خيبات أوجلان: الحزب… الدّولة أم الزّمن؟

google_ad_slot = “5416840538”;
google_ad_width = 300;
google_ad_height = 250;
د. سمير صالحة أساس ميديا
لم يكن عبدالله أوجلان أديباً مثل إرنست همنغواي، لكنّه بعد 4 عقود من حمل “حزب العمّال الكردستاني” للسلاح وانكسار الحلم، يبدو أنّه يكتب نسخته الخاصّة من رواية “وداعاً للسلاح”، اقتناعاً بأنّ زمن الرصاص قد انتهى… وأنّ الأحلام المؤجّلة تحتاج إلى لغة أخرى.
استفاقت تركيا صباح الإثنين المنصرم على نهاية كابوس عمره نصف قرن، تحت عنوان “تركيا بلا إرهاب”. واستيقظ عبدالله أوجلان “مؤسّس حزب العمّال الكردستاني” من نومه أيضاً، لكن بعيداً عن حلمه القديم “حمل السلاح للدفاع عن المطالب”.
لم تكن الحكاية هذه المرّة عن أميرة في سبات عميق تُوقِظها قبلة إعجاب، وإنّما جاءت من دولت بهشلي السياسيّ الذي وقف لأوجلان بالمرصاد لسنوات وها هو الآن يُلوّح له بممرّ ضيّق للخروج. استجاب أوجلان لأنّ التنظيم الذي أسّسه يتآكل ويزول، والدولة التي حاربها تفرض عليه المعادلات التي تريد، بينما يُدار الميدان بأدواتٍ سياسيّةٍ لم يعد له فيها الكثير من الخيارات.
أربعون عاماً من التلويح بالبندقيّة كانت كافيةً لتدفع عبدالله أوجلان، مؤسّس “حزب العمّال الكردستاني”، إلى مراجعة مشروعه القوميّ أكثر من مرّة. بدأ الحلم كبيراً بدولة كرديّة موحّدة في جغرافيا كرديّة تشمل 4 دول هي تركيا والعراق وسوريا وإيران، لكنّه ما لبث أن تراجع عن هذا الهدف لمصلحة فكرة دول مستقلّة داخل هذه الجغرافيا.
تراجع مرّة أخرى، متبنّياً مشروع الحكم الذاتي في إطار دولة فدرالية، قبل أن يصل في نهاية المطاف إلى قناعة مختلفة تماماً: حلّ الحزب وترك العمل المسلّح واعتماد الخيار السياسي سعياً إلى هدف أكثر واقعيّة هو الاعتراف بالهويّة الكردية ضمن جغرافية الدولة التركيّة.
مَن خيّب آماله؟
لم تكن خيبة أمل أوجلان لحظة اعتقاله قبل 25 عاماً ونقله إلى تركيا لمحاكمته وسجنه مدى الحياة. وليست نتيجة التطوّرات الإقليمية التي بدت، في مراحل معيّنة، داعمة لبعض طموحاته: أكراد العراق تمكّنوا من إعلان كيان شبه مستقلّ داخل الدولة الفدرالية العراقية عام 2005، وأكراد سوريا أقاموا شراكات قويّة مع القوى الغربية خلال الحرب ضدّ “داعش”، فنالوا من خلالها نفوذاً عسكريّاً وجغرافيّاً لا يزال قيد التفاوض مع دمشق الجديدة.
لكن مَن خيّب آماله ربّما قد يكون دولت بهشلي، زعيم التيّار القومي المتشدّد وشريك الرئيس إردوغان في الحكم، بعدما فتح نافذة الخروج لأوجلان من مأزقه، حين دعاه في تشرين الأوّل الماضي إلى توجيه رسالة لحزب العمّال يدعوه فيها إلى حلّ التنظيم وترك البندقية، وانتظار “حقّ الأمل” الذي قد يخرجه من سجنه. ولا ننسى تقلّص فرص وخيارات “حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب” (ديم) المحسوب على الصوت الكردي، الذي يواجه أزمة مزدوجة بين المحافظة على تمثيله السياسي ورفض قاعدته استمرار لغة السلاح.
تمكّن بيان المؤتمر من الفصل بين ما يجري في تركيا وما يدور في شرق الفرات السوري. من يترك السلاح ويحلّ نفسه هو حزب العمّال وليس “وحدات الحماية” أو “قوّات سوريا الديمقراطية”. هو إنجاز سياسي مهمّ لأنّ أنقرة كانت تتمسّك بالربط بين الساحتين، فكيف ستتعامل مع الواقع السوري الجديد الآن، خصوصاً أنّ قرارات مؤتمر القامشلي الكردي الذي عُقد قبل أسبوعين جاءت متضاربة مع اتّفاق الشرع مظلوم عبدي في آذار الماضي؟
على مستوى الداخل التركي وفي خضمّ التحوّلات الجارية، يبدو أنّ “حزب العمّال الكردستاني” هو الخاسر الأكبر، فأنقرة مستعدّة للحوار مع عبدالله أوجلان من جهة، ومع حزب “ديم” من جهة أخرى، لكنّها لا ترى في “حزب العمّال” طرفاً شرعيّاً في أيّ مسار تفاوضي، إذ تعتبره كياناً منحلّاً لا دور له في المشهد الجديد.
على الرغم من أنّه كان خلال مفاوضات عام 2012 شريكاً غير معلن في حوارات أنقرة مع وسطاء محليّين وإقليميّين، على قاعدة إصلاحات دستورية وسياسية واجتماعية مقابل التخلّي عن السلاح، يجد نفسه اليوم أمام معادلة معكوسة: يُطلب منه أوّلاً ترك البندقية، وحلّ ذاته تنظيميّاً، بانتظار أن تبادر الدولة لاحقاً إلى إجراء إصلاحات في الملفّ الكردي إن ساعدت الإرادة السياسية والحزبية على ذلك.
رصف أحجار مسار جديد
هي حتماً نهاية مرحلة وبداية مرحلة وعمليّة رصف أحجار لمسار جديد، لكنها لن تكون سهلة. هناك من يعوّل على إصلاحات تتّصل بتحسين شروط اعتقال أوجلان أو منحه وضعاً قانونياً خاصّاً، وبرامج عفو أو ضمانات قانونية لآلاف العناصر وأسرهم في قنديل، وتغييرات سياسية ودستورية واجتماعية. لكنّ المسار يحتاج إلى دعم المعارضة، فهل تملك الشجاعة السياسية الكافية لدعم هذا التوجّه، وتسهّل لتحالف الجمهور توفير الغطاء التشريعي والدستوري من أجل تمرير التعديلات المطلوبة؟
تردّد القياديّة في “حزب ديم” برفين بولدان أنّ على البرلمان التركي أن يقوم بما يقع على عاتقه. لكنّ البعض يتطلّع إلى تغيير ما لا يمسّ ولا يمكن الاقتراب منه، وهو الموادّ الأربع الأساسيّة في الدستور التي تحدّد هويّة الدولة وأسسها وبنيتها. فهل يستجيب البرلمان التركي لمطلب من هذا النوع؟
ساهم “تسونامي” التغيير الإقليمي في دفع أوجلان وحزب العمّال نحو قناعات كرديّة جديدة. لكنّ الداخل التركي ينتظره امتحان مغاير تحدّث عنه بيان المؤتمر الثاني عشر والأخير لحزب العمّال، لناحية التشخيص والتوصيف والمطالب، وهو ما يستحقّ الرصد والمتابعة.