عبدالعزيز بوحجي.. صوت التوعية وإنسانية لا تُنسى – الوطن

د. فوزية يوسف الجيب
حين أكتب عن المرحوم عبدالعزيز محمد يوسف بوحجي رحمه الله فإنني لا أكتب عن شخصية عامة فحسب، بل عن أخ عزيز. عشت مع عائلة الوالد محمد بن يوسف بوحجي في مدينة المحرق، تفاصيل المحبة والاحترام، ولامست عن قرب روحه الطيبة، وخلقه الرفيع، وحنانه العائلي، وحضوره البهيّ في كل مناسبة عائلية واجتماعية ووطنية.
منذ اللحظة الأولى التي دخلت فيها منزل عائلة بوحجي، شعرت وكأنني وُلدت بينهم. لم تكن علاقتي بهم علاقة نسب فحسب، بل علاقة حب وانتماء. وجدت في والدتهم رحمها الله مثال الأم البحرينية الحنون ذات الشخصية القوية، التي تجمع أبناءها وتربيهم على القيم الأصيلة، وتبثّ في البيت روح الاحترام والتكاتف. كانت أمّاً للجميع، بعطفها واحتوائها، وفي حضورها ما يملأ المكان دفئًا وهيبة. أما والدهم، فكان رمزاً للوقار والعقل والحكمة، له مكانة كبيرة في نفوس أفراد العائلة، وكان مرجعاً ومحوراً يُستند إليه في القرارات والمواقف.
ما وجدته في بيت بوحجي هو العائلة البحرينية كما ينبغي أن تكون: متحابون، متكاتفون، كرماء في عطائهم، عميقون في ودّهم، أنقياء في نواياهم. منحوني من محبتهم وثقتهم ما جعلني أعتز وأفتخر بالانتساب إليهم، وبأن يحمل أبنائي هذا الاسم العريق. لم أشعر يوماً أنني “زوجة الأخ”، بل كنت أختاً وبنتاً في آنٍ معاً، لاقيت منهم عطفاً ومودة لا توصف، ولا تُنسى.
لم يكن المرحوم عبدالعزيز (بومحمد) إلا امتداداً لأصلٍ كريم، وتربيةٍ عريقة جذورها في البحرين. فقد نشأ في بيتٍ أسّسه والده الحاج محمد بن يوسف بوحجي، المعروف في المحرق وخارجها كواحد من رجالات البحرين الذين ارتبط اسمهم بمهنة الطواشة وتجارة اللؤلؤ، مهنة الأمانة والدقة، التي تناقلها رجال العائلة جيلاً بعد جيل. كان أباً حكيماً، وقوراً، حاضراً بثقله الاجتماعي، ومحبوباً لما عُرف عنه من كرم اليد ونقاء السريرة، وكان له حضور في المجالس والقلوب على السواء.
أما والدته، شيخة بنت عبدالرحمن بوحجي، فكانت امرأة بحرينية أصيلة، تجمع بين الحنان وقوة الشخصية. كانت سيدة البيت والمربية الأولى، أنشأت أبناءها على مكارم الأخلاق، وربّت فيهم صلة الرحم، والكرم، والاعتزاز بالاسم والانتماء. لم تكن فقط أمّاً لأبنائها، بل كانت أمّاً لكل من دخل بيتها، بما عُرفت به من حنان، واحتواء، وسعة صدر.
وقد ورث الأبناء عن والديهم طيب السيرة، وحسن الذكر، إذ لا يُذكر اسم عائلة بوحجي في البحرين إلا ويُقرن بالكرم، والعطاء، والعمل الصالح. وكان لهذا الصيت امتداد حتى خارج البحرين، حيث ارتبط اسم العائلة بالمواقف الطيبة، والأيادي البيضاء، والخلق الرفيع.
أما المرحوم عبدالعزيز، فقد كان بحقّ انعكاساً لهذه البيئة النبيلة. وُلد في المحرق عام 1943، وتخرّج من كلية الشرطة بالقاهرة عام 1966، ليبدأ بعدها مسيرة مهنية مشرّفة في خدمة وطنه. التحق بوزارة الداخلية عام 1973، بعد عمله في الجمارك، وكان له دورٌ رائد في إدارة المرور، حيث لم يكتفِ بالجانب الإداري، بل جعل من التوعية المرورية رسالة إعلامية واجتماعية، دخل بها قلب كل بحريني.
قدّم بوحجي العديد من البرامج التي أحبّها الناس، مثل “طريق الأمان”، و”المرور والطفل”، و”لمحات من تاريخ المرور”، وغيرها. وكان صوته يحمل الإرشاد والنصيحة، وعقله يحمل الوعي، أما قلبه فكان يحمل المحبة الصادقة لهذا الوطن وأبنائه، بلهجته المحرقية الأصيلة.
لم يتوقف عطاؤه بعد التقاعد، بل واصل رسالته بجدٍّ ومحبة، فكان وجهاً إعلامياً محبوباً، ومصدر فخر لعائلته ولكل من عرفه، ومشاركاته في المؤتمرات الخليجية والعربية عزّزت حضوره كخبير مروري، وخير ممثل للبحرين في المحافل الخارجية.
وعلى الصعيد العائلي، كان المرحوم عبدالعزيز الأخ الحنون، الذي يلمّ الشمل، ويواسي، ويحتوي. لا يتوانى عن السؤال والدعم والمساندة، وكان لكل من حوله مصدر طمأنينة، يفيض بالحكمة والدعابة في آنٍ معاً. أبناء إخوته أحبوه حباً لا يوصف، وكان لهم أباً ثانياً بحق.
رحل عبدالعزيز بوحجي فجر السبت 26 أبريل 2025، عن عمر ناهز 82 عاماً، تاركاً وراءه سيرة نقية، وقلوباً كثيرة تبكيه، وتدعو له.
عبدالعزيز بوحجي لم يكن رمزاً في العطاء والتوعية فحسب، بل هو قدوة في الإنسانية والخلق الرفيع. وستبقى ذكراه حيّة فينا، وفي من أحبوه من أهل البحرين وخارجها.
رحمك الله يا أخي العزيز بومحمد وأسكنك فسيح جناته.