الدردري: البحرين مؤهلة لتكون قاعدة للنمو الرقمي والتمويل الأخضر والتكافل الزراعي – الوطن

أيمن شكل تصوير نايف صالح
عندما نبحث عن مهارات خاصة بالتمويل الإسلامي يجب أن نأتي للبحرين
الاقتصادات الأكثر تنوعاً مثل البحرين تمتلك قدرة أكبر على الصمود
آفاق جديدة للعمل بمجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البحرين
أكد مساعد الأمين العام مدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبدالله الدردري أن البحرين تشهد تطوراً ملموساً يجعلها قاعدة هامة للنمو الرقمي، رغم مساحتها الصغيرة وقلة عدد سكانها، متوقعاً أن تشهد المملكة نقلة نوعية في هذا المجال قريباً.
وأضاف الدردري حيث يعد أرفع مسؤول تنموي في الأمم المتحدة في المنطقة العربية في حوار شامل مع «الوطن» أن البحرين تتمتع بآفاق جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، موضحاً أنه ناقش خلال زيارته المملكة ثلاثة مشاريع إقليمية تسعى الأمم المتحدة لإطلاقها من البحرين؛ منصة التمويل الأخضر، ومنصة إقليمية تربط الرقمنة والذكاء الاصطناعي بتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة، و»تحالف التكافل» لتوفير التأمين الإسلامي التكافلي لمائة مليون مزارع عربي.
وأوضح الدردري أن تخصص البحرين في التمويل الإسلامي يجعلها مؤهلة لدعم قطاع الزراعة إقليمياً وعالمياً، مشيداً باحتضانها مجلس التأمين الإسلامي العالمي، والخبرات التي يمكن أن تساهم في نجاح مشروع التمويل الأخضر.
وأشار إلى وجود آفاق جديدة للعمل بمجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البحرين، وخصوصا فيما يتعلق ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي القطري الجديد في الفترة 2025 2029، المتمحور حول قضايا أساسية؛ تعزيز النمو الاقتصادي الأخضر الرقمي، وتحسين وتعزيز الحوكمة والإدارة، وتعزيز جهود البحرين الكبيرة في مجال حقوق الإنسان والتنمية البشرية، وتعزيز قدرات البحرين فيما يتعلق بالبيئة، وتغير المناخ والتنوع الحيوي، وغيرها من القضايا.
وفيما يلي نص الحوار:
ما الهدف من زيارتكم البحرين؟
أولاً، أريد أن أشكر مملكة البحرين على تعاونها الكبير واستضافتها لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولمجموعة الأمم المتحدة هنا، الموجودة في البحرين منذ عام 1968، وهذا دليل على مدى العلاقة العميقة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمملكة.
وهناك آفاق جديدة للعمل بمجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البحرين، وخصوصا برنامجنا القطري الجديد في الفترة 2025 2029، المتمحور حول ثلاث قضايا أساسية، وهي:
أولاً: تعزيز النمو الاقتصادي الأخضر الرقمي، الموائم للبيئة، الذي يعزز دور الشركات الصغيرة والناشئة.
ثانياً: تحسين وتعزيز الحوكمة والإدارة، وتعزيز جهود البحرين الكبيرة في مجال حقوق الإنسان والتنمية البشرية.
ثالثاً: فيما يتعلق بمجال البيئة، وتغير المناخ والتنوع الحيوي، وتعزيز قدرات البحرين في إدارة هذه الملفات المعقدة، استعداداً لقمة تغير المناخ التي ستنعقد في البرازيل العام القادم، وغيرها من القضايا. كما تباحثنا مع المسؤولين في المملكة حول ثلاثة مشاريع إقليمية عالمية نود أن تنطلق من البحرين، وهي مشاريع ما زالت محل النقاش، وإن شاء الله يتم التوافق عليها، ويتمحور المشروع الأول حول تأسيس منصة للتمويل الأخضر إقليميا، بحيث تقوم هذه المنصة بالربط ما بين موارد التمويل المتاحة في المنطقة والعالم، وبين احتياجات المنطقة من التمويل في مجالات التنمية المستدامة.
