مخدوعون بالديمقراطية”.. مسؤول سوري يشعل الخلاف بسوق الهال وقرار وزاري يُعيد “أشباح النظام السابق

في مشهد يعكس تعقيدات المرحلة الانتقالية التي تعيشها سوريا بعد سقوط النظام البائد، تتصاعد أزمة تمثيل تجار ومصدري الفواكه في سوق الهال بدمشق، أحد أبرز وأهم المراكز الاقتصادية في العاصمة، إثر صدور قرار وزاري بتعيين لجنة جديدة لإدارة السوق دون العودة إلى التجار أو إشراكهم في القرار، ما أثار استياءً واسعاً في أوساط الفعاليات التجارية.
جذور الأزمة.. الماضي الذي لا يموت
منذ سنوات، كانت لجان إدارة سوق الهال تُعيّن بشكل مباشر من قبل السلطة الحاكمة، كما هو الحال في سائر المؤسسات العامة خلال فترة النظام البائد. وعلى هذه الخلفية، ترأّس التاجر عامر خيتي اللجنة بين عامي 2018 و2022، قبل أن يترك المنصب إثر فوزه بعضوية مجلس الشعب، ولم يكن هناك تمثيل حقيقي أو ديمقراطية، بل كانت العملية محكومة بالمحسوبيات والقرارات الفوقية.
وخيتي ابن مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية، المولود في تموز عام 1980 كان يعد من أبرز أذرع النظام البائد الاقتصادية في دمشق حيث لمع نجمه خلال سنوات الحرب، وأصبح لاحقا يمتلك أذرعا طويلة اقتصادية وسياسية تُغير وتأمر وتنهى، ما شد انتباه وزارة الخزانة الأميركية التي شملته بعقوبات في 9 من تشرين الثاني 2020، فرضتها حينئذ على 11 كيانا يدعم نظام الأسد.
وفي حديث خاص لوكالة “ستيب الإخبارية“، مع أحد تجار سوق الهال وعضو اللجنة الطوعية السابقة التي تشكلت من تجار السوق بعد سقوط النظام البائد، والذي فضّل عدم ذكر اسمه قال: “اللجنة كانت تُعيَّن سابقًا من خلال انتخابات يُجريها تجار السوق أنفسهم، لكن هذا الأمر تغيّر عام 2018 عندما جاء عامر خيتي، وقدّم رشوة لوزير الاقتصاد في حكومة النظام البائد، فتم تعيينه على رأس اللجنة حتى عام 2022، ثم خَلَفَه عمار خطاب، وهو تاجر قماش لا علاقة له بسوق الهال أساسًا.”
اللجنة الجديدة.. عمل شعبي تجاهلته السلطة
اللجنة الطوعية التي نشأت من داخل السوق بعد سقوط النظام البائد، لم تكن مجرد شكلية، حيث بادرت بالتواصل مع الجهات الأمنية لتأمين حماية السوق، وساهمت فعلياً ببناء مقرات لعناصر الأمن العام، ونسّقت عمليات الخدمة والنظافة والتنظيم، ولم تكن اللجنة تمثيلاً رمزياً، بل ممارسة فعلية للمسؤولية، نابعة من حاجة السوق ورغبة حقيقية بالتغيير.
وحول هذه اللجنة يقول، محمد وردة، وهو أحد أعضائها، في حديث مع “ستيب الإخبارية“: “بعد سقوط النظام البائد، شهد السوق حالة من الفوضى، حيث انتشرت البسطات غير النظامية والمظاهر المسلحة، وغابت النظافة والتنظيم. فقررنا نحن مجموعة من التجار تشكيل لجنة طوعية من نحو 12 شخصًا، وتواصلنا مع الأمن العام ورئيس البلدية لإعادة السوق إلى وضعه الطبيعي.”
القرار 1451.. الشرارة التي أشعلت الاحتجاج
في 17 نيسان 2025، أصدر وزير التجارة والاقتصاد الجديد، نضال الشعار، القرار رقم 1451، والذي يقضي بتعيين لجنة جديدة لإدارة سوق الهال. اللافت أن اللجنة المعينة حديثاً تضم نفس الأسماء التي كانت تدير السوق خلال فترة النظام السابق، ما أثار غضباً واسعاً في أوساط التجار الذين رأوا في القرار محاولة لإحياء هيمنة الماضي.
