تحرك مصر والصين يخيف تل أبيب.. 4 رسائل من “السماء” وعين وإسرائيل على ما يجري في سيناء

شهدت العلاقات العسكرية بين مصر والصين نقطة تحول كبيرة من خلال تنفيذ أول تدريب جوي مشترك بين البلدين تحت اسم “نسر الحضارة 2025″، وأُجري هذا التدريب على مدار عدة أيام، ابتداءً من منتصف أبريل، ليشمل تنفيذ طلعات جوية مشتركة وتبادل الخبرات المتقدمة في مجالات القتال الجوي والتكتيكات الحديثة، لكن هذا التدريب لم يمر مرور الكرام على إسرائيل التي أبدت مخاوفها من التحركات العسكرية المصرية، كما أن خبراء لفتوا الانتباه إلى التحول الاستراتيجي للقوات المصرية نحو مزيد من الخبرات القتالية التي تسعى لكسبها من المعسكر الشرقي “روسيا والصين”، بعيداً عن المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، شارحين 4 “رسائل” حملتها هذه التدريبات.
التدريبات المصرية الصينية الأولى من نوعها
وصلت خمس طائرات نقل عسكرية صينية من طراز Xian Y20 إلى إحدى القواعد الجوية المصرية يوم الخامس عشر من أبريل، حيث بقيت لمدة اثنتين وسبعين ساعة قبل العودة إلى الصين.
وتُعتبر هذه الطائرات من أحدث طائرات النقل الاستراتيجي التي يمكنها استيعاب معدات يصل وزنها إلى ستة وستين طنًا أو ثلاثمائة جندي بكامل تجهيزاتهم، مع قدرة تشغيلية تصل إلى مدى أربعة آلاف وخمسمائة كيلومتر بحمولة كاملة.
كان لهذا التدريب أهداف استراتيجية واضحة تتجلى في تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وصقل المهارات القتالية للطواقم، وتوحيد العقائد العملياتية بما يضمن تعزيز قدرات القيادة والسيطرة والتنسيق العملياتي.
كما أن الشراكة الاستراتيجية التي تجمع مصر والصين توفر سياقًا أوسع لهذا التعاون، خاصة مع التركيز على مجالات التصنيع العسكري والتدريب المشترك، وهو ما يبرز تطور العلاقات العسكرية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.
إلا أن هذا التدريب لم يمر دون إثارة قلق دولي، فقد أثار موجة من المخاوف في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية، حيث نظرت وسائل الإعلام العبرية إلى هذه التدريبات باعتبارها مؤشرًا على تحول استراتيجي في السياسة الدفاعية المصرية.
كما تم تسليط الضوء على زيادة النشاط العسكري المصري في سيناء، بما في ذلك بناء قواعد عسكرية جديدة وتواجد مكثف للدبابات، وهو ما عُد انتهاكًا محتملًا لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة عام 1979.
إضافة إلى ذلك، أبدت إسرائيل قلقًا من تقارب مصر العسكري مع الصين، خاصة بعد توقيع اتفاقيات لشراء طائرات مقاتلة صينية لتحل محل أسطول الطائرات الأمريكية، مما اعتبرته تحوّلًا قد يعيد تشكيل ميزان القوى في المنطقة.
كما أن تصريحات وزير الدفاع المصري حول استعداد الجيش للقتال في سيناء في حال تهجير سكان غزة إلى المنطقة أضافت بعدًا تصادميًا للعلاقات، مفاقمة التوترات السياسية.
الرسالة وراء التدريبات المصرية الصينية
يكشف الباحث السياسي، الدكتور عادل عبد الصادق، خلال حديث مع “وكالة ستيب الإخبارية“، أنه جرى تضخيم الحدث وربطة بتوترات إقليمية.
ويقول: “اعتقد أنه على الرغم من إيمان الأطراف المشاركة بأن هذه المناورات غير موجه ضد أي طرف، إلا أن الظروف الدولية التي تشهد حالة من التوتر بين الصين والولايات المتحدة بشأن التعريفات الجمركية إلى جانب تداعيات الحرب على غزة والدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل لسياستها العدوانية في الإقليم، ومن ثم فإن رؤية باقي الأطراف لتلك المناورة كانت حبيسة الظروف الجيوسياسية المحيطة، ومن ثم كان هناك مبالغة في تضخيم نتائج تلك المناورات وخاصة أن مصر لديها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة ولديها سياسة سابقة لإجراء هذه المناورات مع العديد من دول العالم”.
ويضيف: “هذا لم يمنع من وجود رسائل لهذه المناورة والتي تبدأ باختيار اسمها “نسر الحضارة “والذي يحمل دلالات ترتبط بالعمق الحضاري والتاريخي لكل من الصين ومصر وهي من الحضارات المؤسسة للحضارة الإنسانية، وأن هاتين الدولتين معنيتين بالحفاظ علي تلك المكتسبات والتي تواجه تحديات غير مسبوقة بعدم الاهتمام بمقتضيات القانون الدولي وحقوق الإنسان، والتي أصبحت تنتهك من الدولة الكبرى في النظام الدولي وهي الولايات المتحدة والتي استخدمت تلك المبادئ من قبل سياسيًا ضد دول العالم النامي”.
ويوضح أن “الرسائل” التي حملتها هذه التدريبات ترتبط بطبيعة الأطراف المشاركة، ومنها “التحول بين مصر والصين من شريك تجاري إلى عسكري، حيث تعد أول مناورة عسكرية صينية خارج نطاق جنوب شرق آسيا وأول خروج للصين من مجرد شريك تجاري إلى شريك عسكري محتمل لمصر، وأول مناورة عسكرية تجمع ما بين الصين ومصر.
ويتابع: “هناك رسالة ثانية تحمل الحفاظ علي المصالح المشتركة في البحر الأحمر وخاصة أن الصين لجأت إلى وجود أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، والتي ترتبط بمحاولة الحفاظ على المصالح التجارية الصينية وحماية الممرات المائية، وهو أمر يرتبط كذلك بمصلحة مصرية في مواجهة تهديدات الملاحة في قناة السويس نتيجة تهديدات أمن البحر الأحمر من قبل الحوثيين أو من قبل محاولة إثيوبيا زعزعة النظام الأمني للبحر الأحمر بالوجود لها عبر سواحله”.
أما الرسالة الثالثة بحسب “عبد الصادق” فهي ” تعزيز الحق في التنمية”، معتبراً أن مصر أكدت حيادها في التعامل مع كافة القوى الدولية والتي تعبر عن مركزية مصر كنقطة تواصل ما بين الشرق والغرب وأن سياسة رفع القدرات الذاتية هو حق مشروع.
ويشير الباحث السياسي إلى “رسالة رابعة” هي “القدرة على الردع وتعزيز مصادر السلاح كسياسة استراتيجية مصرية”.
تحالفات جديدة غير تقليدية
ويرى “عبد الصادق” أن مصـر تفصل ما بين توجهاتها لتنويع مصادر السلاح والحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة خارج حلف الناتو، ومن جهة أخرى تحاول مصر معالجة القصور الأمريكي في مد احتياجاتها في التسليح المتقدم وخاصة مع تضاءل القيمة النوعية للمساعدات العسكرية الأمريكية في إطار اتفاقية كامب ديفيد.
ويشير إلى أن قيام الولايات المتحدة بتسليح إسرائيل بكافة أنواع الأسلحة المتقدمة يخل بالتوازن الاستراتيجي ويهدد من جهة أخرى اتفاقية السلام بين مصـر وإسرائيل لأنه يحول الولايات المتحدة من مجرد وسيط وضامن للاتفاق إلى منحاز ويهدد المصالح المصـرية بشكل غير مباشر.
وبدوره يقول الدكتور أيمن سلامة، ضابط الاتصال السابق في حلف الناتو، خلال حديث مع “وكالة ستيب الإخبارية“: “مصر تسعى لتنويع شراكاتها الدولية في مختلف المجالات، بما في ذلك المجال العسكري، وعدم الاعتماد بشكل حصري على شريك واحد، والصين، كقوة عالمية صاعدة ذات إمكانيات عسكرية متقدمة، تمثل خياراً جذاباً لتطوير القدرات الدفاعية المصـرية وتبادل الخبرات العسكرية”.
ويضيف: أن هذا التوجه يعكس رغبة مصـر في الحصول على تكنولوجيا عسكرية متقدمة وتنويع مصادر التسليح، والصين أصبحت مصدراً مهماً للأسلحة والمعدات العسكرية للعديد من الدول، وقد تجد مصر في هذا التعاون فرصاً للحصول على أنظمة دفاعية تتناسب مع احتياجاتها وبتكلفة قد تكون أكثر تنافسية”.
ويؤكد “سلامة” أن هذا التعاون يمكن أن يكون كرسالة ضمنية من مصـر إلى شركائها التقليديين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، للتأكيد على استقلالية قرارها وسعيها لإقامة علاقات متوازنة مع مختلف القوى الدولية.
إلا أنه يشير أن الولايات المتحدة لا تزال تمثل الشريك العسكري الأكبر لمصـر، حيث تقدم لها مساعدات عسكرية كبيرة وتجري معها تدريبات مشتركة واسعة النطاق منذ عام 1980، لكنه يؤكد أن تعزيز التعاون مع الصين يضيف بعداً جديداً للعلاقات العسكرية المصـرية ويشير إلى اتجاه نحو تنويع الشركاء.
مخاوف إسرائيلية
وتبدي إسرائيل مخاوفها الجدية من التحركات العسكرية المصـرية، حيث تسعى لأن تبقى القوة العسكرية الأكبر في المنطقة، ولا تريد من أي جيش في الإقليم أن يهدد هدفها بالتفوق العسكري.
الدكتور عادل عبد الصادق يؤكد ذلك ويقول: “حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة ترى في أي تنمية ذاتية كأنها مصدر خطر لأنها لا تحمل إلا نوايا التوسع والعدوان ومحاولة فرض إسرائيل كقوة إقليمية بالقوة العسكرية”.
ويشر إلى أن امتلاك مصـر لعناصر القوة الشاملة إلى جانب وجود نظام سياسي مستقر، يعطي ثقة للقوى الدولية غير الولايات المتحدة في عقد صفقات الأسلحة كسبيل لحفظ السلام في أيدى قوة عاقلة رشيدة في مصـر لا تستخدم تلك الأسلحة في العدوان أو انتهاك القانون الدولي.
ويشرح “عبد الصادق” أن إسرائيل انتهكت اتفاقية السلام مع مصـر بعد تواجدها العسكري في محور فيلادلفيا، إضافة لعدم ثقة القاهرة بنوايا تل أبيب التي تنتهك الاتفاقيات مع سوريا ولبنان يومياً، مما يعطي الحق لمصـر التحرك في سيناء اليوم.
ويقول: “الوجود العسكري المصـري في سيناء يأتي في إطار ممارسة الدولة لسيادتها للحماية من خطر تهديدات محتملة على مقربة من حدودها مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وما تشكله من مخاطر محاولة إسرائيل لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، والتي انتهت إلى العلن وإلى الدعم من قبل الولايات المتحدة”.
وبدوره يوافق الدكتور أيمن سلامة الرأي مشيراً إلى حق مصر المشروع بالتحرك العسكري على أرضها لحماية مصالحها وأمنها القومي، ويقول: “تعزيز التعاون العسكري المصـري الصيني يمثل خطوة مهمة نحو تنويع الشراكات الدفاعية المصرية، ويعكس رغبة القاهرة في تعزيز قدراتها العسكرية من خلال مصادر متعددة، لحماية أمنها القومي”.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية