اخر الاخبار

اختيار بابا الفاتيكان تساؤلات وطقوس من الجنازة إلى الكونكلاف

بوفاة البابا فرنسيس (فرانشيسكو، أو خورخي ماريو بيرجوليو) في 21 أبريل 2025 عن عمر ناهز 88 عاماً، تكون الكنيسة الكاثوليكية الرومانية قد دخلت مرحلة جديدة من تاريخها، وفيما تقررت جنازته السبت 26 أبريل، يُتوقّع أن يكون الحدث تاريخياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ليس فقط من الناحية الرمزية، بل أيضاً من حيث التداعيات السياسية والكَنسية التي ستترتب على انتخاب خليفته.

وقد بدأت التساؤلات طرح نفسها بشأن بابا الفاتيكان الجديد، هل سيتم انتخاب شخصية تقدمية تواصل النهج المنفتح الذي اعتمده البابا فرانسيس؟ أم يُصار إلى اختيار شخصية محافظة، تتبنى الشعارات التقليدية التي تُركز على العقيدة والانضباط الديني بمركزية القرار الكاثوليكي لدى الفاتيكان؟ وهل سيتم اختيار مُرشح آخر من الجنوب؟ أم تتم العودة إلى النهج التقليدي باختيار مؤهل من القارة العجوز أوروبا؟.

جنازة بابا الفقراء

كان البابا فرنسيس الأول الذي يأتي من الرهبنة اليسوعية وأول بابا من أميركا الجنوبية في تاريخ الكنيسة، وبالتحديد من الأرجنتين. وقد كرّس نفسه كنموذج للتواضع، حتى في وداعه الأخير وفي موته.

وأوصى بجعل جثمانه في متناول المؤمنين داخل كاتدرائية القديس بطرس منذ 23 أبريل، لا ليُدفن فيها بجوار البابوات الآخرين، بل أن ينقل جثمانه إلى بازيليك سانتا ماريّا ماجّوري، في العاصمة الإيطالية روما، ليدفن هناك، حسب وصيته. فهو، في الواقع، أسقف روما، وسيُدفن بجوار أيقونة “خلاص شعب روما” – Salus Populi Romani للسيّدة مريَم العذراء التي أحبَّها، والتي كان يعود إليها قبل وبعد كل زيارة من زياراته.

ومن المتوقع أن يتوافد الآلاف من مختلف أنحاء العالم لوداعه، على أن يترأس الكاردينال جوفان باتّيستا رِيْ، عميد مجمع الكرادلة، القداس الجنائزي في الساعة العاشرة من صباح السبت (بتوقيت روما) في ساحة القديس بطرس، بحضور أكثر من 200 ألف شخص، وعدد كبير من رؤساء وحُكام العالم، من بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والبرازيلي لولا دا سيلفا والأسرة الملكية الإسبانية.

المجمع المغلق.. المواعيد والطقوس

تنص قوانين الفاتيكان الكنسية على أن يبدأ الكونكلاف (المجمع المغلق وهو الطريقة الرسمية والمعتمدة منذ القرن الـ12 لانتخاب بابا الكنيسة الكاثوليكية) ما بين اليوم الـ15 والـ20 بعد وفاة البابا. وبناءً عليه، سيُعقد المجمع لانتخاب البابا الجديد ما بين يومي 5 و10 مايو. وستسبقه جلسات تُعرف بـ”الاجتماعات العامة”، يشارك فيها جميع الكرادلة، بغض النظر عما إذا كان يحق لهم التصويت لانتخاب البابا الجديد أم لا، وذلك لمناقشة احتياجات الكنيسة، وصفات الحبر الأعظم المقبل.

وتُشكّل هذه الاجتماعات فضاءً للتأمل الروحي، لكن أيضاً تُعد مساحة للمداولات غير الرسمية والتحالفات، وتبادل التقديرات بين الكرادلة، قبل أن تُغلق أبواب كنيسة السيستينا، ويبدأ التصويت السري.

