الديسبروسيوم معدن تملكه الصين يدخل الحرب التجارية ضد أميركا

في خضم الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، يبرز معدن الديسبروسيوم الذي يدخل في صناعة السيارات الكهربائية، وتستحوذ بكين على أكثر من 90% من إنتاجه، كورقة ضغط على واشنطن.
وقالت “وول ستريت جورنال”، الأحد، إن الصين عمدت هذا الشهر إلى تعقيد إجراءات صادرات عدد من المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات، في إطار ردها على الرسوم الجمركية الأميركية، ما أثار حالة من الذعر بين شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة.
وهذا المغناطيس المصنوع من معدن الديسبروسيوم، الذي يحمل الرقم الذري 66، هو معدن نادر يتميز ببريق معدني فضي، يدخل في تصنيع مغناطيسات تشغل كل شيء من المعدات الطبية إلى محركات السيارات الكهربائية، بحسب الصحيفة.
وقال مسؤول تنفيذي كبير في قطاع السيارات للصحيفة: “لا يمكنك بناء المحرك من دون المغناطيس…إذا أردنا أن يستمر إنتاج السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، لا بد من إيجاد حل لهذه المسألة”.
وبموجب القواعد الصينية الجديدة، بات يتعين على الشركات الأميركية تقديم طلب للحصول على ترخيص لتصدير هذه المعادن من الصين، وهي عملية قد تستغرق عدة أشهر، ما يترك صانعي السيارات في حالة من عدم اليقين إزاء قدرتهم على تأمين إمدادات هذه المادة الثمينة.
ورغم تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أن إدارته تجري محادثات نشطة مع بكين بشأن التجارة، لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه المناقشات ستؤدي إلى تخفيف موقف الصين حيال هذه الصادرات تحديداً.
قلق ماسك
من جهته، حذر الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا”، إيلون ماسك، مؤخراً من أن نقص هذه المغناطيسات قد يعرقل خطط بناء الروبوت البشري “أوبتيموس” في مصنع الشركة الواقع خارج مدينة أوستن بولاية تكساس.
وقال ماسك خلال مؤتمر الإعلان عن أرباح الشركة هذا الشهر: “نأمل أن نحصل على ترخيص لاستخدام مغناطيسات العناصر الأرضية النادرة… الصين تريد بعض الضمانات بأن هذه المغناطيسات لن تُستخدم لأغراض عسكرية، وهو ما لا يحدث بالطبع”.
المغناطيسات الدائمة
وتُستخدم هذه المغناطيسات، المعروفة أيضاً باسم “المغناطيسات الدائمة”، في الجزء الدوار من محرك السيارة الكهربائية، المسؤول عن تدوير العجلات.
ورغم أن محركات سيارات “تسلا” الكهربائية تحتوي على هذه المغناطيسات الأرضية النادرة، فإن الشركة أوضحت أنها تعمل منذ سنوات على تطوير نسخة من المحركات لا تعتمد عليها.
ويُعد الديسبروسيوم، من نواحٍ عدة، النموذج المثالي للمعادن الأرضية النادرة. واكتشفه كيميائي فرنسي عام 1886، وأطلق عليه اسماً مستمداً من الكلمة اليونانية التي تعني “صعب المنال”.
ورغم أن الديسبروسيوم يُستخرج من مناجم في الصين وميانمار وأستراليا والولايات المتحدة، فإن تحويله إلى مادة صالحة للاستخدام يتطلب عملية مكلفة متعددة الخطوات، كما أن معظم الخبرات المتعلقة بتكرير هذا العنصر تتركز في الصين.
ويُقدر محللون أن الشركات قد خزنت ما يكفي من المغناطيسات والمعادن الأرضية النادرة لتلبية احتياجاتها حتى نهاية مايو الجاري.
وبحسب بيانات حكومية أميركية وشركة الأبحاث “موتور إنتليجنس”، تم تصنيع نحو 900 ألف سيارة كهربائية في الولايات المتحدة العام الماضي.
وتشهد أسعار هذه العناصر بالفعل ارتفاعاً حاداً، فقد ارتفع سعر معدن التيربيوم، وهو معدن نادر آخر يستخدم في المغناطيسات، بنسبة 25% هذا الشهر، وفقاً لما ذكرته نيها موكيرجي، المحللة الصناعية في شركة “بنشمارك مينرال إنتليجنس”.
وقالت جرايسلين باسكاران، مديرة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن “المعادن الأرضية النادرة تُستخدم في كل شيء تقريباً يعمل بالطاقة… والاستخدام الأساسي لها هو في المغناطيسات الدائمة”.
عملية صعبة
ورغم أن هذه المعادن تتوافر بكثرة في الطبيعة، فإن تكريرها وتحويلها إلى شكلها النقي عملية معقدة.
وتُعد هذه المعادن اللبنات الأساسية لكثير من تقنيات العصر الحديث، إذ تدخل في تصنيع كل شيء، من الأقمار الاصطناعية والمقاتلات النفاثة إلى أجهزة التصوير المقطعي ومكبرات الصوت في هواتف “آيفون”.
وقال صانعو السيارات إنهم يعملون حالياً على مراجعة كتالوجات قطع الغيار لمعرفة الأجزاء المتأثرة. وقد وجدوا هذه المعادن مستخدمة في شاشات العدادات، وأنظمة المكابح، وأذرع تغيير السرعة، ومساحات الزجاج الأمامي، بل وحتى في بعض المصابيح الأمامية.
وأفاد مدير لسلسلة توريد سيارات: “لدينا مورد معين يستخدم مغناطيساً في مكون معين داخل السيارة، وهو مشبك حزام الأمان… في حين لا يستخدمه مورد آخر”.
هيمنة صينية
وقال خبراء إن الصين توفر أكثر من 90% من الإمدادات العالمية للمعادن الأرضية النادرة، ولم تتمكن أي دولة أخرى حتى الآن من إنتاجها على نفس النطاق أو بالكلفة ذاتها.
وتفسر الفوضى المحتملة جراء تباطؤ حلقة واحدة من سلسلة التوريد في قطاع السيارات مدى اعتماد صناعة السيارات الحديثة على التجارة العالمية.
كما تُظهر كيف أن مساعي إدارة ترمب لعكس مسار العولمة القائم منذ عقود تكشف عن ثغرات في القطاع الصناعي الأميركي يصعب سدها سريعاً.
وفي حالات كثيرة، تمكن صانعو السيارات من العثور على قطع غيار لا تحتوي على معادن أرضية نادرة، لكن البدائل الجيدة للاستخدام في مغناطيسات المحركات الكهربائية قليلة.
ومن بين البدائل المتاحة، العودة إلى استخدام تقنية أقدم تعتمد على المغناطيسات الكهربائية، والتي كانت تُشغل في السابق النسخ الأولى من سيارة “تسلا” من طراز “موديل إس” الفاخرة. إلا أن الشركة تخلت عن تلك المحركات؛ لأن مغناطيسات العناصر الأرضية النادرة كانت أكثر كفاءة، ما يسمح للسيارات الكهربائية بقطع مسافات أطول بشحنة واحدة.
تحد مزدوج
وتواجه الولايات المتحدة تحدياً مزدوجاً، إذ لا يوجد لديها سوى منجم كبير واحد للديسبروسيوم في ولاية كاليفورنيا.
كما أن منشآت المعالجة بدأت للتو في العمل. ولا يستطيع هذا المنجم وحده تلبية احتياجات المصنعين الأميركيين، ما يتطلب إنشاء العديد من العمليات المشابهة لتقليل الاعتماد على الإمدادات الصينية.
ووفقاً لتقرير صادر عن شركة “ستاندرد آند بورز جلوبال ماركت إنتليجنس”، فإن تطوير منجم جديد في الولايات المتحدة يستغرق في المتوسط نحو 29 عاماً.
أما المشكلة الأكبر، فهي أن الولايات المتحدة لا تمتلك حالياً القدرة على فصل الديسبروسيوم عن الصخور المحيطة به.
ويُضاف إلى ذلك أن التفوق الصيني في عمليات التعدين واستخراج هذه العناصر الثمينة يجعل من الصعب إنشاء مصادر بديلة.
وقالت موكيرجي، من “بنشمارك مينرال إنتليجنس”، إن “تكلفة إنتاج الأوكسيد من الخام في الصين تتراوح بين 11 إلى 15 دولاراً للكيلوجرام الواحد، بينما تصل التكلفة في البرازيل إلى نحو 35 إلى 40 دولاراً للكيلوجرام، وستكون أعلى في الولايات المتحدة أو أستراليا”.
كما أوضحت باسكاران أن هناك “جوانب أساسية من عمليات التكرير لا تعرفها سوى الشركات الصينية”، مضيفة أنها “مشكلة تصاريح، ومشكلة معرفة، ومشكلة تقنية”.