“كتاب الأسلوب”.. دستور العمل في وسائل الإعلام

علي عيد
عام 2004، بدأت العمل في إحدى الصحف الخليجية، وكسوري قادم من بيئة صحفية وسياسية واقتصادية وحتى اجتماعية مختلفة، ولولا “كتاب الأسلوب”، كنت بحاجة، في الحالة الطبيعية، إلى أشهر كي أتعرف إلى المفردات واللغة الخاصة بالوسيلة الإعلامية، وكذلك الحساسيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتخيّل عزيزي القارئ أن تضطر مثلًا لحفظ أسماء آلاف الأمراء من المسؤولين وتصنيفهم بين صاحب سمو ملكي وصاحب سمو، وأمير، وأن تكون هناك تداخلات في المناصب.
فقط لمعرفة أسماء هؤلاء وتوصيفاتهم، كان هناك كتاب يعتمده الصحفيون، موضوع على الطاولة إضافة إلى مسائل أخرى تدخل في “كتاب الأسلوب”.
لا أدّعي ولا يدّعي صحفيو وحتى مسؤولو ذلك البلد، المملكة العربية السعودية، بأن الأمور كانت على أفضل حال فيما يخص مهمة الصحافة، وتقليل جرعة التشريفات، وقد تطورت صحافتهم، فبعد سنوات وكنت ما زلت في نفس الصحيفة، تقرر ألا يكون استقبال وزير لوزير آخر خبرًا، وحتى ألا تكون استقبالات الملك وولي العهد أخبارًا وصورًا على الصفحة الأولى إذا لم تحمل جديدًا يهمّ المصلحة العامة.
سُقت المثال لأدخل في موضوع “كتاب الأسلوب” في الصحافة والإعلام، وهو “الدستور” الذي يضبط العمل ويوضح الرؤية لدى فريق العمل.
“كتاب الأسلوب” في الصحافة، هو دليل جامع للقواعد والأصول في الكتابة الصحفية الصحيحة، ويعكس السياسة التحريرية لكل وسيلة إعلامية، حكومية كانت أم خاصة.
تخيل أن تخرج قناة تلفزيونية رسمية بوصف الوزير بـ”معالي”، ثم تخرج صحيفة أو وكالة رسمية بوصف “سيادة”، وإن كنت، مهنيًا، لا أفضل لأي صحفي أن يستخدم الصيغتين، ولو كنت بموقع قرار لمنعت تداولهما، فالوزير وزير وكفى.
يضمن “كتاب الأسلوب” (Stylebook) أو “دليل الأسلوب” (Style guide) دورًا كبيرًا وأساسيًا في وضوح نهج الوسيلة الإعلامية، ويوحّد مصطلحاتها، وأمكنة استخداماتها.
يتضمن “كتاب الأسلوب” عناصر مختلفة منها باختصار:
1- الجوانب التحريرية وتشمل:
- اللغة والمفردات المعتمدة في النحو والإملاء.
- النبرة والصوت في المرئي والمسموع.
- المصطلحات السياسية أو التوصيفات المعتمدة.
- العناوين وعدد كلماتها.
- التواريخ.
- تنسيق النصوص.
- معايير ووحدات قياس الكم أو الحجم.
- الاختصارات والاختزالات.
- الصور ومواصفاتها الفنية.
- حجم المواد (أخبار، تقارير، تحقيقات، تحليلات، مقالات رأي، وغيرها).
- نوع الضيوف ومواصفاتهم وقدراتهم.
- مهام المحررين والمراسلين والفنيين.
2- الهوية البصرية (Brand Story) والقواعد التجارية والتعريف:
- الإخراج والقوالب والخطوط والألوان.
- الشعارات والأيقونات.
- قواعد الهندام في الصحافة المرئية.
- تصميم وديكور الاستوديوهات والستاندات.
- رؤية وأهداف وطموحات المؤسسة ومهامها.
- كادر المؤسسة.
هناك تداخلات كبيرة تأخذها المؤسسات بعين الاعتبار عند كتابة “الدليل” منها:
- منع تضارب المصالح فيما يخص المعلنين لتجنب استغلال الصحفيين للوسيلة الإعلامية في الترويج الاقتصادي لمصلحة خاصة بين المعلن والصحفي.
- منع ترويج الصحفي أو الكوادر لشخصيات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية على حساب شخصيات أخرى، جراء صلات معرفة أو قرابة أو صداقة.
- إخضاع “دليل الأسلوب” للمعايير المهنية و”مدونة السلوك” أو “ميثاق الشرف”.
كما أن هناك تداخلات تخص مرحلة كتابة “الدليل”، إذ لا يمكن فصل الفرق عن بعضها، ويجب أن تتشكل مجموعة عمل تمثل أكثر من جهة داخل كل مؤسسة أو وسيلة إعلامية.
ضرورة إدماج الفرق تأتي لتحقيق التكامل بين الأهداف والقواعد الفنية والمهنية والموارد البشرية، إذ لا يمكن صياغة “دليل أسلوب” في صحيفة أو وكالة أنباء أو تلفزيون، دون نقاش وعصف ذهني يشارك فيه المسؤولون عن الأقسام التحريرية والأقسام الفنية والموارد، فحين تقرر صحيفة ألا يتجاوز عدد كلمات العنوان أربع كلمات، يجب سؤال المخرج أو “الماكيتيست” عن متطلبات مثل هذه الخطوة إخراجيًا، وينطبق الحال على نشرات الأخبار في التلفزيون، إذ يحتاج الفنيون لفهم ما هو مطلوب كي يتحقق التناسق (Harmony)، وبذلك تنال المؤسسة أو الوسيلة الإعلامية ثقة الجمهور، وتستطيع الكوادر فهم الأدوار الموكلة إليها.
يحتاج “دليل الأسلوب” في ذات الوقت إلى مساحة حرية كبيرة لتحقيق أهدافه، فالطرق التقليدية للإعلام الرسمي في الأنظمة الشمولية، تقوم على قاعدة ماذا تريد السلطة، ومن أمثلة ذلك، أذكر ذات يوم عندما كنت طالبًا في قسم الصحافة بجامعة “دمشق”، وخلال زيارة لجريدة “البعث” كدرس عملي في مادة تخص “الإخراج الصحفي”، سألت المخرج عن قواعد الإخراج المتبعة في الصحيفة فنظر إلي متعجبًا وهو يقول: “نتبع مدرسة العميد تركي صقر”. كان الأخير رئيسًا لتحريرها بل حاكمها.. وللحديث بقية.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي