الإدارة السورية تناور لتفادي ضغوط خارجية

مثلت الشروط الأمريكية الثمانية، ضغوطًا في بعض نقاطها تستدعي من الإدارة السورية إيجاد حلول مع إرضاء أكثر من طرف داخلي وخارجي، رغم أنها كانت متوقعة خلال الأشهر الماضية.
الإدارة السورية أبدت استعدادًا لتلبية بعض المطالب، لكنها تتحدث عن حاجتها لـ”تفاهمات متبادلة” في نقاط أخرى، وفق ما نشرت وكالة “رويترز”، عن مسؤولين غربيين، في 26 من نيسان الحالي.
في ذات الوقت تسعى دمشق لتجنب القلق التركي من ملفات أساسية في البلاد، أبرزها ملف شمال شرقي سوريا.
وفي الجنوب، تتوغل إسرائيل عسكريًا مدفوعة بمخاوف من التغيير الحاصل في سوريا، إذ تنظر إسرائيل لدمشق على أنها محكومة من قبل كيان “جهادي متشدد” وفق ما جاء على لسان مسؤولين فيها خلال الفترة الماضية.
هذه الملفات انعكست سلبًا على الواقع السوري منذ سقوط النظام، إذ توغلت إسرائيل جنوبًا، وعرقلت تركيا تفاهمات مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) كونها لم تراها مطمئنة بالنسبة لها، كما لم تقتنع الولايات المتحدة بعد برفع العقوبات عن دمشق.
مطالب خارجية بأكثر من اتجاه
تلخصت المطالب الأمريكية نحو سوريا بثمانية بنود عرضتها واشنطن لـ”بناء الثقة” مع دمشق، مقابل تخفيف للعقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد النظام السابق.
ووقعت المطالب التي نقلتها وسائل إعلام عربية منها مجلة “المجلة” السعودية، وصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في الجانبين الأمني والعسكري، ومنها ما يتعلق بتنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، والجهاديين الأجانب في صفوف الإدارة السورية الجديدة.
وسرعان ما حدد الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، موقفه من هذه المطالب، معتبرًا أن أي فوضى في سوريا ستضر ليس فقط بالدول المجاورة بل بالعالم أجمع، وذلك خلال مقابلة في العاصمة دمشق مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
واعتبر الشرع أن بعض الشروط الأمريكية “تحتاج إلى مناقشة أو تعديل”، ورفض الخوض في مزيد من التفاصيل.
ولم تكن واشنطن الوحيدة التي تحمل نظرتها الخاصة نحو سوريا، إذ طالبت تركيا أيضًا بتحقيق أربعة بنود على الصعيد الداخلي تنتظرها من دمشق.
وكشفت أنقرة في كانون الثاني الماضي، عن إجماع دولي على أربعة شروط في مرحلة ما بعد بشار الأسد، وهددت بتنفيذ عملية عسكرية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمالي سوريا وسط دعم من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لخطواتها الأخيرة.
وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، حينها، إن الشروط هي: ألا تشكل تهديدًا لجيرانها، وألا تكون مأوى للإرهاب بأي شكل، وخاصة لتنظيمي “الدولة” و”حزب العمال الكردستاني”، وضمان حقوق الأقليات، والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية.
ولفت فيدان إلى أن اثنين من هذه البنود الأربعة لهما أهمية خاصة بالنسبة لبلاده، “أولهما أن تركيا تستضيف نحو 3.5 مليون من أشقائنا السوريين، أي أن أوضاع هؤلاء الإخوة هي قضية مهمة”، والثاني مسألة إنهاء وجود تنظيم حزب (العمال) الكردستاني، و(وحدات حماية الشعب)، في سوريا.
وامتدت مطالب الاتحاد الأوروبي لما هو أبعد من القضايا الداخلية السورية، إذ طالبت بإخراج روسيا من البلاد، وإنهاء وجود قواعدها العسكرية الرئيسية في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وهو ما لم تبد دمشق قبولًا معلنًا حوله حتى اليوم.
خيارات صعبة
لا تزال الإدارة السورية تعمل على تعزيز الأمن الداخلي، في بيئة هشّة، قبل تفاهمات مع أطراف دولية وإقليمية، خصوصًا التماسك اللازم لطرد الجهات “الجهادية القوية”، التي لا يزال صداها مسموعًا في سوريا، وفق ما يراه الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مايكل أريزانتي.
وعلى الجانب الآخر، لا تزال العقوبات الأمريكية تُشكّل عائقًا اقتصاديًا أمام الاستثمارات الحيوية، وتُثني رأس المال الخاص اللازم لإعادة الإعمار، خصوصًا مع الشروط التي طرحتها واشنطن أمام الشرع لرفع العقوبات، وتلك المتعلقة بالتيار الجهادي من الإدارة السورية.
الخبير أريزانتي أضاف، خلال حديثه ل، أن استمرار الوضع على ما هو عليه يشير لوجود حوار مستمر بين دمشق وواشنطن، مع إمكانية تخفيف إضافي للعقوبات في حال استيفاء الشروط، على الرغم من أن التقدم لا يزال بطيئًا بسبب المخاوف بشأن ماضي الشرع الجهادي والديناميكيات الداخلية السورية.
ولفت إلى أن دمشق تواجه خيارات صعبة بين تعميق العلاقات مع روسيا والصين ومصالح الخليج، بالتالي كسب دعم قصير الأجل مع احتمال التضحية بالسيادة على المدى الطويل، والتواصل مع الغرب دون تنفير الداعمين الآخرين، وتحقيق تقدم اقتصادي دون الرضوخ للمصالح الأجنبية.
واعتبر الخبير أن الرئيس الشرع لا يستطيع تخليص سوريا تمامًا من التدخل الأجنبي، لكنه أظهر قدرته على الحد من تأثير هذا التدخل بشكل كبير، وهو ما تظهره الاختراقات الدبلوماسية التي حدثت خلال الأشهر الماضية بإعادة أوروبا والخليج، على قائمة العلاقات مع سوريا، وحتى وصول وفود أمريكية إلى دمشق.
ويرى أريزانتي أن تشكيل تحالف إقليمي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، مع الأردن وتركيا، وتهميش شخصيات متطرفة “بهدوء”، قلّص بالفعل من حرية “الشبكات الجهادية الأجنبية” في العمل علانية.
وشكلت كل من سوريا وتركيا والأردن والعراق، في آذار الماضي، تحالفًا لمحاربة تنظيم “الدولة” الذي أعلن من جانبه عن عدائه للإدارة السورية الجديدة عقب سقوط النظام السوري.
واعتبر التنظيم في كانون الثاني الماضي، أن الفصائل العسكرية المشاركة في عملية “ردع العدوان” (استمرت 11 يومًا وانتهت بإسقاط حكم بشار الأسد)، “بيادق” بيد تركيا والدول الأخرى، وأنها “تنفذ حربًا بالوكالة” بين “البيادق التركية والأذرع الإيرانية”، وقال إن “من يدعو لدولة مدنية في سوريا هو شريك وعميل لليهود والصليبيين وطاغية جديد”.
هل الشرع مستعد للانخراط
خلال حديثه مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، قال الشرع، إن حكومته ستنظر في منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب المقيمين في البلاد منذ سنوات، والمتزوجين في بعض الحالات من مواطنين سوريين، والذين “انضموا إلى الثورة”.
تصريح الشرع جاء مخالفًا للتطلعات الأمريكية والأوروبية، لكنه أكمل حديثه قائلًا، “سوريا التزمت منذ البداية، حتى قبل أن نصل إلى دمشق، بمنع استخدام أراضيها بأي شكل من الأشكال يهدد أي دولة أجنبية”.
الخبير في شؤون الشرق الأوسط، مايكل أريزانتي، قال ل، إن الشرع انتهج منذ أشهر استراتيجية احتواء مبنية على تهميش المتطرفين عن عملية صنع القرار الرسمية، وتقديم عفو محدود عن أطراف سورية، معتبرًا أن هذا النهج لا يشكل حلولًا دائمة، لكنه قد يحتوي المشهد.
وأضاف أن خلفية الشرع الشخصية وولاء القادة له على مستوى القاعدة، يعني أن أي محاولة شاملة لتطهير الإدارة السورية من الأطراف الجهادية قد تُهدد بتفتيت ائتلافه العسكري- السياسي الحاكم.
ولفت إلى أن الاستقلال التام عن النفوذ الخارجي لا يزال بعيد المنال، لكن الدبلوماسية المستمرة والإصلاحات المحددة، والتنازلات الحذرة، تعني أن سوريا قادرة على تخفيف التدخل بما يكفي لاستعادة الاستقرار الأساسي.
واعتبر أن الشرع أظهر قدرة واضحة على مواجهة “تحديات معقدة” بفعالية، بسبب نهجه البراغماتي الذي يعتمد على موازنة العلاقات الإقليمية مع تحسين الأمن الداخلي بشكل مطرد، وهو ما يمثل أفضل أمل لسوريا على طريق استعادة السيادة والاستقرار الحقيقيين.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي