مشهد إقليمي جديد بانتظار ترمب خلال زيارته الثانية للسعودية

بعد 8 سنوات على زيارته للشرق الأوسط خلال ولايته الرئاسية الأولى، يعود الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى منطقة شهدت تحولات سياسية كبرى.
ورغم التغيرات التي طرأت على المشهد الإقليمي، وتبدل أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن زيارة ترمب الثانية إلى السعودية تؤكد متانة العلاقة بين البلدين.
لكن ما الذي يُضفي طابعاً مختلفاً على هذه الزيارة مقارنة بسابقتها في 2017؟
أبدت السعودية، رغبة طموحة في توسيع استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة خلال الأربع سنوات المقبلة، إذ تسعى لضخ استثمارات تقدر بـ600 مليار دولار، تشمل قطاعات مثل الدفاع والتكنولوجيا والبنية التحتية، في إطار رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتجاوز الاعتماد على النفط.
الدكتور ألين فرومهيرز مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة ولاية جورجيا ومؤلف كتاب “مركز العالم.. تاريخ عالمي للخليج العربي من العصر الحجري إلى الحاضر” قال لـ”الشرق” إن “الحفاظ على الأمن والسلام في منطقة الخليج، هو السبب الأهم وراء زيارات الرؤساء الأميركيين المتعاقبة إلى المملكة العربية السعودية على مدار الخمسين عاماً الماضية، بالإضافة إلى ضمان حرية وانسيابية التجارة عبر مضيق هرمز، وباب المندب”.
اعتبر فرومهيرز أن منطقة الخليج “لا تزال تشكّل قلب التجارة العالمية”، مشيراً إلى أنه على الرغم من ذلك فإنها “باتت أكثر عرضة للتهديد من قبل قوى تسعى للهيمنة في المنطقة مثل إيران، التي يمكن أن تسيطر على طرق التجارة فيه، ولهذا السبب، تحرص الولايات المتحدة على الإبقاء على علاقاتها الاستراتيجية مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، إلى جانب قطر والإمارات”.
وفي أعقاب زيارة ترمب للسعودية في 2017، أعلن البلدان في بيان مشترك، “وقوفهما معاً لمواجهة الأعداء المشتركين، وتعزيز الروابط بينهما، ورسم مسار نحو السلام والازدهار للجميع”.
الدور السعودي في المنطقة
وخلال السنوات الـ8 الماضية، لعبت السعودية دوراً رئيسياً في المنطقة، إذ دعمت السلطة الشرعية في اليمن، كما حرصت على تعزيز أمن الملاحة البحرية، وأطلقت في 6 يناير 2020 “مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”، لضمان أمن البحر الأحمر وخليج عدن، بدعم العديد من القوى الدولية، في مسعى لخلق فرص تعزز من أسس الأمن والاستقرار والتنمية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
كما تم انتخابها والإمارات في عام 2021 لعضوية المنظمة البحرية الدولية، في إطار مشاركتهما الإقليمية الفاعلة في حماية أمن الملاحة الدولية.
وأشار فرومهيرز في هذا السياق إلى أن “أي اضطراب في حركة التجارة عبر هذه المضائق الحيوية قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، ما يدفع الاقتصاد الأميركي نحو التضخم المصحوب بالركود، خاصة في ظل سعي إدارة ترمب إلى تشجيع عودة التصنيع المحلي عبر فرض الرسوم الجمركية”.
وتجدر الإشارة عند الحديث عن أمن الملاحة، إلى الأحداث المتصاعدة في اليمن، والحملة العسكرية الأميركية والضربات الإسرائيلية على مواقع جماعة الحوثي، إذ دخل الملف اليمني ضمن دائرة الحسابات الاستراتيجية في المنطقة.
واعتبر عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث في حديثه لـ”الشرق”، أن “تصاعد التهديدات لحرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، لا سيما بعد التدخل الأميركي والإسرائيلي على المسار أضفى بُعداً جديداً على المشهد”.
وقال إنه لم يعد يُنظر إلى الأزمة بمعزل عن السياق الإقليمي الأوسع، بل “باتت تمثل نقطة تقاطع حساسة بين المصالح الدولية، ومعادلات النفوذ في الشرق الأوسط”.
وقبل إعلان ترمب وقف الحملة العسكرية ضد الحوثيين الأسبوع الماضي، والتوصل لاتفاق لوقف النار، اتهم ترمب الجماعة بأنها “شنّت حملة لا هوادة فيها من القرصنة والعنف والإرهاب ضد السفن والطائرات الأميركية، وغيرها من الأصول الجوية والبحرية”، معتبراً أن رد الرئيس السابق جو بايدن “كان ضعيفاً بشكل مثير للشفقة”.
تراجع النفوذ الإيراني
وشهدت العلاقات السعودية الإيرانية تحسناً ملحوظاً بعد الوساطة الصينية في عام 2023، كما انخرطت الولايات المتحدة في محادثات مع إيران بشأن الملف النووي، بوساطة عُمانية.
وكان بيان قمة عام 2017 قد دعا إلى “ضرورة كبح التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول، ووقف دعم طهران للإرهاب والوكلاء المسلحين”.
وفي هذا السياق، اعتبر فرومهيرز أن “النفوذ الإيراني بات في تراجع، لا سيما بعد سقوط نظام الأسد وخروجه من المعادلة في سوريا، وتراجع قوة حركة حماس في قطاع غزة، وتفكك جماعة حزب الله في لبنان، ما يضع حلفاء طهران أمام واقع جديد لم يألفوه”.
واعتبر عبد العزيز بن صقر أن سلوك طهران الإقليمي، إلى جانب الملف النووي الإيراني، هو “أحد أكثر القضايا تعقيداً على طاولة السياسة الدولية”، لكنه قال إن تصاعد الضغوط الغربية وتنامي التوترات في الإقليم، تقترب هذا الملف من لحظة حسم، بشكل أو بآخر، وسط ترقب لخيارات قد تعيد رسم موازين القوى في المنطقة.
حرب غزة والتطبيع مع إسرائيل
البيان المشترك بين البلدين في 2017، شدد على أهمية التوصل إلى سلام شامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واتفقت الرياض وواشنطن فيه على بذل كل ما في وسعهما لتهيئة بيئة داعمة لتحقيق تقدم نحو السلام. إلا أن الخطاب تغيّر مع تصاعد الأحداث بين الطرفين إبان حرب غزة في 2023، فقبل إعلان ترمب عن زيارته المرتقبة إلى السعودية، برز موقف سعودي واضح يرفض تهجير سكان غزة، في ظل الحرب الإسرائيلية على القطاع.
مايا كارتر هالوارد أستاذة في سياسات الشرق الأوسط ومؤلفة كتاب “النضال من أجل سلام عادل: النشاط الإسرائيلي والفلسطيني خلال الانتفاضة الثانية، قالت إنه “في ظل الوضع الإنساني الكارثي في غزة بعد نحو عام ونصف من الحرب، أصبح من الصعب على السعودية المضي قدماً في أي تطبيع مع إسرائيل”.
وأضافت: “هذا التوجه أصبح أكثر وضوحاً بعد تعيين مايك هاكابي، المؤيد لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، سفيراً أميركياً لدى تل أبيب”.
وتابعت: “هذه التحولات جاءت في وقت حساس، مما جعل المملكة تصر على موقفها بشأن العلاقات مع إسرائيل، رغم استمرار الروابط الاقتصادية القوية بين السعودية والإدارة الأميركية”.
وشددت السعودية على موقفها تجاه التطبيع مع إسرائيل مراراً منذ اندلاع الحرب، والذي يشترط قيام دولة فلسطينية على أراضي 1967، عاصمتها القدس الشرقية، قبل التطبيع مع إسرائيل، مع تأكيدها أنها “لن تقيم علاقات دبلوماسية ما لم يتحقق هذا الشرط”.
عبد العزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث قال لـ”الشرق” إن الملف الفلسطيني، لا سيما ما يجري في غزة، يعتبر “محوراً ضاغطاً”، على صناع القرار في الولايات المتحدة، ودول المنطقة والمجتمع الدولي في ظل تصاعد الحاجة إلى تحركات عاجلة “تواكب حجم الكارثة الإنسانية والميدانية”.
واعتبر بن صقر أنه “مع تعقّد المشهد، باتت مسألة تقرير مستقبل التسوية السياسية للصراع الفلسطيني أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، ما يضع الأطراف الإقليمية والدولية أمام استحقاقات لا تحتمل التأجيل”.
الصراع السوري
الأزمة السورية كانت حاضرة في زيارة ترمب الأولى إلى السعودية، حيث كانت سوريا متهمة باستخدام الأسلحة الكيميائية، ما دفع واشنطن إلى شن ضربات عسكرية، أبرزها قصف قاعدة الشعيرات في عام 2017.
أما اليوم، وبعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع، أن بلاده تتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتفكيك برنامجها الكيماوي، مؤكداً أن سوريا “لم تعد ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية”.
وقبل زيارة ترمب إلى السعودية بيومين، بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في اتصال هاتفي مع الرئيس السوري أحمد الشرع، مستجدات الأحداث في سوريا، كما استعرضا العلاقات الثنائية بين البلدين.
في مقابلة سابقة مع “الشرق”، قال مساعد الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض سيباستيان جوركا، إن ترمب عاد للبيت الأبيض كـ”صانع الصفقات الأعظم بين جميع صانعي الصفقات”. وبين أن “واشنطن لا تزال تهتم بالأمن، معتبراً أن سوريا قضية، وغزة قضية، لكننا الآن نريد التحدث عن النمو الاقتصادي”.
الطاقة النووية
وكالة “أسوشيتد برس” قالت إن “السعودية ترغب في الحصول على مساعدة الولايات المتحدة من أجل تطوير برنامجها النووي المدني، وأعربت إدارة ترمب عن “حماسها الشديد” لهذا الاحتمال، على الرغم من التعقيدات التي تشوب هذا الملف.
وكانت الولايات المتحدة، قد أبدت في أبريل الماضي، استعدادها لتوقيع اتفاقية مع السعودية بشأن الطاقة والتكنولوجيا النووية السلمية، وفق ما أكده وزير الطاقة الأميركي كريس رايت خلال زيارة إلى الرياض، أجرى خلالها محادثات مع وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”.
وتسعى السعودية لاستكمال خطط وطنية لتمكين الطاقة النووية ضمن مزيج الطاقة، حيث ترغب في تنويع مصادر توليد الكهرباء، وخاصة لتحلية مياه البحر، في إطار خطتها لتعزيز الاستفادة من الموارد النفطية وتنويع اقتصادها.
وأعلن وزير الطاقة السعودي في سبتمبر الماضي، أن المملكة تتجه نحو الاستفادة من الطاقة النووية، وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية، وتواصل تنفيذ مشروعها الوطني للطاقة النووية بجميع مكوناته، ومن ذلك مشروع بناء أول محطة للطاقة النووية في المملكة.
“اختبار حقيقي للدور الأميركي”
وقال عبد العزيز بن صقر إن “الدور الأميركي والسعودي مشترك في المنطقة وبشكل استراتيجي”، مضيفاً أن “الدور الأميركي محوري في مقاربة مختلف الملفات الإقليمية، لذلك تتطلع القيادة السعودية إلى العمل على تشكيل موقف أميركي واضح تجاه هذه القضايا، لا سيما في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد، وتداخل في الأزمات، ما يضع واشنطن أمام اختبار حقيقي في إعادة صياغة دورها ومصالحها في الشرق الأوسط”.
واعتبر أن سياسة المملكة ومواقفها تجاه القضايا الأساسية مع الولايات المتحدة ليست متطابقة، وأصبح هذا أكثر وضوحاً، إذ أن بعض هذه المواقف تتعارض مع مواقف أميركية في بعض الملفات، وعلى رأسها الملف الفلسطيني لذا فإن “التنسيق وتبادل الآراء أصبح ضرورة لكلا الطرفين”.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل مغادرته إلى السعودية قال إن جولته ستكون “زيارة تاريخية”، لذلك من المتوقع أن تكون الزيارة بمثابة تحول استراتيجي بارز، إذ ستنتقل الدبلوماسية التقليدية التي كانت تركز على الأمن إلى نموذج “أكثر شمولية يقوم على التعاون الاقتصادي”، كما ستُظهر الزيارة التزاماً مشتركاً بين البلدين بتعزيز العلاقات الاقتصادية، ودعم الابتكار، والعمل المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية.
وسيعكس هذا التحول نضجاً في العلاقات الأميركية السعودية، يؤكد على ترابط المصالح الاقتصادية والاستراتيجية في ظل مجتمع دولي يشهد تغييرات متسارعة.