المشروع الثاني هو لمنصة إقليمية تعمل على الربط ما بين الرقمنة والتحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي مع تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهذا أمر مهم جدا بالنسبة لنا في المنطقة، أما المشروع الثالث فهو توفير التأمين الإسلامي التكافلي لمائة مليون مزارع عربي، باعتبارهم الذين يوفرون لنا الغذاء، لكن لا يحظون بأي نوع من أنواع التمويل، ولا التأمين، فهذا البرنامج ما يسمى «تحالف التكافل»، الذي نود أن نطلقه من البحرين، وخاصة أن البحرين من أهم مراكز التمويل الإسلامي، وخبرتها في هذا المجال كبيرة جداً.
كيف سينطلق برنامج الزراعة، من البحرين التي تعتبر دولة غير زراعية، ولا تعتمد على الزراعة ضمن موارد الدخل؟
لدينا برنامج إقليمي كبير اسمه سلسلة القيمة المضافة في قطاع القمح، وهذا البرنامج لم نأتِ به إلى البحرين، لأنه يتطلب حقولاً وتجارب زراعية ومساحات واسعة لإجراء التجارب، ولذلك أتينا للبحرين باعتبارها دولة متخصصة في مجال التمويل الإسلامي، ولكي نحقق الهدف الخاص بدعم قطاع الزراعة، كان من اللازم إيجاد منصة لتدعم قطاع الزراعة عالمياً وإقليمياً في المنطقة العربية.
بالنسبة للتمويل الإسلامي ربما يحتاج إلى دعم من دول كبيرة مثل المملكة العربية السعودية، كدعم مادي وإسلامي أيضاً، هل سيكون هناك تعاون أو شراكة للدول في هذا المشروع؟
مشروعا «منصة التمويل الأخضر» و»تحالف التكافل» سيكونان بشراكة مع عدد كبير من الهيئات العامة والخاصة، ومتعددة الأطراف في المنطقة والعالم، فعلى سبيل المثال، مشروع منصة تمويل الأخضر نتباحث فيه مع البنك الإسلامي للتنمية وبيت التمويل الكويتي، وهو أكبر بنك إسلامي في العالم، ولكن تم اختيار البحرين؛ لأنها تحتضن مجلس التأمين الإسلامي العالمي، وفيها من الخبرات ما يحتاجه المشروع، وبالنسبة لنا فأهم شيء، هو الخبرة والمهارات المتعلقة بهذا المجال وهي متوفرة في البحرين، وعندما نبحث عن مهارات خاصة بالتمويل الإسلامي، يجب أن نأتي إلى البحرين، ومن هذا المنطق جئنا إلى هذا البلد العزيز لنؤسس هذه المنصة.
بينما تشهد أسواق العالم ارتباكاً، نجد منطقة الخليج مستقرة نسبياً، سواء في بورصاتها أو الوضع الاقتصادي العام، كيف تقيم هذا وتفسر أسبابه؟ وكيف تستفيد منه الأمم المتحدة في تنفيذ برامجها؟
العالم اليوم يفور ويمور، ونشهد ثلاثة متغيرات كبرى في العالم، من أبرزها ما يحدث في أوروبا التي تشهد حربا كبيرة، وهذا أمر لو تحدثنا عنه قبل سنوات قليلة لاعتبر كلاماً غير منطقي أو معقول، واليوم انتهت فترة السلام الدولي التي سادت منذ عام 1990، فكيف سنتعامل مع مرحلة جديدة، احتمالات الحروب الكبرى فيها أصبحت قائمة؟
أما الحرب التجارية التي تجري الآن، فقد جاءت أيضاً بعد عقود من السلام العالمي الاقتصادي النسبي، من خلال ما يسمى النظام التجاري العالمي تحكمه معايير محددة ومتفق عليها عبر منظمة التجارة العالمية وغيرها، واليوم هذا النظام أصبح في مهب الريح، وبالتالي فإن قدرتنا على التخطيط والتوقع للمستقبل أصبحت صعبة للغاية، فلا نعلم ما الذي سيجري غداً في الرسوم الجمركية.
لكننا قمنا بدراسة مبدئية حول أثر هذه المتغيرات على الاقتصادات العربية، وكانت النتيجة الأولية تؤشر على أن الاقتصادات العربية الأكثر تنوعاً مثل البحرين، تمتلك قدرة أكبر على الصمود، بل والاستفادة من هذه المتغيرات، وأن الاقتصادات التي تعتمد بشكل تام أو شبه تام على مصدر واحد للدخل، عليها أن تتأقلم بسرعة، ونحن على استعداد للعمل مع كل الدول العربية، ونعمل على برنامج خاص بآليات دعم الدول العربية للتعامل مع هذه المتغيرات.
المتغير الثالث أو ما يمكن تسميته بالصدمة، هو صدمة «الذكاء الاصطناعي»، فالعالم اليوم لم يعد كما كان قبل خمس سنوات، وكل يوم يتغير هذا العالم، وهناك سرعات لا متناهية في تطورات الذكاء الاصطناعي.
وإذا جمعنا هذه المتغيرات الثلاثة الكبرى مع بعضها البعض، سنجد أننا في عالم يصعب فيه التنبؤ، ويصعب فيه إجراء الإسقاطات التقليدية في العمل الاقتصادي التقليدي، ولكن في المجمل، الذي سينجح في هذا العالم هي الدول القادرة أن تتجاوز حدودها الجغرافية لتعيش في العالم الرقمي بشكل فعال، والبحرين هي من هذه الدول.
هل هناك زيارات أخرى ستجريها لدول عربية بعد البحرين؟
البحرين هي «مسك ختام» زيارتي لكل الدول العربية التي أغطيها، والتي أنا مسؤول عنها في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقد زرت المغرب قبل أن أصل إلى هنا، وتم توقيع اتفاقية هامة للغاية بقيمة 53 مليون دولار لدعم التطوير الإداري وأتمتة ورقمنة الإدارة العامة في المغرب، كما تم توقيع خطاب نوايا لتأسيس مركز إقليمي لذكاء الاصطناعي في المغرب.
بعدها زرت بيروت لحضور اجتماع المنتدى العربي للتنمية المستدامة في الإسكوا، ثم زرت دمشق، ووضعنا برنامجاً متكاملاً لدعم التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار في سوريا، ثم البحرين للتباحث حول البرنامج القطري الجديد الذي تم إقراره في المجلس التنفيذي للبرنامج الإنمائي مؤخراً، وآليات تنفيذه.
كيف يمكن الاستفادة من التشابك الحاصل بين قضايا الدول العربية لإعادة لم الشمل العربي وتوحيد المواقف حول أهداف موحدة، للاستفادة اقتصادياً، أو حتى مجتمعيا؟
على سبيل المثال.. وصلت البحرين قادماً من دمشق، وكلما تحدثت عن أهمية التعافي في سوريا أحصل على مقترحات من مسؤول بحريني، وكيف يمكن أن نتعاون، ونحن كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي موجودون في سوريا والبحرين وعمان وقطر، وفي كل هذه الدول، وسنقوم بالربط وإيجاد هذا التشابك، فنحن تحت تصرفكم. وإذا كانت دولة عربية تريد أن تدعم التعافي في سوريا أو تأمين حد أدنى من الحياة الكريمة لأهلنا في غزة أو أي مكان، فإن البرنامج الإنمائي موجود على الأرض، ولديه مشاريع، ويستطيع أن يتوسع إذا توفرت له الإمكانيات، ولذلك يعتبر دورنا مهماً للغاية، فنحن نعمل في اليمن والصومال والسودان، وفي غزة، وفي ظل هذه الظروف لم نتخلَ عن غزة ولم نغادرها. وكنت مؤخراً في الصومال، وفي السودان وأطلقنا جملة برامج ومشاريع جديدة، وعندما نأتي إلى هنا، أو نذهب إلى المملكة العربية السعودية، أو نذهب إلى مصر نجد تعاونا كبيراً، ومؤخراً أبدت المغرب استعدادها لنقل تجربة ميناء طنجة المتوسط وهو ميناء متقدم للغاية لتطوير مرافئ سوريا ولبنان.
ولذلك فإن البرنامج الإنمائي يبني على النوايا الطيبة بين الدول العربية والحكومات العربية وشعوبها، ويستفيد منها لتعزيز قدرات الشعوب العربية التي تعيش حالات صعبة للغاية.
نعمل في غزة تحت القصف
هناك نوايا طيبة بالفعل، لكن الأهم بالنسبة للشعوب هو الفعل، وللأسف هو غير موجود حالياً في غزة التي تحدث فيها انتهاكات مناهضة للعدالة وقرارات مجلس الأمن.
بالفعل، فعندما ترفض دولة ما تنفيذ قرار لمجلس الأمن، فهي تواجه المجتمع الدولي وتتحداه، لكن للتوضيح، فليست مسؤولية جهاز فني تابع للأمم المتحدة، مثل البرنامج الإنمائي، أن يعلق على هذا الأمر، الذي يتحدث عن نفسه.
من واجبنا أن نعرف ماذا يجري في غزة وفلسطين، وهذا ما قمنا به، وأصدرنا عدداً من التقارير المهمة والخاصة بتقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للحرب، كما نوجَد على الأرض، فنحن لم نغادر غزة، ولم نغادر الضفة الغربية ولا القدس الشرقية، ونقدم ما يمكن أن نقدمه من خدمات حتى تحت القصف.
تحت القصف.. استطعنا أن نوفر مياه الشرب النظيفة لأكثر من 400 ألف فلسطيني في غزة من خلال محطات تنقية المياه التي تستخدم الطاقة الشمسية، وهي محطات متنقلة تتنقل من مكان الآن إلى آخر لتوفير المياه.
تحت القصف.. طورنا نظاماً للمدفوعات الإلكترونية في غزة، لأنه لا يوجد نقد، وأوراق نقدية، واستطاعت تلك المنظومة أن تسمح للاقتصاد بالحركة.
تحت القصف.. بنينا مركز لدعم المجتمع المدني، لأن كل الجمعيات الأهلية خسرت مقارها وبنيتها التحتية، فبنينا مقراً يسمح لهم بالعمل، ووفرنا أجهزة الكمبيوتر والإنترنت والاتصالات، واستطاعوا أن يستعيدوا تراخيصهم؛ لأنها ضاعت في القصف.
تحت القصف.. أسسنا مركزاً شبيهاً بالقطاع الخاص، بحيث تستطيع الشركات التوجه إليه لتجديد تراخيصها عبر الإنترنت، ووفرنا التمويل كذلك، واليوم نوفر حزمة من الضمانات الائتمانية للقروض الصغيرة والمتوسطة بحوالي 50 مليون دولار لدعم الشركات الفلسطينية، لأنها هي التي ستبني غزة.. أولاً وأخيراً، من سيبني غزة هم الفلسطينيون. تحت القصف.. استطعنا أن نزيح قرابة 220 ألف طن من النفايات الصلبة من القمامة، لأهمية منع انتشار الأمراض السارية في غزة. وأتمنى أن يشاهد الناس هذا الفيديو عندما ترانا نضع حاويات القمامة في منطقة مدمرة بالكامل ومكتوب عليها «حافظ على نظافة مدينتك»، ورغم غرابة وطرافة المبادرة التي استغرقت 6 أشهر من المفاوضات مع السلطات الإسرائيلية، من أجل أن نتمكن من إدخال 15 حاوية قمامة إلى غزة، إلا أنها أفادت الناس كثيراً.. ولذلك فنحن لا نغادر ونقوم بما نستطيع أن نقوم به، وإذا أتيح لنا نفاذاً أكثر وتمويلاً أكبر لوجدتنا نعمل بشكل أكبر.
دعني أستوضح هذه النقطة.. الجميع يعلم أن غزة محاصرة تماماً، ولا تدخلها أية معونات أو حتى مياه نظيفة؟
نعم بالفعل.. فما أتحدث عنه هو ما قمنا به قبل آخر انهيار لوقف إطلاق النار.. ورغم ذلك، نحن نبذل جهداً كبيراً لدعم الناس، فعلى سبيل المثال، تعاقدنا مع حوالي 2000 شاب وشابة فلسطينيين للعمل في المشافي، فمن ترونهم اليوم في التلفزيون ومن يقومون بهذا الجهد الجبار والتضحيات الهائلة في القطاع الصحي، جزء كبير منهم متعاقد معنا.. على كل حال نحن لا نعمل في مجال إدخال الغذاء وهي مسؤولية منظمات أخرى.
لكن كل ما تتحدث عنه غير معروف للناس؟
نحن لا نتحدث دائماً عما نقوم به، وربما نكون مقصرين في هذا المجال، ولكن ما أريد أن أقوله هو إننا لن نغادر غزة، ولن نتخلى عن الشعب الفلسطيني، ونعمل في الضفة الغربية والقدس الشرقية أيضاً لتثبيت الفلسطينيين بأرضهم، لأنهم أيضاً يتعرضون إلى هجمة كبيرة، فنقوم بتمويل المراكز الصحية وتوفير الطاقة الشمسية للمؤسسات الصحية والتعليمية الفلسطينية في القدس الشرقية، وهو جهد تنموي كبير يتم تحت إطار التنمية.
السودان اليوم في حال مؤسف ومحزن للجميع، فما هي أبرز مشاريعكم فيها؟
كنت في بورسودان وأطلقنا مجموعة من المشاريع المهمة في مجال دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وأطلقنا خطاً ائتمانياً لدعم حوالي 400 شركة صغيرة ومتوسطة تعمل في القطاع الزراعي والقطاعات الأخرى، وهذه التجربة نجحت، ونأمل أن نتوسع فيها بشكل كبير لتصل إلى آلاف الشركات. كما قيمنا أثر الحرب على الشركات الصغيرة والمتوسطة السودانية، والمفاجأة أن 60% من الشركات التي قدمنا لها دعماً تشهد توسعاً في أعمالها ومتفائلة بشأن المستقبل.
لكن السودان يعاني اليوم من أزمة أمن غذائي كبيرة؟
المشكلة ليست في الإنتاج، ولكن الحرب تتسبب في صعوبة توزيع المواد الغذائية، وقد كان لدينا 14 مكتباً عبر السودان، تقلصت إلى 6 مكاتب فاعلة فقط، وشهدت المناطق، التي بقينا فيها، ارتفاعاً في معدل الإنتاج الغذائي والزراعي، والآن برنامج الغذاء العالمي يشتري المواد الغذائية من السودان، ليطعم بها أهل السودان، ثم يطعم بها شعوب الدول الأخرى. القضية في السودان ليست إمكانية الإنتاج الزراعي، ولكن يجب أن ننتقل تدريجيا من العمل الإنساني البحت، الخاص بتأمين صندوق للمواطن السوداني، إلى تأمين مواد الإنتاج للإنتاج الزراعي، وتأمين التجارة وخطوط التمويل، وهذا ما نقوم به في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبر برنامج تنمية إقليمية شامل من خلال شبكات الري والطاقة الشمسية، وتأمين قروض ميسرة للمزارعين.
تعاني الأمم المتحد وبرامجها اليوم من مشكلة التمويل، فما هي الحلول المطروحة؟
ما من شك تأثرنا وسنتأثر، ولذلك أطلق الأمين العام برنامجاً لإعادة النظر في آليات العمل.. وهل نحن في أعلى كفاءة ممكنة.. وهل ننفق كل دولار في مكانه الصحيح، وتم تشكيل لجنة برئاسة مستشاره جاي رايدر ومجموعة من رؤساء المنظمات، بمن فيهم مدير عام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
التمويل لا يقتصر على الولايات المتحدة، كما أن الدول الغربية المانحة بدأت تتراجع بشكل ملموس عن دورها في تمويل التنمية في العالم، وهي صاحبة أكبر حصة في تمويل التنمية ومنظمات الأمم المتحدة، وعلينا أن نتأقلم ونقوم بمراجعة كاملة لآليات العمل التنموي. على سبيل المثال، أفريقيا تحصل سنويا على معونات بحوالي 40 مليار دولار من المجتمع الدولي، بينما الأفارقة أنفسهم يمولون إفريقيا بـ 800 مليار دولار سنويا، ولذلك لا بد أن نعيد النظر في كيفية إدارة عملية التنمية في أفريقيا.
كذلك في المنطقة العربية، نحتاج إلى 220 مليار دولار سنوياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، بينما يوجد في المصارف التجارية فقط غير الصناديق السيادية ودائع بقيمة 4600 مليار دولار.
ولذلك فالقضية هي جسر الهوة بين المال والاحتياجات، وليس توفير المال، وقد كنت في الصومال، مؤخراً والتي تعتبر دولة فقيرة، بينما بإمكانها تصدير 200 ألف طن من التونة سنوياً، وهنا التونة تعتبر أهم من النفط، لكن الصومال لا تنتج اليوم أكثر من 20 ألف طن، ولك أن تتخيل الفرصة الضائعة، والتي يمكن أن تحول الصومال إلى واحدة من أغنى دول العالم.
لا أحد فقير في المنطقة، ولا حتى في أفريقيا، لذلك، يجب أن نعيد النظر في قضية تمويل التنمية، وأن تستعيد الدول سيادتها التنموية من خلال تمويلها لنفسها ولبعضها البعض، من خلال هذه الموارد الهائلة المتاحة لديها.