عن هذه اللحظة، قال محمد وردة: “فوجئنا بالقرار، خصوصًا أنه أعاد اللجنة نفسها التي كانت تعمل زمن النظام، رغم أننا قدّمنا أداءً أفضل منها بمراحل، وإثر ذلك جمعنا توقيعات أكثر من 300 تاجر وطلبنا لقاء الوزير، لكن تم تحويلنا إلى ماهر الحسن، الذي قيل إنه المسؤول الفعلي.”
لقاء متشنج… وكلمات مثيرة للغضب
وفقاً لشهادات التجار، كان اللقاء مع نائب الوزير ماهر الحسن متوتراً وسلبياً، اتسم بالتجاهل والتقليل من شأن ممثلي السوق، بل وصل به الأمر إلى مقاطعتهم مراراً، ورفض الاعتراف بجهود اللجنة الطوعية التي شكّلها التجار بعد سقوط النظام. والأدهى من ذلك، تصريحه بأن “لا وجود لعمل شعبي أو طوعي، وكان يجب الرجوع إلينا”، وهو ما اعتبره التجار إهانة لمبادرتهم ورفضاً صريحاً لفكرة التمثيل الشعبي.
ويصف أحد التجار تفاصيل اللقاء قائلاً: “التعامل معنا كان مليئًا بقلة الاحترام. نائب الوزير وصف الديمقراطية والانتخابات بأنها ’فاشلة‘، وقال إننا ’مخدوعون بها‘، ورفض استلام العريضة، معتبرًا نفسه صاحب القرار المطلق.”
خيار بديل… مرفوض
عُرض على التجار اقتراح بضم عضوين فقط منهم إلى اللجنة المعينة، مع وعد بإعادة تشكيل اللجنة بعد شهر، لكن التجار رفضوا هذا الحل، معتبرين إياه مجرد محاولة لتهدئة الغضب ريثما يُثبت القرار، دون نية حقيقية للتغيير.
محمد وردة علّق على هذا الاقتراح قائلاً: “عرضوا علينا أن ينضم اثنان منّا للجنة، على أن تبقى كما هي، ثم يتم تغييرها لاحقًا. اعتبرنا ذلك محاولة لشراء صمتنا، ورفضنا بشكل قاطع. نحن نطالب بإلغاء القرار بالكامل، ورد اعتبار كل من تم تجاهله أو إهانته.”
معركة التمثيل.. بين الصوت الشعبي والمصالح الضيقة
ما يحدث اليوم في سوق الهال ليس مجرد خلاف إداري، بل معركة حقيقية بين نموذجين لسوريا “سوريا ما بعد الاستبداد، التي يتطلع شعبها إلى تمثيل ديمقراطي وعدالة ومشاركة فعلية في القرار، وسوريا القديمة التي لا تزال أطيافها تحاول العودة عبر بوابات المحسوبية والقرارات الفوقية”.
ويوضح وردة: “الكل يعرف أن هذه اللجنة تم تعيينها بالواسطة، لا على أساس الكفاءة أو رضا التجار، ونحن نريد من يمثلنا بصدق، لا من يفرض علينا من فوق.”
الموقف الحالي والدعوة إلى الحل
اليوم، ومع تعنت الوزارة ورفض ممثليها تسلم العريضة أو التفاعل مع مطالب التجار، تتصاعد الدعوات إلى حل مباشر مع الوزير الشعار، بصفته المرجع الأعلى في وزارة الاقتصاد، ومتابعة القضية بما يتماشى مع روح المرحلة الجديدة.
في الوقت نفسه، يؤكد التجار أنهم لن يصمتوا، ولن يسمحوا بتجاهل إرادتهم، مطالبين بإلغاء القرار “المجحف” رقم 1451، والدعوة إلى انتخابات شفافة تشارك فيها جميع الفعاليات التجارية في السوق لاختيار لجنة حقيقية تمثلهم.
قضية تتجاوز حدود السوق
أزمة لجنة سوق الهال ليست شأناً محلياً فقط، بل اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة الجديدة على احترام التمثيل الشعبي، وإعادة الثقة بين المجتمع والسلطة، ويعتبرها تجار السوق أنها دعوة صريحة لكل من يؤمن بسوريا جديدة، للوقوف بجانب هذه القضية، لأن ما يجري في السوق اليوم، قد يتكرر في كل قطاع غداً إن لم يُوضع له حد.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية