الهند وباكستان على شفا حرب “نووية” وخبير يكشف خفايا ما يجري بآسيا

تشهد العلاقات بين الهند وباكستان توترًا متصاعدًا على خلفية الهجوم الدامي الذي وقع في منطقة بَهَلْغام بإقليم كشمير في 22 أبريل 2025، حيث أودى الهجوم بحياة 26 شخصاً وأصاب العشرات، معظمهم من الهندوس، وقد تبنت جماعة “مقاومة كشمير”، المرتبطة بتنظيم “عسكر طيبة”، مسؤولية الهجوم، وكان كفيلاً بإعادة شبح الصراع المسلح بين القوتين النوويتين، وأثار جملة من التداعيات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي باتت تهدد استقرار جنوب آسيا بأكمله، فهل نشهد حرباً نووية؟
طبيعة التصعيد وأبعاده مقارنة بالأزمات السابقة
لفهم طبيعة التصعيد الحالي ومدى اختلافه عن التصعيدات السابقة بين الهند وباكستان، كشف الكاتب والباحث في الشؤون الآسيوية سمير زعقوق، في حديث مع وكالة “ستيب الإخبارية” أن الهجوم الأخير في كشمير ليس استثناءً من النمط المعروف للصراعات بين البلدين.
ويقول: “مثل هذه العمليات غالبًا ما تتزامن مع زيارات لمسؤولين غربيين رفيعي المستوى، كما حدث مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس للهند بالتزامن مع هجوم بَهَلْغام، مذكرًا بمجزرة تشيتيسينغبورا عام 2000 أثناء زيارة الرئيس بيل كلينتون، وتفجير بولواما عام 2019”.
وأشار “زعقوق” إلى أن تصعيد الهند بعد تفجير بولواما، وما تبعه من غارات جوية، كان مدفوعًا بأهداف انتخابية داخلية أكثر من كونه استجابة أمنية حقيقية. ويضيف: “هذا النمط، يتكرر اليوم، إذ تُستغل الحوادث لتأجيج النزعة القومية وكسب مكاسب سياسية”. وأكد أن الهجوم الأخير سيثني الهند عن المغامرة بعمل عسكري مباشر، نظراً لحساسية الوضع وخطورته.
تعليق معاهدة مياه السند.. أداة ضغط جديدة؟
أعلنت الهند تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند الموقعة عام 1960، والتي تُعد شريانًا حيويًا للزراعة في باكستان، مما أثار مخاوف من “حرب مياه” وُصفت بأنها “عمل حربي” من قبل إسلام آباد.
وحول إعلان الهند تعليق العمل بمعاهدة مياه السند، قال زعقوق: “إن هذا القرار يمثل إعلانًا رمزيًا لحرب مياه ضد باكستان”.
وأوضح أن تهديدات الهند باستخدام المياه كسلاح تظل محدودة الأثر الفعلي، بسبب افتقارها للبنية التحتية اللازمة لحجب مياه النهر عن باكستان، فضلًا عن متانة المعاهدة ذاتها التي صمدت عبر عقود من النزاعات، ومع ذلك، حذر من أن تعليق تبادل المعلومات حول تدفق المياه والسدود قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة في حالات الطوارئ مثل الفيضانات أو الجفاف.
إضافة لذلك صعدت الهند من خلال طرد الدبلوماسيين العسكريين الباكستانيين، وأوقفت إصدار التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، وأغلقت معبر “أَتَّارِيواغه” الحدودي، كما نفّذت القوات الهندية عمليات أمنية مكثفة في كشمير، شملت اعتقال أكثر من 500 شخص، وتفتيش آلاف المنازل، وهدم تسعة منها بحثًا عن مشتبه بهم، وأجرت البحرية الهندية تجارب صاروخية بعيدة المدى كإشارة على الجاهزية العسكرية.
احتمالات المواجهة العسكرية وحدود التصعيد النووي
دعت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش إلى “أقصى درجات ضبط النفس” وحثت على حل الخلافات عبر الحوار، بينما أعربت الولايات المتحدة عن قلقها، ودعت إلى حل “مسؤول” للأزمة، مع تأكيد دعمها للهند، مما أثار مخاوف في باكستان من انحياز واشنطن.
وحول احتمالات نشوب مواجهة عسكرية واسعة، قلل “زعقوق” من إمكانية تحول التصعيد إلى صدام نووي، موضحًا أن الأسلحة النووية بين البلدين تؤدي دورًا رادعًا أكثر من كونها أدوات حرب فعلية.
وأكد أن التصعيدات غالبًا ما تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وجيوسياسية وليس إلى الانزلاق إلى حرب شاملة.
أما عن مواقف الدول الكبرى، فقد أشار “زعقوق” إلى الدعم الواضح الذي تتلقاه الهند من الولايات المتحدة، التي تعتبرها “شرطيها” في جنوب آسيا.
وتطرق إلى تصريحات نائب الرئيس الأمريكي فانس في جايبور، حيث أكد الأخير على ضرورة تعزيز التحالف العسكري مع الهند لمواجهة التهديدات الصينية والروسية، مع الترويج لبيع الأسلحة المتطورة مثل مقاتلات إف35.
وعلى الجانب الآخر، أوضح أن الصين، الحليف التقليدي لباكستان، تدرك أن التفجير الأخير يخدم الهند وليس باكستان، بينما بقي الموقف الروسي باهتًا، ولم يتسم بنفس الفاعلية أو الاهتمام.
وحول تداعيات تعليق التجارة بين الهند وباكستان، أوضح “زعقوق” أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ظلت دومًا هامشية مقارنة بالجوانب السياسية والعسكرية. وأشار إلى أن الجزء الأكبر من التجارة يتم عبر قنوات غير رسمية أو عبر دول ثالثة، وأن حجم التبادل التجاري الرسمي بين البلدين لا يشكل وزنًا كبيرًا، مما يجعل التأثير الاقتصادي للإجراءات الأخيرة محدودًا للغاية.

مصير اتفاقية سيملا في ظل التصعيد
تُعد كشمير محور النزاع بين الهند وباكستان منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، وقد خاض البلدان ثلاث حروب، اثنتان منها بسبب كشمير، وفي عام 2019، ألغت الحكومة الهندية الوضع الخاص للإقليم، مما زاد من التوترات، إلا ان بينمها اتفاقية واضحة للتهدئة موقعة منذ سنوات.
ويقول الباحث عن اتفاقية سيملا: “إن الغاية الأساسية منها وهي تطبيع العلاقات قد تقوضت منذ عقود عبر أحداث مثل حرب كارجيل وعملية ميغدوت والهجوم الجوي عام 2019”. وأكد أن تصعيد اليوم يهدف إلى تسريع صفقات السلاح الدولية أكثر من تعديل الاتفاقيات القائمة أو تفجير حرب شاملة.
أما عن تأثير الأزمة على الحركات الانفصالية في كشمير، فرأى زعقوق أن النشاط المسلح في الإقليم بات شبه معدوم منذ إلغاء الهند للوضع الخاص لكشمير عام 2019. وأوضح أن الجماعة التي تبنت تفجير بَهَلْغام غير معروفة في الوسط الكشميري، مما يرجح أن الحادثة جزء من سردية إعلامية أكثر منها عملًا للمقاومة الحقيقية.
السيناريوهات المستقبلية للأزمة
وخلافاً لما يجري الترويج له يرى زعقوق أن الأزمة الراهنة ستنتهي كما انتهت سابقاتها دون حلول جوهرية، ولكن مع تحقيق الهند مكاسب جيوسياسية جديدة بفضل الدعم الغربي وتسارع صفقات السلاح.
وأكد أن المبالغة في تصور الحرب الشاملة بين الهند وباكستان مبالغ فيه، وأن التصعيد الحالي سيظل محكومًا بحسابات الربح السياسي أكثر من المغامرات العسكرية.
وتُعد العلاقات بين الهند وباكستان من أكثر العلاقات توترًا في العالم، حيث يشكل النزاع حول إقليم كشمير أحد أبرز محاور الصراع المزمن بين البلدين منذ استقلالهما عام 1947. ورغم توقيع عدة اتفاقيات ومحاولات متكررة للسلام، إلا أن المنطقة شهدت سلسلة من المواجهات العسكرية والأزمات الدبلوماسية، كان أبرزها حروب 1947، و1965، و1999.
وفي السنوات الأخيرة، تصاعد التوتر مع تزايد الهجمات المسلحة في كشمير، وسط تبادل الاتهامات بدعم الجماعات المتشددة، وقد زادت خطورة صراع الهند وباكستان نتيجة امتلاك الطرفين للسلاح النووي، مما يجعل أي تصعيد عسكري يحمل خطرًا إقليميًا وعالميًا كبيرًا ربما أن المجتمع الدولي في هذه الظروف لن يقبل باندلاعه.

إعداد: جهاد عبد الله
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية