المراجعة الخامسة لبرنامج صندوق النقد.. ماذا ينتظر اقتصاد مصر

تشهد مصر، خلال الفترة الحالية، زيارة وفد من صندوق النقد الدولي لإجراء المراجعة الخامسة للقرض الذي حصلت عليه القاهرة، والتي تشكل أهمية في مسار تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من المؤسسة الدولية، في إطار سعيها المستمر لتعزيز استقرار الاقتصاد وتحقيق نمو مستدام.
ومن خلال المراجعة، يُقيّم الصندوق مدى التزام مصر بتنفيذ السياسات الاقتصادية، تمهيداً لإصدار قرارات حاسمة بشأن تقديم دفعات جديدة من القرض، في الوقت ذاته، تثير هذه الإصلاحات العديد من التساؤلات بشأن تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً في ظل التحديات الراهنة التي تواجهها البلاد.
لماذا يراجع صندوق النقد مسار برنامج الإصلاح في مصر؟
المراجعات المتتالية تشكل جزءاً أساسياً من التفاهم بين مصر والصندوق، والتي تركز على تقييم تنفيذ السياسات الاقتصادية المتفق عليها، كما تُعد المراجعة حاسمة؛ لأنها تحدد ما إذا كانت مصر ستتلقى دفعة جديدة من القروض المطلوبة لاستكمال البرنامج.
وتتناول المراجعة بعض الملفات بما في ذلك تخارج الدولة من بعض الأنشطة، والتوقف عن مزاحمة القطاع الخاص ليؤدي دوراً أكبر في النشاط الاقتصادي بما يخفف من عبء الديون الحكومية. كما أن مسألة مرونة سعر الصرف أيضاً دائماً ما تكون حاضرة في المناقشات بين الحكومة المصرية والصندوق، بالإضافة إلى الإصلاحات الضريبية والمؤسسية.
ما الهدف من المراجعة الخامسة، وتأثيراتها المتوقعة على الاقتصاد المصري؟
تأتي المراجعة الخامسة في إطار البرنامج الموقع مع الصندوق، بعدما وافق مطلع أبريل الماضي، على صرف الشريحة الرابعة من القرض بقيمة 1.2 مليار دولار، إثر موافقة مجلس المديرين التنفيذيين على نتائج المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه مصر.
في مارس 2024، تمكنت مصر من زيادة قيمة القرض من 3 إلى 8 مليارات دولار، ما مكّنها من جذب تمويلات واستثمارات ساهمت في الخروج من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد بداية 2022.
وفي 16 فبراير الماضي، قالت كريستالينا جورجييفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد، إن الصندوق سيظل يدعم الاقتصاد المصري، بالتزامن مع تنفيذها الإصلاحات الاقتصادية.
وأشارت حينذاك في مقابلة مع “الشرق” إلى أن “المسائل السياسية خارج اختصاصها”، في إشارة إلى ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب على مصر بشأن تهجير جزء من سكان غزة إليها.
ما التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري في ظل المراجعة؟
يرى صندوق النقد الدولي مشكلتين أساسيتين تهددان الاستقرار الاجتماعي في مصر، هما التضخم الذي يؤثر على الفئات الأكثر ضعفاً، وغياب فرص العمل الذي يؤثر على الطبقة الوسطى، حسبما أشار مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور لـ”الشرق” في مطلع مايو.
ويعمل الصندوق من خلال البرنامج الذي يدعمه لفائدة مصر، بحسب أزعور، على 3 أهداف هي رفع مستويات النمو، وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر في النشاط الاقتصادي، إضافة لمعالجة مشكلة التضخم.
وتعهدت مصر ببيع أكثر من 24 أصلاً في حوزتها ضمن خطة مدعومة من صندوق النقد تهدف إلى تقليل الدور الكبير للدولة في الاقتصاد مع جذب الأموال الأجنبية الضرورية، وفق “بلومبرغ” في أكتوبر الماضي.
ما الآثار الاجتماعية للإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها بين مصر وصندوق النقد؟
تتطلب الإصلاحات الاقتصادية التي ينفذها برنامج صندوق النقد الدولي تقليص الدعم الحكومي لبعض السلع والخدمات الأساسية مثل الوقود والكهرباء، ما يؤدي إلى زيادة الأسعار في السوق المحلية.
قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 20 أكتوبر 2024 إن الاتفاق مع صندوق النقد يُنفذ في ظل “ظروف إقليمية واقتصادية صعبة للغاية”، في إشارة إلى الصراعات حينذاك بين إسرائيل، و”حماس”، و”حزب الله”، وإنه سيكون من الضروري مراجعة الاتفاق إذا أصبحت الضغوط المالية لا تُطاق بالنسبة لعموم المصريين.
وفي 11 أبريل الماضي، رفعت مصر، للمرة الثانية خلال 6 أشهر، أسعار المواد البترولية، متوقعة أن تحقق وفراً قدره 35 مليار جنيه في ميزانية السنة المالية الحالية 2024-2025. وبلغت قيمة دعم المواد البترولية خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2024-2025 نحو 71 مليار جنيه، بحسب التقرير النصف السنوي لوزارة المالية. كما سبقت ذلك زيادة سعر رغيف الخبز المدعم بنسبة 300% في مايو 2024، وهي أول زيادة من نوعها منذ أكثر من ثلاثة عقود، وربطا العديد من المحللين بتطبيق مصر لشروط برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعه صندوق النقد.
كما أن معدل التضخم في مدن مصر تسارع خلال مارس الماضي، ليبلغ 13.6% على أساس سنوي مقابل 12.8% في فبراير، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو أول تسارع لأرقام التضخم خلال آخر 6 أشهر، متأثراً بعوامل مثل زيادة أسعار الوقود، وتذاكر وسائل النقل العام، بما في ذلك القطارات ومترو الأنفاق.
وفي وقت سابق من العام، أطلقت مصر حزمة اجتماعية جديدة لدعم الفئات المتضررة من ارتفاع الأسعار بقيمة 200 مليار جنيه (نحو 4 مليارات دولار) بحسب مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء.
كيف يرى الصندوق مستقبل الاقتصاد المصري؟
رفع الصندوق مؤخراً توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في مصر بمقدار 0.2% للعامين الجاري والمقبل، في الوقت الذي خفض فيه تقديراته لنمو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل في العامين.
كما دعا صندوق النقد الدولي مصر في مطلع مايو، إلى أن تتوخى الحذر في مسار خفض أسعار الفائدة، في ظل الضبابية العالمية الناتجة عن قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأخيرة بشأن الرسوم الجمركية.
وكانت مصر خفضت أسعار الفائدة، الشهر الماضي، لأول مرة منذ نحو 5 سنوات، بعد تراجع معدل التضخم السنوي إلى 13.6%، أي أقل من نصف الذروة التي بلغها في سبتمبر 2023.
وفي مارس 2024، رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة إلى مستوى قياسي بالتزامن مع تخفيض قيمة الجنيه بأكثر من 40%. وبقيت الفائدة دون تغيير حتى خفضها، الشهر الماضي، بواقع 225 نقطة أساس إلى 25%.
شهدت السوق المحلية في مصر خروج تدفقات أجنبية بأكثر من مليار دولار في أبريل، بحسب تقديرات “جولدمان ساكس”، بعد إعلان ترمب عن رسوم جمركية جديدة، ما أثار اضطرابات مالية عالمية.
وسجّل الجنيه المصري أدنى مستوياته التاريخية عقب التطورات، قبل أن يقلّص بعض خسائره. وتخضع مصر للحد الأدنى من الرسوم الجمركية الأميركية، والمقدرة بـ10%. ورغم الخفض الأخير، يبقى معدل الفائدة الحقيقي –المعدل حسب التضخم– من بين الأعلى عالمياً، عند نحو 11.5%.
ونما الاقتصاد المصري خلال الربع الثاني من السنة المالية الحالية (2024/ 2025) بأسرع وتيرة فصلية منذ أكثر من عامين عند 4.3%، بدعم من قطاعي الصناعات التحويلية والسياحة، على الرغم من استمرار تراجع إيرادات قناة السويس؛ بسبب التوتر في البحر الأحمر.
هذا المحتوى من “اقتصاد الشرق”.