وسائل إعلام عربية عن لقاء جمع بين السوداني والشرع في العاصمة القطرية الدوحة، برعاية وحضور أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. وجرى خلال اللقاء مناقشة ملفات الأمن، والحدود، والتعاون الاقتصادي، مع التأكيد على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين.

 

السوداني من جهته دافع عن دعوته للشرع قائلاً: “وُجهت له دعوة رسمية وهو مرحب به للحضور والمشاركة في القمة العربية”، مشددًا على أن العراق يسعى إلى سياسة توازن تهدف إلى تقديم المصلحة الوطنية بعيدًا عن المحاور والصراعات.

 

ورغم التوضيحات الحكومية، فإن نوابًا في البرلمان العراقي شرعوا بجمع تواقيع للمطالبة بعدم السماح للشرع بالمشاركة في القمة، مستندين إلى ماضيه، حين كان متورطًا بحسب مزاعمهم في عمليات داخل العراق.

 

مصدر حكومي علّق على هذه الدعوة قائلاً لوسائل إعلام: إن “السوداني يسعى من خلالها إلى توسيع الحوار العربي وإشراك سوريا في ملفات إقليمية ملحّة مثل أمن الحدود واللاجئين والطاقة”.

 

في المقابل، ذكر مصدر مقرب من “الإطار التنسيقي” لوسائل إعلام عراقية، أن بعض الدول الخليجية، مثل قطر والسعودية، اشترطت حضور الشرع كضمانة لحضورها القمة، ما يعكس أهمية الدعوة سياسيًا ودبلوماسيًا.

 

مواقف الفصائل المسلحة

بعض الفصائل المسلحة، وعلى رأسها حركة “النجباء” المدعومة من إيران، أبدت اعتراضًا حادًا على دعوة الشرع. وقال القيادي في الحركة، مهدي الكعبي: “السلطة في سوريا غير معترف بها دوليًا، ولا يجوز التطبيع معها”، متسائلًا عن دوافع هذا التوجه، وملمحًا إلى تدخلات خارجية في هذا القرار.

 

وأضاف: “على العراق أن يصون دماء شهدائه، لا أن يُكرّم من تورط في سفكها”، مؤكدًا أن بعض الفصائل تعتبر أن الحكومة السورية لا تزال جزءًا من منظومة متطرفة شاركت في تدمير العراق، حسب وصفه.

 

وهناك تقارير تشير إلى أن فصائل عراقية موالية لإيران أطلقت تهديدات مباشرة ضد الرئيس السوري أحمد الشرع في حال حضوره القمة العربية المزمع عقدها في بغداد. تضمنت هذه التهديدات تصريحات علنية من شخصيات إعلامية وسياسية مقربة من تلك الفصائل، حيث تم التلويح بإمكانية استهداف الشرع أو منعه من مغادرة العراق إذا حضر القمة.

 

علاوة على ذلك، أفادت تقارير صحفية عن اجتماع سري عُقد في مدينة النجف العراقية، شارك فيه قيادات من الحرس الثوري الإيراني وضباط من النظام السوري السابق، ناقش خطة لاغتيال الرئيس الشرع كجزء من تحرك إيراني لاستعادة السيطرة في سوريا بعد تراجع نفوذها.

 

الشرع أعاد كشف الانقسام في العراق

ويرى المحلل السياسي، أسامة البشير، في حديث لـ”وكالة ستيب الإخبارية” أن هناك فريقين في العراق، الأول “برئاسة السوداني، الذي يسعى إلى الانفتاح على دمشق وبناء علاقات متينة معها”.

ويقول: “دعوته للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة تأتي في إطار تعزيز مكانة العراق عربيًا وإقليميًا، كمحور أساسي قادر على لعب دور في حل القضايا والخلافات، وجمع الخصوم على طاولة واحدة. وهذه الخطوة تعكس رغبة الحكومة العراقية في استعادة دور العراق الإقليمي، الذي تراجع خلال سنوات بسبب الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي”.

 

أما الثاني “فيمثله عدد من الكتل السياسية والفصائل المسلحة التابعة لإيران”، ويضيف: “هذا الفريق يُعد أداة بيد طهران، ويرفض الانفتاح على دمشق وحكومتها ورئيسها، ليس فقط لأسباب سياسية كما يدّعون، بل أيضًا بدوافع طائفية”.

ويشير إلى أن الفريق الثاني مشحون طائفيًا، ومن الصعب إقناعهم أو تغيير تفكيرهم.

 

من جانبه، يرى الدكتور محمود المسافر، السياسي والدبلوماسي العراقي السابق، في حديث مع “ستيب الإخبارية” أن “من يثير هذا الجدل هم قادة الميليشيات ومن معهم في الإعلام، ممن ينتمون إلى ما يسمى بـ”الإطار التنسيقي” الذي شكّل الحكومة الحالية. وهذا الجدل، علاوة على أنه يحمل نفسًا طائفيًا، فإنه يعبر عن رفض أولئك المسيطرين على حكومة بغداد للتغيير الحاصل في سوريا، إذ يعتقدون أن هذا التغيير لا يصب في مصلحة بغداد، بينما قد يُبعث الأمل في حدوث تغيير في العراق، فضلًا عن أنه يؤدي إلى قطع تجارتهم بالمخدرات التي كانت تدرّ عليهم الملايين”.

 

من المستفيد من الخلاف السوريالعراقي؟

إن إثارة الجدل والنعرات الطائفية بين السوريين والعراقيين في قضية حضور الشرع قمة بغداد، تستفيد منها جهة واحدة، بحسب ما أجمع عليه الخبيران.

ويقول “البشير”: “الجهة الخارجية الوحيدة التي تغذي الخلافات هي إيران، التي تتخوف من أي تقارب عراقيسوريقطريسعودي، خشية أن يتحوّل إلى محور سياسي قد يضعف نفوذها داخل العراق”.

ويوافق “المسافر” ذات الرأي، مؤكدًا أن “العراق اليوم أرض خصبة لعمل جميع أجهزة الاستخبارات الدولية، لكن أكثر دولتين نفوذًا فيه هما إيران وأمريكا، وهناك تنافس بينهما على السيطرة على القرار السياسي والاقتصادي”، ويقول: “إيران هي المستفيد الأكبر من توتر العلاقات مع سوريا، لأنها خسرت كثيرًا نتيجة التغيرات الأخيرة”.

 

هل سيحضر الشرع قمة بغداد؟

لم يصدر أي قرار رسمي أو تسريبات تؤكد حضور الشرع للقمة العربية في بغداد، في أوج هذا الجدل الحاصل داخل العراق بشأنها، ولكن تقارير رجّحت حضوره.

 

يقول “البشير”: “الرئيس السوري أحمد الشرع وفق ما يُقال قد قبل الدعوة وسيحضر القمة. لكن هناك تخوفات حقيقية، إذ تشهد الساحة العراقية تجييشًا وتهديدات من قادة الفصائل وزعامات سياسية ضد حضوره”.

ويضيف: “في حال حضر الرئيس الشرع، فستُعتبر خطوة جريئة وتحديًا للفصائل الموالية لإيران، ونقطة تُحسب لصالحه، لكنها ستكون في الوقت ذاته عاصفة سياسية على رئيس الحكومة العراقية. أما إذا لم يحضر، فسيُعدّ ذلك سقوطًا لقرارات الحكومة العراقية، وعجزًا عن فرض إرادتها على الكتل والفصائل، مما سيؤدي إلى فقدان القمة لبريقها. ومن المرجّح أنه إذا غاب الرئيس الشرع، فقد يغيب أيضًا أمير قطر وولي العهد السعودي عن الحضور”.

 

ويؤكد أنه في حال حضر الرئيس أحمد الشرع متحديًا الرافضين، فستُعدّ خطوة كبيرة نحو نجاح القمة، ونجاح لحكومة العراق. فاليوم، سوريا في قلب الحوار العربي، وتتصدّر المشهد الإعلامي والسياسي إقليميًا ودوليًا.

وبدوره، يقول “المسافر”: “قرار حضور الشرع من عدمه هو قرار سيادي، لكني أعتقد أنه لن يأبه بالتهديدات والتحذيرات التي صدرت، بينما ستُلام الحكومة العراقية بعد القمة على هذه السابقة في العلاقات الدولية، من خلال تهديد ميليشيات محلية لرئيس دولة ضيف في البلاد، لو حضر”.

أما بحسب الأعراف الدبلوماسية، فيوضح الدبلوماسي العراقي السابق أن العراق ليس مخيّرًا في دعوة الشرع أو عدم دعوته، فوفق اتفاق الجامعة العربية والأعراف، يجب أن تصله الدعوة، ويجب على العراق أن يوفر له كل الضمانات اللازمة إذا قبل الحضور.

ويضيف: “إذا أرادوا التهرب بسبب خلافات داخلية بشأن القضية، فالحل الوحيد هو الاعتذار عن تنظيم القمة بالكامل وتسليمها لدولة عربية أخرى”.

 

اختبار وفرصة للحكومة العراقية

وبات حضور الشرع أو عدمه بمثابة اختبار جدي للحكومة العراقية في مواجهة تمدد الميليشيات في البلاد، فحضوره أصبح، بحسب الخبراء، يعطي دفعة قوية للحكومة كصاحبة القرار السياسي.

ويقول “البشير”: “إنها اختبار حقيقي للعراق ولحكومته، ونجاح القمة مرهون بمن سيحضرها”. مشيرًا إلى أن السوداني يسعى بكل طاقته لإنجاح هذه القمة التي تُعد اختبارًا لحكومته.

ويضيف: “لا يمكن للعراق أن يبقى خارج الإطار العربي، ولهذا كان للعرب دور في تشجيع توجيه الدعوة للرئيس الشرع، وفي السعي لحل الخلافات بين سوريا والعراق”.

ويشدد على أن ضمان نجاحها يكمن في توفير حماية أمنية مشددة للرئيس السوري، تحسبًا لأي محاولة لعرقلة حضوره من قبل الفصائل العراقية أو الأذرع الإيرانية، سواء المعروفة أو الخفية.

 

ومن جانبه، يؤكد الدبلوماسي العراقي السابق “المسافر” أن كل الحكومات العراقية المتعاقبة كانت تبحث عن أي حدث لاستغلاله في الشأن الانتخابي، وأعتقد أن تنظيم هذه القمة ونجاحها سيعمل السوداني وداعموه على استثماره في أي انتخابات قادمة.

الشرع وقمة بغداد.. العرب “يختبرون” العراق وخياران أمام السوداني لحل القضية

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *