اخر الاخبار

اليسار الفرنسي غير مرحب في إسرائيل.. والتهمة “معارضة الحرب”

أثار قرار إسرائيل إلغاء تأشيرات دخول نواب يساريين فرنسيين ورؤساء بلديات، كانوا يعتزمون زيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية، غضباً واسعاً في الأوساط السياسية الفرنسية، وسط اتهامات لتل أبيب بالتمييز بسبب المواقف المناهضة لحرب غزة. وفيما تلتزم باريس الصمت، يُحمّل المعنيون ماكرون مسؤولية الرد.

ويأتي الموقف الإسرائيلي بعد أسبوعين من استقبال شخصيات سياسية فرنسية من اليمين واليمين المتطرف، يتقدمهم جوردان بارديلا، رئيس حزب “التجمع الوطني”، الداعم المُستجد لإسرائيل، ورئيس الوزراء الفرنسي السابق جابرييل أتال، المنتمي إلى تيار ماكرون.

ورغم أن اليمين المتطرف الفرنسي كان في الماضي من الداعمين لقيام دولة فلسطينية ومناهضاً للسياسات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، إلا أنه انقلب في السنوات الأخيرة بالكامل ليضع كامل تركيزه على قضايا الهجرة والمسلمين، وأصبح داعماً أساسياً لإسرائيل.

وفي المقابل برزت أحزاب اليسار الفرنسي كداعم رئيسي للفلسطينيين، ووهي تعارض الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خصوصاً حزب “فرنسا الأبية” الذي يقوده جون لوك ميلونشون، وأيضاً أحزاب “البيئة” و”الشيوعي”.

دعم ماكرون للدولة الفلسطينية

وألغت إسرائيل تأشيرات عدد من النواب والشخصيات الفرنسية لمنعهم من زيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن بين المستهدفين نواب عن حزبي “البيئة” و”الشيوعي”، وذلك قبل يومين من الموعد المقرر لهذه الزيارة.

واعتبر النائب أليكسي كوريير عن حركة “لابريه” (نائب سابق في فرنسا الأبية)، والذي سُحبت منه التأشيرات، أن هذه الخطوة سببها “الوضع المتوتر بين فرنسا وإسرائيل”، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية في يونيو المقبل.

وأبدت إسرائيل انزعاجها من إعلان ماكرون، وأبلغت فرنسا بأنها ضد هذا الإجراء.

ومن بين الشخصيات التي كانت ستشارك في هذه الزيارة قبل إلغائها، نوابٌ من الجمعية الوطنية (البرلمان)، مثل فرانسوا روفان، وجولي أوزين (عن حزب البيئة)، والنائبة الشيوعية سُميّة بوروحا (وهي من أصول جزائرية)، وعضو مجلس الشيوخ ماريان مارجات، إلى جانب رؤساء بلديات ونواب محليين من التيار اليساري، وهم من أحزاب تؤيد الاعتراف بدولة فلسطينية، وأبدت دعمها لمقترح ماكرون.

وأصدر النواب ومن معهم، من الذين أُلغيت تأشيراتهم، بياناً وصفوا فيه ما أقدمت عليه اسرائيل بـ”القطيعة الدبلوماسية الكُبرى”.

وطالبوا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتدخل، وسط توتر متصاعد بين باريس وتل أبيب على خلفية تصريحات ماكرون الأخيرة بشأن قرب اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية.

مطالبة بالتحرك الحكومة الفرنسية

وقال النائب أليكسي كوربيير، في تصريحات لـ”الشرق”، إن “على الرئيس ماكرون التحرك من أجل وضع حد للتصرفات الإسرائيلية”.

وأضاف أن وفداً من نواب وأعضاء مجلس شيوخ و بلديات منتخبين تم منعهم من السفر إلى إسرائيل. وتابع: “كنا ننوي السفر من باريس إلى إسرائيل، ومنها إلى الأراضي الفلسطينية، (وتحديداً) إلى الضفة الغربية، ومن ثم إلى غزة”.

وأوضح أن “هذا ما كنا نحاول القيام به، لأن هذا الوفد كان مكوناً من نواب فرنسيين، وأعضاء في مجلس الشيوخ، ورؤساء بلديات، ومنتخبين محليين”.

وتابع كوربيير: “كنا نتوقع أن نُستقبل في الضفة الغربية من قبل ناشطين فلسطينيين، وفي إسرائيل من قبل جمعيات مثل Standing Together، أو حتى نواب إسرائيليين، يرغبون في لقائنا”.

ووصف أعضاء من الوفد ينتمون إلى حزبي “البيئة” و”الشيوعي”، في مؤتمر صحافي، الخطوة الإسرائيلية بأنها “عقاب جماعي”، وطالبوا ماكرون بالتدخل، مشددين على رغبتهم في معرفة دوافع القرار المفاجئ.

ووصفوا ما جرى بأنه “قطيعة كبيرة في العلاقات الدبلوماسية”، وحذروا من أن منع مسؤولين منتخبين من السفر “لا يمكن أن يمر بلا عواقب”، واضعين الكرة في ملعب ماكرون، الذي دعوه مع الحكومة، إلى التحرك لضمان دخولهم إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، كما قالت النائبة سميّة بوروحا، التي أخذت على الحكومة الفرنسية صمتها المطبق منذ 5 أيام.

“إخفاء معاناة الشعب الفلسطيني”

وأشارت بوروحا، في تصريح لـ”الشرق”، إلى أنها كانت ضمن الوفد الذي كان من المفترض أن يتوجه إلى إسرائيل وفلسطين، واعتبرت القرار الإسرائيلي بسحب التأشيرات بأنه “مصدر استغراب كبير”.

واعتبرت بوروحا الخطوة بـ”السابقة في هذا السياق، خاصة بالنسبة للمنتخبين (النواب)”، وقالت إن ذلك “يُعد قطيعة دبلوماسية، بل وإهانة لفرنسا، لأنه، كما قيل، لقد مُنع ممثلو الشعب، ولا نفهم هذا القرار، لأننا كنا متجهين إلى هناك برسالة سلام وتضامن، ولمواصلة العمل على مشاريع قائمة تستحق الاستمرار”.

وأضافت بوروحا لـ”الشرق”: “ما نطالب به الآن هو تحرك حكومي”، مشيرة الى أن “كل ما قُدم لسحب التأشيرات ليس إلا مبررات واهية، ولا يوجد سبب حقيقي”.

أما النائب كوربيير فأعرب عن اعتقاده أن “الوضع متوتر بين فرنسا وإسرائيل، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس ماكرون (بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية)، وربما أيضاً لأننا نواب برلمانيون، ولنواب البرلمان صوت مسموع”.

واعتبر كوربيير أن السلطات الإسرائيلية تريد “إسكات هذا الصوت، ومنعنا من الشهادة على ما يحدث فعلياً، ومواصلة سياسة تهميش وإخفاء معاناة الشعب الفلسطيني، لا سيما وأنه كان من المقرر أن نلتقي بإسرائيليين أيضاً، ممن يؤمنون بالسلام، وهم كذلك كانوا ينتظروننا، لأن هدفنا من الرحلة كان لقاءهم والتعاون معهم”.

وذكر الوفد أن القنصلية الفرنسية في القدس كانت وجّهت لهم دعوة لزيارة تستمر خمسة أيام، بهدف “تعزيز التعاون الدولي وثقافة السلام”، في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، مؤكدين أن السلطات الإسرائيلية ألغت قبل يومين من بدء الزيارة التأشيرات التي كانت صدرت قبل شهر كامل.

وزعمت وزارة الداخلية الإسرائيلية أن القرار يستند إلى قانون يسمح بحظر دخول من “قد يعمل ضد إسرائيل”، وفق وصفها.

ريما حسن.. أبرز الأصوات المعارضة للحرب

وسبق لإسرائيل أن منعت دخول النائبة الفرنسية في الاتحاد الأوروبي ريما حسن، وهي من أصول فلسطينية، و تعتبر من الأصوات البارزة المنتقدة للحرب الإسرائيلية على غزة. 

وفي فبراير الماضي، توجهت ريما حسن، وهي من حزب “فرنسا الأبية” مع زميلتها في البرلمان الأوروبي لين بويلان إلى إسرائيل بهدف زيارة الضفة الغربية لإجراء لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين، ولكن تم منعها من الدخول، وتم ترحيلها.

وتواجه ريما حسن حملة من اليمين واليمين المتطرف في فرنسا، بسبب معارضتها لحرب غزة، ويتم اتهامها بشكل متكرر بـ”معادات السامية”، رغم أنه لم يتم إدانتها قط بهذه التهمة من قبل القضاء.

وتم استدعاء ريما حسن من قبل الشرطة الفرنسية للتحقيق معها في هذه الاتهامات، الأسبوع الماضي، ورغم أنها تمتلك حصانة برلمانية تؤهلها لرفض هذا الاستجواء، إلا أنها قررت الحضور، وتم استجوابها 11 ساعة كاملة.

وقالت حسن إنه رغم حصانتها النيابية إلا أنها قررت المثول أمام الشرطة لأنها “مع الحق، ومن هو مع الحق لا يخشى شيئاً”.

وأضافت أنها “لم ولن تصرح بأي كلام من شأنه إثارة النعرات أو ينم عن معاداة السامية، وإنما من أجل وقف حمام الدم المستمر في غزة والضفة الغربية، ودفاعاً عن المدنيين الفلسطينيين”.

اليمين الفرنسي مرحب به في إسرائيل

في المقابل، رحب السلطات الإسرائيلية بزيارة جوردان بارديلا، رئيس حزب “التجمع الوطني” الفرنسي، اليميني المتطرف، ورئيس الوزراء السابق جابرييل أتال، المنتمي إلى تيار ماكرون.

وزار بارديلا في 26 مارس الكيبوزات المحيطة بقطاع غزة، والتي شهدت هجوم “حماس” في 7 أكتوبر 2023، وقال إن “فرنسا وإسرائيل لديها نفس الخصوص”.

كما ذهب بارديلا أكثر من ذلك في تصريحاته بوصف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي سقط فيها أكثر من 51 ألف شخص أغلبهم أطفال ونساء، بـ”صراع الحضارة ضد البربرية”.

ورغم الدعم الكامل الذي أبداه بارديلا لإسرائيل في هذه الحرب، إلا أن العديد من الشخصيات اليهودية في فرنسا لا تزال متشككة من اليمين المتطرف الفرنسي، والذي سبق إدانة العديد من شخصياته سابقاً، على غرار جان ماري لوبان، بـ”معادة السامية”.

استبعاد القطيعة بين البلدين

من جانبه، استبعد الخبير في العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية إريك جوزلان، في تصريح لـ”الشرق”، تفاقم الأزمة بين البلدين في ضوء قضية منع المشرعين الفرنسيين من دخول إسرائيل، معتبراً أن الجميع مركز حالياً بما يجري بين الولايات المتحدة وإيران، ووفاة بابا الفاتيكان فرانسيس، وغيرها من الملفات الجيوسياسية.

كما استبعد تدهور العلاقات أو أي قطيعة، متوقعاً أقصى ما قد يصدر عن الجانب الفرنسي، بيان من الخارجية الفرنسية أو من الإليزيه لتخفيف حدة ما حصل.

ولكنه استبعد حصول ذلك في الوقت القريب، بسبب وجود ماكرون خارج فرنسا، فيما يُحضر وزير الخارجية جان نويل بارو لزيارة المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *