الشرع “يغازل” ترامب بـ “صفقة كبيرة”.. خبراء يكشفون ما طرحته دمشق على واشنطن وما المقابل؟

كشفت وسائل إعلام أمريكية عن عرض يسعى الرئيس السوري أحمد الشرع لتقديمه إلى نظيره الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته للشرق الأوسط، كمبادرة حسن نية لتحسين الثقة بين الجانبين وتحقيق مصالح متبادلة، ويبدو أن ذلك لاقى دعماً عربياً، فيما كشف خبراء لـ”وكالة ستيب نيوز” إمكانية تطبيق ذلك ورؤية واشنطن التي لا تزال يشوبها “الغموض” تجاه دمشق.
ماذا يريد الشرع من ترامب؟
قالت وسائل إعلام أميركية إن المهمة الأكثر إلحاحاً التي تقع على عاتق الشرع تتمثل في إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب “المتشككة”، بأن التغير الذي طرأ على مفاهيمه حقيقي، وبالتالي فهو يتطلع إلى رفع العقوبات التي تعيق إعادة إعمار بلاده.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الحكومة السورية أقدمت في الآونة الأخيرة على اعتقال ناشطين فلسطينيين بطلب من الولايات المتحدة، وبعثت برسائل عبر وسطاء إلى إسرائيل تفيد برغبتها في تجنب الدخول في حرب، في وقت نشر فيه قادة الجيش الإسرائيلي قوات في جنوب سوريا، وقصفت إسرائيل محيط القصر الرئاسي في دمشق الأسبوع الماضي.
وأكدت الصحيفة أن الشرع يسعى إلى كسب دعم واشنطن، من أجل إعادة إعمار سوريا، مشيرة إلى أن الشرع اتخذ إجراءات ملموسة لتلبية المطالب الأميركية.
وأوضح مسؤولون سوريون، أن الشرع يرغب في الاجتماع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتبادل الآراء في شأن إعادة إعمار سوريا على غرار “خطة مارشال”.
وتوقعت “وول ستريت جورنال”، أن الشركات الأميركية والغربية ستتغلب على نظيراتها من الصين والقوى الأخرى للظفر بعقود المشاريع في سوريا.
وتطرقت الصحيفة إلى بادرة قام بها الرئيس التنفيذي لشركة “آرغينت” للغاز الطبيعي المسال والمؤيد لترامب جوناثان باس، الذي سافر الأسبوع الماضي، ليعرض على الشرع خطة لتطوير موارد الطاقة في البلاد مع شركات غربية وشركة نفط وطنية سورية جديدة مدرجة في البورصة الأميركية. وهي فكرة رد عليها الشرع بشكل إيجابي، لكن تنفيذها لن يكون ممكناً إلا إذا خففت العقوبات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية السورية، قوله إن سوريا الجديدة “تسعى إلى بناء علاقة استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة والشراكة، بما في ذلك في مجال الطاقة والعلاقات الاقتصادية الأخرى”. وأضاف أن “دمشق تأمل أن تصبح حليفة مهمة لواشنطن ومؤثرة خلال المرحلة المقبلة في سوريا.
بدوره، قال باس: “لدينا فرصة لإخراج الروس والإيرانيين والصينيين من سوريا إلى الأبد وإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية”.
خطة مارشال بسوريا هل هي قابلة للتطبيق؟
يرى الصحفي والمحلل السياسي، ماجد عبد النور، في حديث مع وكالة “ستيب نيوز” أن المقارنة بين الوضع الراهن في سوريا وخطة مارشال التي أطلقتها الولايات المتحدة لإعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، لا تستند إلى أي أساس منطقي.
ويشرح أن خطة مارشال كانت مشروعاً أميركياً سياسياً واقتصادياً متكاملاً لإنقاذ أوروبا الغربية من آثار الحرب، لكنها في الوقت ذاته كانت أداة لربط القارة العجوز بالولايات المتحدة على المدى الطويل. ويضيف: “منذ تنفيذ تلك الخطة وحتى اليوم، يمكن القول إن واشنطن مارست نوعاً من السيطرة السياسية على أوروبا الغربية”.
ويشير عبد النور إلى أن أحد الأهداف المحورية للخطة كان مواجهة التوسع الشيوعي في تلك المرحلة، إذ دخلت الولايات المتحدة في صراع أيديولوجي مباشر مع الاتحاد السوفييتي، ما دفعها لإنعاش أوروبا الغربية اقتصادياً كجبهة ضد النفوذ الشيوعي. أما سوريا اليوم، فلا تمثل في نظر واشنطن ساحة مشابهة لذلك الصراع، ولا تملك، بحسب تعبيره، ما يشكل حافزاً استراتيجياً كافياً يدفع الولايات المتحدة نحو مبادرة مشابهة.
لكن المحلل السياسي ملهم الجزماتي يرى خلال حديث لـ”ستيب نيوز” أن فكرة تطبيق نموذج مشابه لخطة مارشال في سوريا ما بعد الأسد تظل مطروحة للنقاش، على الرغم من أنها ما تزال بعيدة عن التنفيذ في الوقت الحالي.
ويوضح أن هناك مصالح استراتيجية أمريكية في استقرار سوريا بهدف تقليل النفوذ الإيراني ومحاربة تنظيم داعش، لكنه يشير إلى أن قضايا مثل حماية حقوق الإنسان، والانتقال الديمقراطي، والشفافية، والعلاقات مع إسرائيل، لا تزال موضع نقاش بين الطرفين، ما يجعل من المبكر الحديث عن خطة مارشال فعلية قبل حسم هذه القضايا.
أما السياسي والدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، فيضيف بعداً سياسياً مختلفاً، إذ يقول لـ”ستيب نيوز: “إن سوريا لا تملك الكثير من العروض المغرية التي قد تثير اهتمام ترامب بشكل مباشر، لكن مجرد تقديم العرض للأمريكي بفكرة خطة مارشال يحمل دلالة سياسية مهمة، ورسالة جديدة مفادها أن هناك حكومة في سوريا تسعى إلى أن تكون جزءاً من المنظومة الغربية والتحالفات الدولية، بما تحمله من قيم سياسية واقتصادية.
ويضيف بربندي: “لم تسمع أمريكا مثل هذه الرسالة من القيادة السورية منذ عقود طويلة، وهذا بحد ذاته تطور لافت”.
ويتابع: “ترامب قد لا يبدي اهتماماً مباشراً بمثل هذا العرض، لكنه قد يشكل فرصة لأولئك داخل إدارته ممن يدعمون فكرة إعطاء فرصة للقيادة السورية الجديدة لاختبار نواياها”.
ترامب رجل صفقات… لكن ما الذي يمكن أن يجذبه في سوريا؟
فيما يتعلق بإمكانية انخراط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تسوية أو صفقة ترتبط بسوريا، يعتبر ماجد عبد النور أن ترامب، وإن كان رجل أعمال بطبعه، لا يرى في سوريا ما يغريه اقتصادياً أو سياسياً.
ويقول: “ربما نشهد تحركات عبر وساطات خليجية أو تركية، ولكن من دون مضمون اقتصادي مغرٍ، لا أعتقد أن ترامب سيهتم بسوريا في العمق”.
من جانبه، يؤكد ملهم الجزماتي أن ترامب معروف بتركيزه على المنافع الاقتصادية في مقاربته للسياسات الخارجية، ومن المرجح أن أي انخراط مستقبلي أميركي في الملف السوري سيكون له بعد اقتصادي قوي.
ويضيف: “ملف إعادة الإعمار يُعد من أبرز الملفات التي قد تثير اهتمام ترامب أو حلفائه، وقد يكون للشركات الأميركية دور محوري في تنفيذ مشاريع الإعمار، فضلًا عن الطموح الأميركي في الاستفادة من الثروات الطبيعية في سوريا، كالنفط والغاز، إما بشكل مباشر أو عبر شركاء محليين”.
هل تتغير السياسة الأميركية تجاه سوريا؟
يصف عبد النور الإدارة الأميركية الحالية بأنها “يمينية متطرفة” وتتقاطع بشكل كبير مع الرؤية الإسرائيلية حيال سوريا، موضحاً أن واشنطن لا تزال تنظر إلى الملف السوري بعين تل أبيب. ويرى أن إسرائيل لا ترغب برفع العقوبات عن سوريا أو استقرارها السياسي، وأن الولايات المتحدة خصوصاً إدارة ترامب تستجيب لهذه الرؤية.
أما ملهم الجزماتي، فيرى أن بعض المؤشرات ظهرت مؤخراً تشير إلى تغيير محتمل في السياسة الأميركية، وإن كان بحذر شديد.
ويشير إلى خطوات لافتة مثل موافقة وزارة الخزانة الأميركية على تقديم قطر منحة مالية لسوريا بقيمة 29 مليون دولار، ومنح تأشيرات لعدد من المسؤولين السوريين، ما قد يعكس مرونة محدودة في بعض الملفات الإنسانية والمالية، ولو أنها لا ترقى بعد إلى مستوى التحول السياسي الكامل.
لقاء الشرع ترامب هل يحصل؟
حول إمكانية عقد لقاء مباشر بين ترامب وأحمد الشرع، يراها عبد النور فكرة مستبعدة للغاية، حتى في ظل ضغوط من دول إقليمية مثل السعودية، ويرى أن إدارة ترامب لا تملك الإرادة السياسية لذلك، وقد يكون أقصى ما يمكن تصوره هو تعامل غير مباشر على غرار النموذج الأفغاني.
ويشاركه الجزماتي هذا الرأي، لكنه يضيف: “رغم استبعاد عقد لقاء علني، لا يمكن استبعاد لقاءات غير معلنة بين مسؤولين رفيعي المستوى من الطرفين في حال توفرت ظروف إقليمية مناسبة”.
https://www.youtube.com/watch?v=5Gqaez1zNU
السياسة الأميركية تجاه سوريا… إلى متى تبقى غامضة؟
يختم عبد النور بالإشارة إلى أن أي تقدم في العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة يبقى مرهوناً بمدى التقدم في المفاوضات السورية الإسرائيلية، ويقول: “إذا تحقّق اختراق في هذا الملف، فقد نشهد خطوات نحو الانفتاح مع واشنطن، لكن هذا يبقى رهناً بإرادة تل أبيب، لا بقرار واشنطن وحدها”.
أما الجزماتي، فيرى أن توضيح السياسة الأميركية تجاه سوريا قد يستغرق عدة أشهر وربما حتى نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل، مشدداً على أن المشهد الأميركي مرتبط بعدة ملفات متشابكة يصعب فكها بسهولة.
ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصدد القيام بجولة على دولة عربية هي السعودية والإمارات وقطر، بعد أيام وتحدث على أنها ستحمل في طياتها “مفاجآت” كبيرة، بالقوت الذي تقدم الدول العربية الثلاث دعماً سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً كبيراُ للإدارة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر العام الماضي.
إعداد: جهاد عبد الله
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية