خصخصة الأندية.. خطوة مأمولة لمستقبل الرياضة السورية

– هاني كرزي
صارت خصخصة الأندية الرياضية في سوريا حلمًا يتمنى الجميع تحقيقه، باعتبارها الطريقة الأهم لإخراج الأندية من دهاليز الفقر والروتين والتبعية التي تقف عائقًا في طريق تطورها، ومع تأسيس وزارة للرياضة والشباب، تعالت الأصوات أن تضع الوزارة على سلم أولوياتها العمل على خصخصة الأندية، وهو ما يعد خطوة مأمولة لمستقبل أفضل للرياضة السورية.
تعد خصخصة الأندية الرياضية، التي تتمثل في إعادة هيكلة إدارتها، وتبني نماذج تشغيلية جديدة، من أهم الخطوات لإخراج الأندية من حالة الركود المالي والإداري، وتمكينها من المنافسة على الصعيدين المحلي والدولي.
أربعة أشكال للخصخصة
تحصل الخصخصة بنقل ملكية الأندية أو إدارتها جزئيًا أو كليًا من القطاع العام إلى الخاص، على أن تتزامن العملية مع تنفيذ برامج أخرى موازية ومتناسقة لتحرير كل الأنشطة الاقتصادية المتعلقة كالدعاية والإعلان والاستثمار والالتزام بعقود اللاعبين وغير ذلك.
وقال الصحفي الرياضي أنس عمو ل، إن خصخصة الأندية في سوريا، يمكن أن تكون بأشكال مختلفة، فقد تتحول الأندية السورية بشكل كامل إلى القطاع الخاص، أو تبقى بعض الأندية تابعة للقطاع العام، ويُسمح لأندية معينة بالانتقال إلى القطاع الخاص، كما هو موجود في إسبانيا.
أما النموذج الثالث للخصخصة فهو وفق النظام الألماني، بحيث تكون 49% من حصة النادي للقطاع الخاص، و51% للقطاع العام.
وهناك نموذج رابع بأن تبقى الأندية جماهيرية تابعة للقطاع العام، ولكن تكون هناك شركة راعية، بحيث يكون اسم النادي ملازمًا لاسم الشركة، وفق ما ذكره أنس عمو.
إنعاش للقطاع الرياضي
على مدى عقود، اعتمدت الأندية السورية على نماذج إدارية تقليدية، مرتبطة بالجهات الحكومية، ما جعلها تواجه مشكلات في التمويل والإدارة وتنمية المواهب.
وفي ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، برزت الحاجة الملحة إلى تطبيق أسس الإدارة الاحترافية وإيجاد آليات جديدة لجذب الاستثمارات، سواء المحلية أم الأجنبية في القطاع الرياضي.
تجارب الأندية الخارجية مع الخصخصة كات ناجحة، بدءًا باعتماد الشركات الخاصة على إداريين مختصين للنوادي، واستحداث منشآت رياضية حديثة ومدارس كروية، واستقدام محترفين أجانب بمستوى جيد، وتأمين رواتب أعلى، بما يدفع الى التطور.
ويرى الصحفي مؤيد كيالي، أن خصخصة الأندية ستنقل رياضتنا من الهواية إلى الاحتراف الحقيقي، ومن كونها أداة مصلحة إلى كيان اقتصادي ورياضي مستقل ماليًا، وستسهم في تطوير اللاعب السوري ورفع قيمته السوقية، وبالتالي سيلعب في أندية أفضل من تلك التي يلعب فيها الآن، وهذا الأمر سيستفيد منه المنتخب الوطني وسيرتفع ترتيبه على سلم ترتيب المنتخبات.
وقال كيالي ل، إن خصخصة الأندية قد تدفع برؤوس الأموال من خارج البلاد للاستثمار، ما يعزز من فرص التنافس ويدفع بالمستثمرين للتعاقد مع مدربين أجانب على سوية فنية عالية، وكذلك مع لاعبين محترفين، بدلًا من أولئك الذين نجدهم حاليًا في الدوري السوري.
كما أن دخول المستثمرين قد يجعل من الملاعب أفضل في حال تم الاتفاق بينهم وبين القيادة الرياضية، وأعطيت لهم مساحة كبيرة للعمل بعيدًا عن التدخلات وغيرها، وبنفس الوقت ستستفيد الأندية من عائدات حقوق البث الإلكتروني والتلفزيوني، وفق كيالي.
ومن المزايا الإيجابية للخصخصة أيضًا أنها ستوفر عائدًا ماليًا دائمًا للأندية، إضافة إلى حسن اختيار أعضاء الإدارة، وبالتالي الابتعاد عن المحسوبيات والواسطة في الاختيارات الفنية والإدارية لفرق العمل، وتوفير فرص عمل وتخفيف الأعباء المالية للأندية عن الحكومة.
عقبات متوقعة
تطبيق نموذج الخصخصة قد يصطدم بعقبات، فالوضع الاقتصادي الراهن في سوريا، مع التداعيات الناجمة عن العقوبات الدولية وتدهور قيمة الليرة، يشكل عائقًا رئيسًا أمام جذب المستثمرين.
كما أن البيئة القانونية المتأثرة بالفساد الممنهج الذي خلّفه النظام السابق، والذي أنشأ شبكات المحسوبيات داخل الاتحادات الرياضية، قد يستدعي إصلاحات جذرية قبل الانطلاق في هذا المسار الإصلاحي.
أنس عمو قال ل، إن العقبة الأهم في مسار الاتجاه نحو خصخصة الأندية، يتمثل في أنه لا يمكن حاليًا الانتقال نحو الخصخصة، لأنه لا يمكن تقدير قيمة سعر الأسهم، في ظل عدم وجود سوق بورصة حقيقية في سوريا، يمكن على أساسه تحديد قيمة النادي بناء على سعر الأسهم.
وأشار عمو إلى أنه يوجد في سوريا أندية جماهيرية كبيرة، مثل أهلي حلب والكرامة والوحدة، وبالتالي تلك الأندية لا يمكن تحويلها إلى القطاع الخاص، لأن الشركة في حال اشترت ناديًا جماهيريًا، وبعد ثلاث سنوات مثلًا أفلست تلك الشركة، فإن ذلك سينعكس سلبًا على سمعة النادي وجماهيريته.
وأضاف عمو، “عندما نتحدث مثلًا عن أندية جماهيرية، والتي تكون مرتبطة باسم محافظة او مدينة، فإن انتقالها نحو القطاع الخاص قد يتسبب في ابتعاد الكثير من الجماهير عن النادي، الذي سيصبح تركيز الشركة المالكة له على الربح أكثر من الاهتمام بتطوير مستوى النادي ولاعبيه”.
تجارب لم تنجح
الأندية السورية لا تزال تعتمد في مواردها على دعم القطاع العام المتفاوت من موسم لآخر، تضاف اليه تبرعات لرجال أعمال تتيح لهم تبوء مراكز إدارية.
في السنوات الماضية، أبرمت الأندية السورية عقودًا استثمارية كان يفترض أن تحقق لها عوائد مالية ضخمة، لكنها انتهت إلى الفشل أو الفساد.
في عام 2022، أعلن نادي المجد عن مزاد علني لاستثمار محاله التجارية، بعوائد سنوية متواضعة بلغت 12 مليون ليرة سورية فقط لكل محل، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية رواتب عدد قليل من اللاعبين.
وفي عام 2021، وقّع نادي الوحدة عقد رعاية بقيمة مليار ليرة سورية مع إحدى الشركات، لكن نصف المبلغ كان مشروطًا بتحقيق بطولات، ما جعله غير مستدام وأدى إلى أزمة مالية لاحقة.
وقالت صحيفة “الثورة” السورية نقلًا عن شهادات من داخل الأندية، إن بعض العقود الاستثمارية وُقعت لمصلحة شخصيات نافذة داخل المنظومة الرياضية، بحيث تدار الاستثمارات بأسماء أقاربهم، ما يعني أن العوائد لا تعود للنادي، بل تذهب إلى جيوب أفراد محددين.
وأضافت الصحيفة أن بعض العقود أبرمت بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، لأن المستثمرين الفعليين هم مسؤولون داخل الأندية، لكن بأسماء مختلفة، وبالتالي هذه الاستثمارات لم تكن أبدًا لمصلحة تطوير الرياضة، بل لخدمة مصالح شخصية.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي