هل يغيّر رفع العقوبات الأمريكية الواقع المعيشي في سوريا؟.. خبراء يكشفون عن مسارات وإجراءات طويلة

مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط وحديثه عن إمكانية رفع العقوبات عن سوريا لإعطاء فرصة للحكومة السورية ببداية جديدة تنهض بالبلاد، كان هناك حديث عن مسار قانوني لرفع هذه العقوبات ومدة زمنية حتى يشعر المواطن السوري بتغير في الواقع المعيشي، وفق ما تحدث عنه خبراء.
وكشف الخبراء لوكالة “ستيب نيوز” أن رفع أو تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، خاصة العقوبات الاقتصادية الأمريكية مثل “قانون قيصر”، قد يكون له أثر كبير على الواقع المعيشي، لكن الأثر لن يكون فوريًا، بل سيتطلب وقتًا وجهدًا على مستويات متعددة، وهناك سيناريوهات من منظور اقتصادي وقانوني للمدة الزمنية المحتملة والأسباب المرتبطة.
الإجراءات البيروقراطية لرفع العقوبات
حتى لو أعلن ترامب أو أي رئيس أمريكي نيته رفع العقوبات، فإن العملية تمر عبر وزارة الخزانة (مكتب مراقبة الأصول الأجنبية OFAC)، وتحتاج هذه العملية إلى قرارات تنفيذية، ومراجعات قانونية، وربما موافقة الكونغرس (خاصة إذا كانت العقوبات بقانون مثل “قيصر”).
والمدة المتوقعة لذلك من أسابيع إلى عدة أشهر لإلغاء أو تعديل العقوبات بشكل رسمي.
ويعلّق على ذلك المحلل الاقتصادي يونس الكريم لـ”وكالة ستيب نيوز” بقوله: “إن الحديث عن رفع العقوبات حاليًا غير دقيق، فالعقوبات، مثل قانون قيصر، تُعد جزءًا من منظومة الأمن القومي الأمريكي، ولذلك فإن رفعها الكامل يتطلب موافقة الكونغرس، في المقابل، يمتلك الرئيس الأمريكي صلاحية تعليق بعض العقوبات بشكل مؤقت، أو رفع جزئي لها، شريطة توضيح الأسباب للكونغرس، الذي يملك صلاحية رفض القرار أو إعادة فرض العقوبات”.
ويضيف: أن عملية الرفع الكامل قد تستغرق ما لا يقل عن عام إذا حصل توافق داخل الكونغرس، بينما قد تمتد بين ست إلى عشر سنوات في حال غياب هذا التوافق، كما حصل في تجربة العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث استمرت العقوبات حتى ديسمبر/كانون الأول 2010.
ومن جانبه، يوضح السياسي والدبلوماسي السابق بشار حاج علي أن العقوبات الأميركية على سوريا تنقسم إلى مستويين:
1 عقوبات على الأفراد: وتشمل شخصيات سياسية، أمنية، واقتصادية، وغالباً ما ترتبط بانتهاكات أو شبهات دعم للإرهاب.
2 عقوبات على مؤسسات الدولة: وهي الأكثر تأثيراً، لأنها تطال البنية الإدارية والاقتصادية، وتمنع التعامل الدولي الرسمي مع الوزارات والمصارف السورية.
ويضيف في حديث لـ ستيب نيوز”: أن هناك مسارين لرفع العقوبات، الأول عبر قرار رئاسي مباشر، والثاني عبر تشريع من الكونغرس، وهو أكثر تعقيدًا ويتطلب توافقًا سياسيًا واسعًا، ما يجعل الحديث عن رفع شامل أمرًا معقدًا ومربوطًا بتوازنات دقيقة داخل الإدارة الأمريكية.
وإضافة لذلك فإن رفع العقوبات الأمريكية لا يعني تلقائيًا رفع العقوبات الأوروبية أو الكندية أو غيرها، ما يحد من الأثر، وهذا يؤكد أنه لن يحدث تحسّن جذري دون توافق دولي واسع.
من الناحية الاقتصادية والواقعية
حتى إذا تم رفع العقوبات غدًا، فإن تحسّن الوضع المعيشي على الأرض سيعتمد على عدة عوامل، وفق الخبراء ومنها:
1. ثقة المستثمرين والشركات الدولية
وفق الخبراء فإن الشركات والبنوك تحتاج وقتًا لإعادة بناء الثقة، والتأكد أن التعامل مع سوريا لم يعد ينطوي على مخاطر قانونية، والمدة المتوقعة لذلك بنحو 6 أشهر إلى سنة أو أكثر قبل بدء استثمارات أو تحويلات كبيرة.
وهنا يؤكد يونس الكريم أن تعليق العقوبات بشكل مؤقت لا يكفي لإقناع الشركات الأجنبية الكبرى، التي تحتاج إلى ضمانات قانونية طويلة الأمد. كما أن الحديث عن بوابات جديدة في الحكومة السورية لتسهيل التراخيص قد يفتح الباب أمام بعض الاستثمارات، لكن في حال غياب الشفافية فإن هذه الخطوات قد تعرض الشركات للعقوبات مجددًا.
2. إعادة تأهيل البنية التحتية الاقتصادية
حتى مع تخفيف العقوبات، فإن الاقتصاد السوري مدمر بفعل الحرب، والزراعة، والصناعة، والكهرباء، والنقل، كلها تحتاج لإعادة تأهيل، وإن تحسّن الخدمات والمعيشة سيعتمد على قدرة الدولة على استثمار رفع العقوبات في تحسين هذه القطاعات، ويتوقع أن تمتد فترة ذلك من 1 إلى 3 سنوات لبدء الشعور بتحسن نسبي في الحياة اليومية.
ويشير الكريم في هذا السياق إلى أن تعليق العقوبات قد يتيح بعض المشاريع الإنسانية أو الصغيرة المدعومة من رأس مال محلي أو عربي، لكن من غير المرجح أن نرى انطلاقة شاملة لعملية إعادة الإعمار دون خطوات جذرية وشفافة من الحكومة السورية.
البنك المركزي
يشير الخبراء أنه من الممكن البحث عن آلية للسماح للبنك المركزي بتنفيذ بعض العمليات الإنسانية، كشراء المواد الصحية أو القمح، بشرط أن تكون مخصصة بشكل دقيق ولا تمر عبر مؤسسات حكومية خاضعة للعقوبات.
ويؤكد الكريم أن ذلك لا يعني رفع العقوبات عن البنك، خاصة في ظل استمرار وجود شخصيات مدرجة على قوائم العقوبات ضمن الهيكل الحكومي الجديد، وبعضهم يعمل كمستشارين للوزراء.
الأبعاد السياسية والعلاقات مع ترامب
يشير يونس الكريم إلى نقطة حساسة في هذا الملف، وهي وجود انطباع لدى بعض الجهات الأمريكية أن الحكومة السورية تحاول التعامل مع ترامب كشخص يمكن التفاوض معه عبر صفقات خاصة تتعلق بالنفط والغاز، ما يُعد في المنظور الأمريكي نوعًا من “الرشوة السياسية”، وهو ما يرفضه النظام التشريعي والقضائي الأمريكي بشكل صارم.
ويقول: “صحيح أن رفع العقوبات قد يشجع بعض الأطراف على العودة إلى سوريا، لكن وفق شروط صارمة، وهناك حديث عن بوابات جديدة في الحكومة لتسهيل الحصول على التراخيص، إلا أن الشركات التي تعمل من خلال هذه القنوات إن كانت غير شفافة فستُفرض عليها شروط قاسية. أما إذا تم اعتماد الشفافية والعلنية، فقد نشهد نوعًا من المنافسة المفتوحة”.
ويختم الكريم أن الاستفادة الكبرى من رفع أو تعليق العقوبات ستبقى محصورة في المشاريع الإنسانية والاستثمارات الصغيرة، لأن الشركات الكبرى تبحث عن بيئة قانونية مستقرة، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بقرارات مؤقتة.
وبدوره يؤكد “الحاج علي” أن رفع العقوبات عن سوريا ليس تفصيلاً فنياً، بل ملف سيادي وسياسي عميق، يجري التعامل معه ضمن توازنات دقيقة داخل الإدارة الأميركية وبين الكونغرس والبيت الأبيض، لذلك، فإن أي حديث عن “رفع شامل” يجب أن يُقرأ بتمعّن، وضمن تطورات الواقع السوري والدولي.
إعداد: جهاد عبد الله
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية