“حراس البوابة”.. الميكروبات تتحكم في إدارة فسفور التربة

كشف فريق بحثي دولي عن دور محوري تلعبه الميكروبات في إدارة عنصر الفسفور داخل التربة، وذلك بعد تحليل طبقات متعاقبة من التربة في كثبان ساحلية، تعود إلى 700 ألف عام.
وتلقي الدراسة، المنشورة في دورية “نيتشر جيوساينس” (Nature Geoscience) الضوء على آليات بيئية غير مرئية، تشكل أساس التنوع البيولوجي في بعض أغنى النظم البيئية في العالم.
ويلعب الفسفور الموجود في التربة دوراً أساسياً في دعم نمو النباتات ووظائفها الحيوية؛ إذ يُعد عنصراً ضرورياً لعملية التمثيل الضوئي، وتكوين الطاقة، وبناء الجزيئات الحيوية مثل الأحماض النووية والأغشية الخلوية.
ولا يمكن للنباتات الاستغناء عن الفسفور، ورغم وجوده بكميات صغيرة نسبياً في التربة، إلا أن توفره يحدد، بشكل كبير، إنتاجية النظام البيئي.
ويمكن أن يحد تراجع مستوياته، خاصة في التُربات القديمة، أو المتآكلة، من نمو النباتات، وأن يؤثر على السلسلة الغذائية بأكملها.
الكائنات الدقيقة
وقال الباحثون إن الكائنات الدقيقة تستخدم استراتيجيات ذكية للبقاء في بيئات شديدة الفقر بالعناصر الغذائية.
وذكرت الدراسة أن الكائنات المجهرية -مثل البكتيريا والفطريات- تُعيد تدوير المغذيّات الأساسية، وعلى رأسها الفسفور، من خلال تفكيك المواد العضوية، وتعديل تركيب أغشيتها لتقليل اعتمادها عليه، ما يسمح بتوفيره للنباتات.
كما تلعب هذه الميكروبات دوراً في تثبيت النيتروجين، وتحسين بنية التربة، وتعزيز مقاومة النباتات للأمراض، مما يُبقي النظام البيئي متوازناً، ومستقراً على مدى آلاف السنين.
التنوع البيولوجي
وأشار الباحثون إلى أن هذه العمليات غير المرئية تعمل في صمت، لكنها تُعد حجر الأساس الذي يسمح بازدهار التنوع البيولوجي في بيئات مثل الغابات المطيرة، والأراضي الشجرية ذات التربة الفقيرة.
وحلَّل الفريق البحثي طبقات متعاقبة من التربة في كثبان ساحلية، تعود إلى 700 ألف عام، في متنزه كولولا الوطني بأستراليا، حيث اكتشفوا أن الميكروبات تستبدل الدهون الغشائية التي تحتوي على الفسفور بأخرى خالية منه، وتخزّن أنواعاً معينة من الدهون لتأمين بقائها.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، أورفيوس باتلر، الباحث في معهد الأنهار الأسترالية بجامعة جريفيث (Griffith University)، إن هذه الميكروبات تعمل كـ”حرَّاس للفسفور” داخل التربة، إذ تطلق العنصر فقط عندما يخدم حاجاتها الحيوية، مع الحفاظ على علاقة معقَّدة من التوازن بين المنافسة والتعاون مع النباتات التي توفر لها الكربون اللازم للحياة.
وأكد باتلر أن فهم هذه الديناميكيات الدقيقة يفتح آفاقاً جديدة لتحسين إنتاجية التربة في الزراعة، وتعزيز جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي، خصوصاً في النظم البيئية القديمة التي تتعرض لتدهور طبيعي في مستويات الفسفور.
ولفت الباحثون إلى أن معظم الأراضي الأسترالية، بل والعالمية، تعاني من تآكل مستمر في هذا العنصر، إلا أن الميكروبات تقوم بدور غير مرئي في إعادة تدويره بفاعلية، مما يعزز استقرار النظم البيئية على المدى الطويل.
وتؤكد نتائج الدراسة أن التربة ليست مجرد ركيزة جامدة للنباتات، بل بيئة ديناميكية حيَّة تنطوي على تفاعلات معقَّدة تحت السطح، تسهم في بقاء الحياة فوقه.