من ينتخب؟.. تركيبة مجمع الكرادلة

يتكوّن مجمع الكرادلة اليوم من 135 كاردينالاً يحق لهم الانتخاب، أي من تقل أعمارهم عن 80 عاماً، وينتمون إلى 71 بلداً. ومن اللافت أن 108 منهم قد تم تعيينهم من قبل البابا فرنسيس نفسه، مما قد يؤثر على مسار التصويت ويمنح استمرارية لنهجه.

ويتوزع الكرادلة وفق المناطق الجغرافية على النحو التالي: 

ويعكس هذا التوزيع التحوّل نحو كنيسة عالمية التمثيل، غير متمركزة في الغرب كما كان الحال لقرون مضت.

أبرز المرشحين

رغم أن الكونكلاف يظل محاطاً بالسرية، إلا أن بعض الأسماء صارت تتردد، حتى قبل وفاة فرانسيس، فقد تداولت الأوساط الفاتيكانية ووسائل الإعلام خلال فترة رقاد البابا الراحل في المستشفى أسماءً مرشحة لحمل صولجان بطرس، ومن أبرز هذه الأسماء:

  • الكاردينال بييترو بارولين (إيطاليا): أمين سر دولة الفاتيكان، ورجل دبلوماسي بارع، يحظى باحترام واسع ويُمثل خطاً معتدلاً ومستقراً. عمره 70 عاماً.
  • الكاردينال لويس أنطونيو تاجلي (الفلبين): رئيس مجمع تبشير الشعوب، وكان سابقاً رئيس أساقفة مانيلا. يُعتبر واجهة الكنيسة الآسيوية وتلميذاً فكرياً وروحياً للبابا فرنسيس. عمره 67 عاماً.
  • الكاردينال ماتيو تسوبي (إيطاليا): رئيس أساقفة مدينة بولونيا الإيطالية، ورئيس مجلس الأساقفة الإيطالي، معروف بانفتاحه الاجتماعي ودعمه للسلام والشباب، وعمره 69 عاماً.
  • الكاردينال جان مارك أفيلين (فرنسا): رئيس أساقفة مرسيليا، صوت قوي في قضايا الهجرة والحوار بين الأديان. عمره 65 عاماً، وهو من مواليد الجزائر.

هل سيكون البابا من إفريقيا أو آسيا؟

ورغم صعوبة أو عدم احتمالية حدوث ذلك، فإن أسئلة حوله صارت تُطرح، بالذات بعد تكرار حالات انتخاب البابا من خارج دائرة التأثير الإيطالي، بالذات بعد صعود يوحنا بولس الثاني (البولندي كارول فويتيلا)، وبينيديكتس الـ16 (الألماني جوزيف راتزينغر)، وفرانسيس نفسه (الأرجنتيني خورخي ماريو بيرجوليو)، وبالتالي يُطرح سؤال جدّي: هل حان الوقت لانتخاب بابا إفريقي أو آسيوي؟

تُعد إفريقيا اليوم من أكثر القارات نمواً على المستوى الكنسي، وهي ممثلة في الكونكلاف بـ 16 كاردينالاً ناخباً. ومن أبرز المرشحين: فريدولين أمبونجو (الكونغو)، وبيتر توركسون (غانا). وسيكون انتخاب أحدهما بمثابة اختراق تاريخي.

أما في آسيا، يظل الكاردينال تاجلي أبرز الأسماء، حيث يتمتع بشعبية عالمية، ويجسد صورة كنيسة منفتحة على الثقافات غير الأوروبية.

ورُغم أن كل شيء ممكن الحدوث، إلا أن تحقق هذه الأماني يبدو، بعيد المنال، على الأقل الآن، فالمنصب كبير و”الكُرسي الرسولي” هامٌ للغاية على الصعيد الديني والجيوسياسي والاقتصادي كي يتخلّى الغرب عنه، بالذات في هذا المنعطف التاريخي الذي يمر به العالم، والذي أسماه فرانسيس بـ”الحرب العالمية الثالثة على أجزاء” منها.

وكما كان انتخاب كارول فويتيلا إيذاناً بانهيار جدار برلين، الذي قسّم أوربا بين غرب رأسمالي، وشرق شيوعي، ونهاية الاتحاد السوفياتي الذي كان يقود هذا الشطر، فإن وفاة البابا فرانسيس تأتي في وقت يتصاعد نفوذ اليمين المحافظ على الصعيد العالمي.

مع ذلك، تُشير بعض التقديرات إلى توزع نسب نجاح المرشحين المتنافسين على هذا النحو:

  • لويس أنطونيو تاجلي (الفلبين): 30 – 35٪
  • بييترو بارولين (إيطاليا): 25 – 30٪
  • ماتيو تسوبي (إيطال): 15 – 20٪
  • جان-مارك أفيلين وآخرون: 10 – 15٪

وبما أن التصويت سري وتوافقي، فقد تظهر مفاجآت في منتصف الطريق.

العمر عامل حاسم

يُعير الكرادلة أهمية كبيرة لعمر البابا القادم، فبعد فرنسيس الذي انتُخب في الـ76 من عمره، هناك توجه نحو اختيار بابا أصغر سناً (بين 65 و70 عاماً) لضمان فترة قيادة طويلة ومستقرة.

ومع ذلك، هناك من يُفضل بابا أكبر سناً كـ”مرحلة انتقالية” تُهدئ التوترات دون فرض تحولات كبرى.

ورغم الطابع السري للمَجْمَع، لا يخلو الأمر من بعض التأثيرات، إذ تلعب الدوائر الفاتيكانية الداخلية (الكوريا الرومانية، وهي الجهاز التنفيذي والاستشاري المكلف بمساعدة البابا على القيام بمهامه) دوراً خفياً من خلال الاتصالات الشخصية والحوارات خلال الاجتماعات العامة. وقد يميل بعضهم نحو مرشح يُعيد المركزية إلى إدارة الكنيسة بعد نهج فرنسيس اللامركزي.

أما مجلس الأساقفة الأميركي، فيمثله 16 كاردينالاً ناخباً، يتميز العديد منهم بنزعة محافظة، وقد يدعمون مرشحاً أكثر صرامة في المسائل الأخلاقية مثل الإجهاض، والمثلية، والانضباط الكنسي.

أي كنيسة بعد فرانسيس؟

تبدو الكنيسة الكاثوليكية اليوم عند مفترق طرق، فإما أن يتم انتخاب بابا يواصل نهج فرنسيس، أي ما يعني الاستمرار في مسيرة الانفتاح، والرحمة، والاهتمام بالمهمشين، وهو ما سينعكس في دعم كنائس الجنوب العالمي، وتوسيع دور المرأة، وتفعيل المجالس المحلية.

وإما أن يجلس على العرش بابا محافظ، وحينذاك سيعني العودة إلى المركزية، وتركيزاً أكبر على العقيدة والانضباط، ما قد يُرضي بعض الدوائر التقليدية، لكنه قد يُثير خيبة أمل واسعة في أوساط الشباب والتقدميين.

لحظة حاسمة

ما سيشهده كونكلاف 2025 يكون من أكثر الأحداث حساسية في تاريخ الكنيسة الحديث، لأن ما سيتمخّض عنه لن يكون مجرد انتخابٍ لخليفة القديس بطرس، بل تحديدُ ملامح الكنيسة لسنوات أو ربما لعقود قادمة.

كنيسة الرحمة أم كنيسة العقيدة؟ كنيسة الجنوب أم كنيسة المركز؟ كنيسة العالم أم كنيسة الغرب؟

وفي صمت كنيسة سيستينا، وتحت قبّتها الشهيرة التي رسمها مايكل أنجلو بوناروتي، سيُصوّت الكرادلة لاختيار من يحمل مفاتيح الكنيسة، ومعه آمال الملايين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *