مصر.. مجلس النواب يوافق على مشروع قانون الإجراءات الجنائية

وافق مجلس النواب المصري، الثلاثاء، بشكل نهائي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، بعد جولات من النقاشات والتعديلات على بعض مواده التي أثارت جدلاً واسعاً، وسط اتهامات بانتهاك الخصوصية، بجانب مخاوف من تعارض المواد مع الدستور.
وبعد موافقة المجلس على القانون بشكل رسمي يتم إرساله لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وإذا حصل القانون على موافقة الرئيس يتم نشره في الجريدة الرسمية. ولرئيس الجمهورية في حال اعترض على القانون أن يرده إلى مجلس النواب مرة ثانية.
وقال رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، عقب موافقة الأعضاء وقوفاً على مشروع القانون، إنه وحيث توافرت الأغلبية اللازمة للموافقة على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، لذا أعلن موافقة المجلس نهائياً على هذا المشروع بقانون.
وجاءت موافقة المجلس على مشروع القانون نهائياً بعد موافقته عليه في المجموع خلال جلسة 24 فبراير الماضي، وعقب إعادة المداولة على عدد من المواد في جلسة الاثنين.
وشهدت مناقشات مشروع قانون الإجراءات الجنائية جدلاً كبيراً في مصر، خاصة مع اعتراض نقابات مهنية على بعض نصوص المواد التي تتيح للسلطات مراقبة الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي، كما أثار البعض انتقادات للمشروع بدعوي تعارضه مع الدستور المصري.
وشملت التعديلات التي ناقشها مجلس النواب إضافة مواد، وتعديل أخرى، وتعرَّض المجلس خلال فترة المناقشة إلى انتقادات، من بينها اعتراض عدة نقابات على بعض مواد مشروع القانون الجديد.
وقدَّمت نقابتا المحامين والصحافيين اعتراضات على بعض مواده، فيما استجابت اللجنة البرلمانية لبعضها، كما اعترض نادي القضاة على بعض التعديلات، معتبراً أنها “تخل بنظام الجلسات بالمحاكم، وتغلّ يد القاضي عن فرض النظام داخل الجلسة في حالة الإخلال بنظامها”.
أهم ملامح مشروع القانون
تضمنت أهم ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، النص صراحة على أن لـ”المنازل حُرمة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها، إلا بأمر قضائي مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض منه، مع إضافة قيود على اختصاصات مأموري الضبط القضائي في أحوال القبض وتفتيش المواطنين ودخول المنازل وتفتيشها”، وفق وكالة أنباء “الشرق الأوسط” المصرية الرسمية.
ويتضمن مشروع قانون التأكيد على “اختصاص النيابة العامة الأصيل في تحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، إعمالاً للمادة (189) من الدستور، والحفاظ على الطبيعة الاحترازية الوقائية للحبس الاحتياطي وغايته سلامة التحقيقات، من خلال تخفيض مده ووضع حد أقصى له، واشتراط أن يكون الأمر بالحبس الاحتياطي مسبباً”.
وأكد على “إقرار تعويض معنوي وأدبي عن الحبس الاحتياطي الخاطئ بإلزام النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطياً وكل أمر صادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة الحكومة، مع وضع تنظيم متكامل ومنضبط لحالات التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي”.
كما تضمَّن المشروع “وضْع تنظيم متكامل لنظم الإعلان بما يواكب تطور الدولة نحو التحول الرقمي بجانب الإعلان التقليدي، وإنشاء مركز للإعلانات الهاتفية بدائرة كل محكمة جزئية يتبع وزارة العدل، ومتصل بقطاع الأحوال المدنية لإرسال الإعلانات الهاتفية والإلكترونية، مما يحقق طفرة في نظام الإعلان القضائي في مصر، ومجابهة ظاهرة تشابه الأسماء من خلال إلزام مأموري الضبط القضائي بإثبات بيانات الرقم القومي للمتهم فور تحديد هويته، وإلزام النيابة العامة عند حضور المتهم لأول مرة في التحقيق أن يدون جميع البيانات الخاصة بإثبات شخصيته”.
وتشتمل أهم ملامح مشروع القانون الجديد أيضاً “تقييد سلطة أوامر المنع من السفر والإدراج على قوائم ترقب الوصول، ليكون من اختصاص النائب العام أو من يفوضه، أو قاضي التحقيق المختص، واشتراط أن يصدر أمر المنع مسبباً ولمدة محددة، مع تنظيم آلية التظلم من هذه الأوامر أمام المحكمة المختصة”. كما حدد المشروع مدة للفصل في هذا التظلم “بما لا تجاوز 15 يوماً من تاريخ التقرير به”.
ونَظَّم المشروع كذلك حالات وإجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد وفقاً للتقنيات الحديثة “بما يضمن تبسيط إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة، مع توفير حماية قانونية فعالة للشهود والمبلغين والخبراء والمجني عليهم والمتهمين، وإضفاء مزيد من الضمانات لحق الدفاع من خلال إقرار مبدأ لا محاكمة من غير محام، بما يتيح أن يكون لكل متهم محام حاضر معه، وفي حالة عدم وجود محام ألزم مشروع القانون سلطة التحقيق أو المحاكمة، بأن تندب محامياً للدفاع عن المتهم في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة”.
ونصَّ مشروع القانون على “تفعيل حماية لحقوق المرأة والطفل وتوفير المساعدة اللازمة لذوي الإعاقة والمسنين، وإلغاء الباب الخاص بالإكراه البدني واستبدال الإلزام بالعمل للمنفعة العامة بدلاً عنه”.
كما نظَّم المشروع أحكام التعاون القضائي في المسائل الجنائية بين مصر وغيرها من الدول، وإعادة تنظيم المعارضة في الأحكام الغيابية بشكل يحد منها تخفيفاً للعبء عن كاهل المحاكم وبما يحقق التوازن بين الحق في التقاضي وضمانات حق الدفاع وبين تحقيق العدالة الناجزة.
مواد مثيرة للجدل
تسمح المادتان 79 و116 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، للنيابة العامة بـ”إمكانية مراقبة وتسجيل المراسلات والهواتف الخاصة، والتنصت على الاجتماعات الخاصة؛ بموجب إذن مسبب من القضاء يصدر لمدة 30 يوماً، مع إمكانية تجديدها لمدة أو لمدد مماثلة”.
وحددت التعديلات المطروحة الحالات التي يمكن فيها اللجوء إلى ذلك الإجراء، إذ نصت المادة 79 على تنفيذه “في أي جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على 3 أشهر”.
فيما نصت المادة 116 على أنه “متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في أبواب قانون العقوبات: الأول (الجنايات المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج)، والثاني (الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل)، والثاني مكرر (المفرقعات)، والثالث (الرشوة)، والرابع (اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر)، بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة”.
استحداث بنود
كما استحدث مشروع القانون الجديد عدة بنود، أبرزها، المادة 531 ضمن فصل “المحاكمة عن بُعد”، والتي تنص على أنه “لمحامي المتهم مقابلته والحضور معه في مكان تواجده أثناء إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد”، وهي المادة التي انتقدها المركز العربي لاستقلال القضاء.
وذكر المركز أن هذه المادة “وضعت المحامي تحت وطأة وجوده والمتهم في السجن، أو مراكز الإصلاح والتأهيل، وفصلاً بين المحامي والمحاكم التي فيها عمله وحريته في قول ما يشاء، حيث لا يؤاخذ بما يقوله ويفعله في ساحة القضاء”.
كما استحدث مشروع القانون الجديد مواد للتعويض عن الحبس الاحتياطي، وذلك من المادة 523 وحتى 528.
وتعقيباً على المادة 523 من قانون الإجراءات الجنائية والخاصة بالتعويض عن الحبس الاحتياطي، قال وزير الشؤون النيابية محمود فوزي، “إنها تجربة جديدة، ويُعد دستور 2014 الأول الذي يقر الحق في التعويض عن الحبس الاحتياطي، وأناط بالقانون تحديد حالاته والتعويض تتحمله الخزانة العامة، وتقدره المحكمة حالة بحالة”.
وأضاف فوزي أن “من وضعوا الدستور أدركوا على سبيل المثال أن القضايا التي يُقضى فيها بالبراءة لسبب إجرائي كالبطلان لا تستحق التعويض، لذلك تم تفويض القانون في تحديد تلك الحالات”.
وأشار إلى أن “الحالات التي حددتها اللجنة الفرعية لصياغة القانون تتماشى مع هذه التجربة الحديثة للتعويض عن الحبس الاحتياطي”، لافتاً إلى أنه “لا يمكن تقرير التعويض في القضايا التي انتهت فيها المحكمة إلى عدم كفاية الأدلة، وليس لانتفاء الواقعة، كما أنه في حال كان الشخص محبوساً احتياطياً على ذمة قضية أخرى، فإنه يتم إجراء مقاصة بينهما ان جاز التعبير”.
بينما تنص المادة (524) على أنه “يُرفع طلب التعويض المشار إليه في المادة 523 من هذا القانون بالطرق المعتادة لرفع الدعاوى، ويتبع في شأن إجراءاته والحكم فيه والطعن عليه القواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية”.
المادة 523 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية
تنص المادة 523 على أنه “يستحق كل من حُبس احتياطياً تعويضاً في الحالات التالية”:
- إذا كانت الواقعة محل الاتهام معاقباً عليها بالغرامة، أو جنحة معاقباً عليها بالحبس مدة تقل عن سنة، وكان للمتهم محل إقامة ثابت ومعلوم في جمهورية مصر العربية.
- إذا صدر أمر نهائي بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم صحة الواقعة.
- إذا صدر حكم بات ببراءته من جميع الاتهامات المنسوبة إليه، مبنياً على أن الواقعة غير معاقب عليها، أو غير صحيحة، أو لأي أسباب أخرى، بخلاف حالات البطلان أو التشكك في صحة الاتهام أو أسباب الإباحة أو الإعفاء من العقاب، أو العفو، أو امتناع المسؤولية.
وظهر أول قانون للإجراءات الجنائية في مصر عام 1875 باسم “قانون تحقيق الجنايات”، وكان مأخوذاً من القانون الفرنسي الصادر عام 1810، ثم صدرت مجموعة من القوانين حتى أكتوبر عام 1950، حيث صدر قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وتعرّض لتعديلات كثيرة حتى وصل إلى شكله الحالي.