ما لا يُقال عن الحرب في سوريا وكشمير

اخبار تركيا
استعرض الكاتب والخبير التركي نيدرت إيرسانال، مقارنة تحليلية بين موقف تركيا من التدخل العسكري في سوريا، وبين كيفية تعامل الهند مع هجوم إرهابي منسوب إلى باكستان، مسلطًا الضوء على التشابه في الحسابات السياسية والعسكرية التي تحكم قرارات الرد.
وأبرز التقرير كيف أن الدولتين، رغم الضغوط الداخلية والتوترات الإقليمية، تتجنبان الانزلاق إلى مواجهة مباشرة بسبب تعقيدات التوازنات الدولية، خصوصًا الدور الأمريكي، والمصالح المتشابكة في مناطق النزاع.
كما يشير الكاتب إلى أن تركيا، رغم استفزازات متكررة شمال سوريا، لا تزال تضبط نفسها تجنبًا للوقوع في فخ يراد له أن يهدد استقرارها ومكاسبها الاستراتيجية. وفيما يلي نص التقرير:
ثمة أوجه تشابه بين تقييم احتمالية نشوب حرب بين الهند وباكستان في عاصمتي البلدين، وبين تأنّي تركيا في اتخاذ قرار التدخل العسكري في ظل التطورات الأخيرة في سوريا.
تركيا، في الوقت الراهن، لا ترغب في اللجوء إلى السلاح، وسنناقش الأسباب…
ولكن دعونا نبدأ من بعيد..
إذا كانت علاقة السبب والنتيجة في هجوم “فالغام” في 22 نيسان تخنق المتابعين لساعات طويلة أمام الخرائط، وتغرقهم في تفاصيل مملة وأحياناً غير ذات صلة إلى حد يدفعهم إلى الندم على اهتمامهم بالموضوع، فلا بد من الاعتراف بأن اللوم لا يقع على المهرجين، بل على من اختار الذهاب إلى السيرك من البداية.
وهؤلاء، غالبًا، لا يستطيعون تفسير ما جرى أو استشراف ما سيجري. لا يعلمون ما الذي تفكر فيه الهند أو تخطط له، ولا يدركون موقف باكستان أو سلوكها. هم فقط يسعون لتحريك المشهد إعلاميًا. بينما يتوقف المسار التالي على تقييم دوافع الهجوم والجهة المستفيدة منه كما أوضحنا في مقالين سابقين.
بعد أن حمّلت الحكومة الهندية، إسلام آباد صراحةً مسؤولية الهجوم ،ألزمت أمام الرأي العام باتخاذ “خطوة ما”. وكان الرأي العام مهيأً لذلك بالطبع.
لكن هذا الرد لا يشترط أن يكون مدمرا بل يجب أن يكون “مقنعًا” ومرضيا للجمهور دون أن يدفع الطرف الآخر إلى التصعيد. وهنا تكمن الصعوبة. حتى هنا يمكن التنبؤ بالأمر..
لكن رئيس الوزراء مودي تصرف بغرابة…
فقد منح القوات المسلحة صلاحية كاملة في تحديد شكل الرد وحجمه وتوقيته وأهدافه! بل ذهب أبعد من ذلك بإثارة الحماس بقوله: “ثقتنا كاملة في الكفاءة والقدرات المهنية لقواتنا المسلحة”.
هذا القرار يحمل دلالة عميقة، إذ ينقل مسؤولية أزمةٍ قد تشعل الشرق الأوسط وغرب آسيا وشرقها، وتربط النزاع بثلاثة أو أربعة أطراف نووية، مثل الصين وروسيا إلى الصراع، من السلطة السياسية المنتخبة إلى الإرادة السياسية المنتخبة.
ولهذا الموقف تفسيران: الأول إذا فشلت القوات المسلحة الهندية، فمن الواضح من سيتحمل المسؤولية. الثاني: إذا شك مكتب مودي في أن للجيش الهندي دورًا أو تواطؤًا أو اعتقد بوجود تقصيركن في الهجوم الإرهابي، فقد يكون القصد تحميله تبعات الرد. ونضيف إلى لائحة الاتهام تصريح رئيس الاستخبارات الهندية: “نأمل في رد قوي”. أليس هذا مثيرًا للاهتمام؟
تلك كانت أبعادًا داخلية. أما على المستوى الخارجي، فلا بد من الاعتراف بأنه لا دول الجوار ولا أي قوة دولية ترغب حقًا في حرب من هذا النوع أو بالأحرى، لا تدعم “حربًا أخرى كهذه”. فجميع الأطراف تمتلك مصالح استراتيجية في كلا البلدين، وقد وثّقنا ذلك مسبقًا. وخلاصة الأمر: في خضم آلام ولادة النظام العالمي الجديد، فإن هذا الصراع غير مقبول.
ولكن، ماذا عن الحماسة الجماهيرية التي غذّتها التصريحات الهندية؟ كيف يمكن ضبط هذا “الميزان”؟ خاصة أنه من الواضح أن باكستان لن تبقى صامتة.
أي أن الخطر الكبير لا يزال قائمًا. ولكن التحليل الأخير وربما الحاسم لكيفية إدارته، وهو مشابه لما يحدث في سوريا؛ هو الرسالة التي تضمنتها عبارات الرئيس ترامب لناريندرا مودي خلال الأزمة: “تسير اتفاقياتنا التجارية معكم بشكل جيد للغاية. ونحن قريبون من التوصل إلى اتفاق بشأن الرسوم الجمركية”.
سيؤدي الاستمرار في التحليل بعد ذلك إلى تعقيد الأمور؛ حيث يتداخل التأثير الأمريكي في المؤسستين العسكرية والاستخباراتية في البلدين، ولمن ينتمون في أمريكا، ورغبات ترامب في السلام، وعقلية كسب النفوذ ضد الصين، دعونا لا نزيد الأمور تعقيدًا…
وفي السياق التركي المتعلق بسوريا، هناك أيضًا تأثير خارجي مشابه…
فالاجتماعات المريبة في القامشلي، وبعض الاضطرابات المحلية، والدول المجهولة التي تحرك الأحداث من الخلف وخاصة إسرائيل كلها تختبر صبر أنقرة.
خصوصًا وأن تركيا قد أعلنت صراحة أنها لن تسمح بأي محاولات لفرض أمر واقع يُجهض التقدم الذي تحقق على الأرض في سوريا. ورغم ذلك، لا تتوقف الاستفزازات. وجود هذا العدد الكبير من الأطراف غير الموثوقة، والسعي إلى تكرار سيناريو العراق في سوريا، إضافة إلى العوامل الخارجية المعروفة، كلها تختبر صبر تركيا.
رغم ذلك، ترفض أنقرة اللجوء إلى السلاح، ليس خوفًا، فقد أثبتت العكس مرارًا، بل للحفاظ على المرحلة التي وصلت إليها، والحفاظ على تقدمها في مشروع “تركيا خالية من الإرهاب” فهذا هو الفخ الإسرائيلي وهو ما يريده تنظيم “بي كي كي/ واي بي جي” الإرهابي، وهذا أيضاً ما لا يريده ترامب.
لقد عبر الرئيس التركي ووزارة الخارجية والدفاع عن استيائهم من الغارات الإسرائيلية بشكل متزامن وواضح. وهذه في حد ذاتها رسالة لمن يعيها.
أما عن وحدة سوريا، فجاء التصريح التالي: “وحدة الأراضي السورية أمر غير قابل للتفاوض بالنسبة لنا. إن تجميع الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع السورية خطوة مهمة تساهم في الحفاظ على وحدة البلاد. الفيدرالية فكرة خيالية لا مكان لها في الواقع السوري. ننصح باتخاذ قرارات تعزز استقرار المنطقة، لا تلك التي تهددها بأحلام فيدرالية. لن نسمح بفرض أمر واقع في منطقتنا، ولن نسمح بأي محاولة تهدد أو تعرض الاستقرار الدائم لسوريا والمنطقة للخطر.
هذا هو الخط الأحمر، ولا غموض فيه.
وصرح الرئيس أردوغان قائلا: “نثمن موقف الرئيس ترامب الذي يأخذ بعين الاعتبار حساسيات تركيا. ونرى بأننا، كقائدين، نتفهم بعضنا البعض في الملف السوري.”
هذه الحقيقة، لا تشير ضمناً إلى وجود اتفاق خلف التطورات التي ترغب بها أنقرة في المنطقة فحسب، بل توصل أيضاً رسالة واضحة إلى واشنطن بشأن “محاولات تقويض المناخ الإيجابي”.