دور تركيا في مرحلة إعادة إعمار سوريا: تطلعات اقتصادية وإنسانية

اخبار تركيا
أكدت الكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام، أن إعادة إعمار سوريا أصبحت لا تمثل تحديا هائلا أمام السوريين وحدهم، بل يشاركهم في هذا التحدي جيرانهم الأتراك، الراغبون مثلهم تماما في العمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها في ربوع سوريا، وتحقيق الاستقرار المنشود بها.
ورأت الكاتبة في مقال بموقع الجزيرة مباشر أن الاستقرار في سوريا سيؤمن مستوى من الرفاهية ليس فقط للسوريين بل للأتراك أيضا الذين يطمحون في الحصول على الحصة الكبرى من ميزانية إعادة الإعمار، باعتبار أنهم كانوا شركاء في المعاناة التي عاناها السوريون، والآن حان الوقت ليكونوا شركاءهم في مرحلة البناء والتعمير وما يتلوها من رفاهية ورخاء.
وذكرت أن تركيا لا تراهن على مسألة التبادل التجاري، أو تصدير منتجاتها الصناعية والزراعية لسد احتياجات السوريين الراهنة فقط، فخطتها تولي أهمية كبرى لحجم حصتها المنتظر من وراء إعادة تعمير وتأهيل القطاعات التي تضررت من جراء العمليات العسكرية التي قام بها نظام الأسد ضد المدن والقرى السورية المختلفة، مما تسبب في تدميرها وانهيار تام للبنية التحتية بها.
وفيما يلي نص المقال:
في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تواجهها منذ مدة زمنية ليست بالقليلة، نتيجة العديد من العوامل والتطورات، وزيادة التوترات التي تشهدها المنطقة والعالم، تسعى تركيا إلى البحث عن بدائل جيدة تستطيع بموجبها التخفيف من حدة التأثيرات السلبية التي تنعكس على اقتصادها، وتزيد من المعاناة اليومية لمواطنيها.
ويأتي ذلك خاصة بعد الركود الذي بدأ يلقي بظلاله على الحياة الاقتصادية، إذ أفصحت الدراسات والإحصائيات الرسمية عن وجود زيادة ملحوظة في عدد الشركات والأنشطة التجارية التي بدأت تنسحب فعلا من الأسواق نتيجة الضغوط الاقتصادية، وانخفاض قيمة العملة المحلية، مما تسبب في عدم قدرة أصحاب الأعمال على الوفاء بالتزاماتهم سواء اتجاه موظفيهم أو الدولة بسبب الانخفاض الملحوظ في حجم مبيعاتهم.
وفق البيانات الرسمية شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري انخفاضا ملحوظا في عدد تأسيس الشركات الجديدة بنسبة 3.6% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، بينما ارتفع عدد الشركات التي أغلقت أبوابها بنسبة 5.6%، كما ارتفع عدد الشركات المساهمة التي أنهت أعمالها بنسبة 1%، وكانت أعلى نسبة إغلاق من نصيب الشركات التجارية الفردية، وقد بلغت 12.3% عن نفس الفترة.
سجل شهر مارس/آذار الماضي انخفاضا في عدد الشركات المؤسسة بنسبة وصلت إلى 4.7%، بينما تراجعت الشركات التعاونية الجديدة بنسبة 21.2%، وهي معدلات عدت بمنزلة جرس إنذار للتدهور المتوقع أن يزداد خلال الفترة المقبلة إذا لم يتم وضع حلول عملية لمواجهة هذه الظاهرة المحفوفة بالخطر، التي تنذر بزيادة معاناة كل من المواطنين وسوق العمل التركي نتيجة زيادة الأسعار مع تدني قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات البطالة نتيجة إغلاق العديد من الشركات أبوابها، وتقليص بعض آخر لنشاطاته.
وفي سبيل التصدي لهذه الظاهرة، ومنع تفاقمها، وتحقيق هدف الحكومة الرامي للخروج من براثن هذه الأزمة التي تهدد استقرار الدولة، وإفشال سعي أحزاب المعارضة لتوظيفها في إثارة حالة من الغضب بين المواطنين، تنشط تركيا دبلوماسيتها في مختلف إرجاء المعمورة لرفع حجم تجارتها البينية مع دول العالم.
وتسعى لزيادة وجودها التجاري والاقتصادي في الخارج عبر العمل على إقامة شراكات تجارية، وتوسيع نطاق استثماراتها، والاستفادة من الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية للدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة، للاستفادة من العمالة الرخيصة الموجودة بكثافة فيها، إلى جانب كونها سوقا ضخمة لا يمكن تجاهله لتسويق منتجاتها بمختلف أنواعها الصناعية، والزراعية، والعسكرية، وزيادة حجم وارداتها من العملة الأجنبية.
ورغم زيادة حجم التعاون الاقتصادي مع الكثير من دول العالم، وتوقيع عشرات الاتفاقيات التجارية والصناعية، وزيادة حجم الاستثمارات الخارجية، فإن مسألة الدور التركي في عملية إعادة إعمار سوريا يُنظر إليها من جانب المسؤولين الأتراك على أنها الجائزة الكبرى التي تستحقها الحكومة التركية بجدارة، والفرصة الذهبية التي عليها انتهازها لضرب عدة عصافير بحجر واحد. إذ إنها ستستفيد من ذلك:
1 إعادة التوازن لاقتصادها، وخلق حالة من الانتعاش التجاري، والحد من ارتفاع نسب البطالة، ومواجهة تأثير عودة العمالة السورية الماهرة إلى بلادها على سوق العمل المحلي.
2 التأكيد على مدى صحة ما اتخذته من قرارات اتجاه الأزمة السورية على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية، وهي قرارات عانت بسببها أشد المعاناة، ودفعت ثمنها غاليا نتيجة استغلال المعارضة لها، وتوظيفها بصورة سلبية ضدها، مما وضعها في موضع المتهم الذي عليه أن يدافع دوما عن نفسه، ويبرر تصرفاته للجميع داخليا وخارجيا.