استراتيجية القنفذ تايوان تستنفر دفاعاتها تحسبا غزو صيني 2027

شرعت القيادة التايوانية في إصلاحات عاجلة وشاملة على مستوى الدفاعات العسكرية للجزيرة، في إطار استعدادات لاحتمال غزو صيني مرتقب في عام 2027، وذلك بهدف واحد يتمثل في الصمود بما يكفي حتى وصول الدعم العسكري الأميركي، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وتسعى تايوان إلى التخلي عن تركيزها الطويل على تجهيز الجزيرة لحرب تقليدية، وبدلاً من ذلك، تسابق الزمن لبناء دفاعات غير متماثلة حديثة، تهدف إلى جعل الجيش الصيني، الأقوى بفارق كبير، يتردد قبل شنّ أي هجوم.
وإذا لم تنجح في ردعه، فإن خطتها تقوم على إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر به، لإبطاء تقدمه وكسب الوقت إلى حين وصول الدعم من الولايات المتحدة، لكن كثيرين يشكّكون في قدرة الجزيرة ذاتية الحكم، التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها، على أن تكون جاهزة خلال عامين فقط، نظراً للتغييرات الجذرية التي تسعى إلى تنفيذها.
وفي الوقت نفسه، يسعى قادة تايوان إلى إظهار الجهود التي يبذلونها للرئيس الأميركي دونالد ترمب، لضمان تدخل عسكري أميركي في حال تعرّضت البلاد لهجوم صيني، خاصة بعد تصريحاته التي قال فيها إن تايوان بحاجة لبذل المزيد في مجال الدفاع عن نفسها.
“استراتيجية القنفذ”
وتركّز تايوان حالياً على بناء مستويات من الدفاعات الساحلية لصدّ أي غزو برمائي، ويتضمن ذلك تخزين أسلحة جديدة، وتوسيع الجيش وتدريبه على استخدامها، كما تعمل البحرية التايوانية على إنشاء قيادة ساحلية، في تحوّل عن التركيز التقليدي على السيطرة البحرية إلى التركيز على صدّ الهجمات القادمة من البحر.
وتعتمد هذه الاستراتيجية الشاملة على ما يُعرف بـ”استراتيجية القنفذ”، التي تقوم على إنشاء نقاط مقاومة موزعة في جميع أنحاء الجزيرة، بهدف ردع خصم أكثر قوة وإلحاق أكبر قدر ممكن من الأذى به.
وقال وزير الدفاع التايواني، ويلينجتون كو، في وثيقة استراتيجية دفاعية نُشرت في مارس الماضي: “من خلال هذا التعزيز العسكري القوي المستند إلى أساليب غير متماثلة، ستدرك الصين أن أي محاولة لغزو تايوان لن تكون مكلفة فحسب، بل ستبوء بالفشل أيضاً”.
بدوره، قال أليسيو باتالانو، أستاذ الحرب والاستراتيجية في شرق آسيا بكلية كينجز لندن، إن “استخدام أسلحة أرخص ثمناً وأسرع في النشر سيكون عنصراً حاسماً في صدّ الصين”.
وبحسب الصحيفة، تأثرت الاستراتيجية التايوانية جزئياً بنجاحات أوكرانيا في صدّ الغزو الروسي، إذ تخطط تايوان لشراء أكثر من 3200 طائرة مسيّرة من شركات محلية خلال خمس سنوات لتعزيز الإنتاج المحلي، في خطوة تحاكي تجربة كييف في تطوير طائرات مسيّرة محلية، ضمن قطاع تهيمن عليه الصين حالياً.
ومن الدروس الأخرى المستفادة من الحرب الأوكرانية أن الأسلحة والذخيرة يمكن أن تنفد بسرعة، وبما أن تايوان جزيرة، فإن إعادة الإمداد سيكون تحدياً كبيراً، إذا ما فرضت الصين حصاراً عليها.
وقال نائب وزير الخارجية التايواني، تشين مينج تشي، في ديسمبر الماضي، قبل توليه منصبه الحالي: “نحن بحاجة بالتأكيد إلى زيادة مخزوناتنا من صواريخ الدفاع الجوي والصواريخ المضادة للسفن”، لكن العقبات أمام هذه الاستراتيجية الجديدة كبيرة.
ومع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ازدادت الضغوط على تايوان، فقد دعا هو وأعضاء في إدارته، تايوان، إلى تخصيص ما يصل إلى 10% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، وهو مطلب يصعب تحقيقه، خاصة أن الإنفاق العسكري التايواني ظل لسنوات عند حدود 2% فقط.
كما أن اعتماد تايوان على شراء أسلحة أصغر حجماً وأقل كلفة، والمناسبة لحرب غير متماثلة، قد يصعّب عليها تلبية هذا الهدف المالي الطموح.
وكان الرئيس التايواني لاي تشينج تي، قد أعلن في مارس الماضي، عزمه رفع الإنفاق العسكري إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام، إلا أنه يواجه معارضة برلمانية من سياسيين يؤيدون نهجاً أكثر ودية تجاه بكين.
تحديات الموارد البشرية
ومن أبرز التحديات التي تواجه الجيش التايواني، مسألة النقص في الأفراد، فقد حدّدت تايوان هدفاً يتمثل في بناء قوة قوامها نحو 215 ألف جندي، وهو عدد لا يُقارن بالجيش الصيني، الذي يبلغ قوامه قرابة مليوني جندي.
وبحسب وزارة الدفاع، فقد كانت نسبة إشغال الوظائف العسكرية 78% فقط مع نهاية العام الماضي، ويعود هذا العجز إلى صعوبة جذب مجندين من بين الشباب المتعلم، الذي نشأ في بيئة اقتصادية مزدهرة وفي ظل سياسة تقليل الطابع العسكري للمجتمع.
في المقابل، يتراجع عدد من يمكن تجنيدهم إجبارياً، بسبب انخفاض معدل المواليد في تايوان، الذي يُعد من بين الأدنى في العالم.
وجرى رفع مدة الخدمة العسكرية الإلزامية العام الماضي إلى 12 شهراً (ثلاثة أضعاف المدة السابقة)، ولجعل الخدمة أكثر جذباً، رفعت الحكومة رواتب الجنود بنسبة 3%، ما يعادل نحو 400 دولار شهرياً، وقامت بتحسين ظروف الإقامة في الثكنات.
وتُنفذ حالياً حملة تجنيد تشمل إعلانات على الحافلات في قلب العاصمة تايبيه، تُظهر ثلاثة طلاب عسكريين بزيّهم الرسمي تحت شعار: “حافظ على الوطن… وابنِ حياة استثنائية”.
وتعمل القوات المسلحة أيضاً على تحديث قوات الاحتياط، خصوصاً من خلال تحسين القدرة على تعبئتهم بسرعة عند الحاجة، كما أُعيد توجيه التدريبات لتواكب الاستراتيجية الدفاعية الجديدة. ففي السابق، نادراً ما كان المجندون يغادرون قواعدهم للتدريب أو يستخدمون أسلحة متقدمة.
أما الآن، فتقوم تايوان بشكل متزايد بتدريب الجنود على استخدام الطائرات المسيّرة وصواريخ متقدمة مثل صواريخ “ستينجر” المضادة للطائرات، في مواقع يُفترض أن تكون مسارح محتملة للدفاع عن الجزيرة.
التنسيق مع الولايات المتحدة
وحتى يكون الجيش التايواني قادراً بشكل فعلي على صدّ أي هجوم صيني، فإنه بحاجة أيضاً إلى معرفة كيفية التنسيق مع القوات الأميركية في حال حدوث أزمة.
ووفق المحلل الدفاعي تشيه تشونج، فإن التنسيق بين الولايات المتحدة وتايوان، “ما زال في طور التعلم، وهما بعيدتان حتى الآن عن القدرة على تنفيذ عمليات مشتركة متكاملة”.
وقال نائب وزير الخارجية، تشين، إن “تايوان بحاجة إلى تعاون أوثق بكثير مع الولايات المتحدة”، مضيفاً: “ليس لدينا خبرة تُذكر في الحروب، لذلك علينا أن نتعلم من الدول الأكثر خبرة”.
كما أن تايوان بحاجة لأن تتأكد من أن القوات الأميركية ستتدخل فعلاً في حال نشوب حرب، ومع أن بعض المسؤولين في تايبيه أبدوا قلقهم بعد أن تخلّى ترمب عن دعم أوكرانيا، فإنهم باتوا الآن أكثر ثقة في أن لديهم دعم الرئيس الأميركي الحالي، خاصة مع تصاعد المواجهة بين واشنطن وبكين.
ورغم أن بعض الخبراء العسكريين يرون أن الصين لم تصل بعد إلى مرحلة الاستعداد الكامل لتجاوز العقبات الجغرافية والعسكرية المرتبطة بغزو تايوان، فإن المناورات العسكرية الأخيرة التي أجرتها بكين، والتي تحاكي فرض حصار على الجزيرة، أثارت قلق تايبيه من احتمال أن تكون هذه التدريبات مقدمة لهجوم فعلي.