القرارات المُدمرة | جريدة الرؤية العمانية

سالم البادي (أبو معن)
تُعدّ القرارات جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، سواء كانت قرارات صغيرة تتعلق بتفاصيل حياتنا اليومية، أو قرارات كبيرة قد تؤثر على مسار حياة الآخرين.
وتختلف نوعية وأهمية ومضمون القرار على حسب موقع صاحب متخذ القرار وحجم مسؤوليته وطبيعة تخصصه، فالقرارات تتأثر بشكل كبير بعدة عوامل، فكلما زادت مسؤوليات الشخص، زادت أهمية القرارات التي يتخذها، وكلما زادت سلطة الأشخاص زادت لديهم القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية ذات تأثير أكبر؛ سواء كان ذلك في السياسة، الاقتصاد، الأعمال، التجارة، أو أي مجال آخر.
القرارات التي تتعلق بتخصيص الموارد (مالية، بشرية، إلخ) غالبًا ما تكون ذات أهمية كبيرة بسبب تأثيرها على النتائج.
باختصار، تتشابك هذه العوامل لتحديد أهمية القرارات، مما يؤكد على أهمية التفكير النقدي والتحليل الدقيق قبل اتخاذ أي قرار، خاصة في المواقف التي تحمل فيها القرارات عواقب كبيرة على الوطن والمواطن.
ونرفد بعض العوامل الواجب توفرها في متخذي القرارات، فيجب أن يتحلى بسمات متميزة، فضلًا عن أهمية توفر التفكير النقدي لديه، والقدرة على تقييم المخاطر، وفهم العواقب المحتملة، ويجب أن يكون قادرًا على جمع المعلومات ذات الصلة، وتحليلها بشكل موضوعي، والنظر في وجهات نظر مختلفة، بالإضافة إلى تمتعه بالمرونة والقدرة على التكيف مع الظروف والمتغيرات، والتمهل وعدم التسرع، ودراسة القرارات قبل إصدارها.
وتلعب شخصية صاحب القرار دورًا مهمًا في كيفية اتخاذ القرارات الصائبة مثل أن يكون متسلحًا بالعلم والمعرفة والخبرات العملية، ويتحلى بالشجاعة والجرأة للاعتراف بأخطائه في حالة اتخاذ القرار الخاطئ، ويجب أن يتحلى بمبادئ وقيم وأخلاق إنسانية عالية.
أحيانًا يكون صاحب القرار مفلسًا فكريًا عندما يفشل في عدم قدرته على تقدير العواقب المحتملة للقرار، وفي عدم تحمل المسؤولية عن النتائج السلبية وآثارها، وفي عدم تحليه بالحكمة والمعرفة لاتخاذ قرارات صائبة.
ويمكن القول إن صاحب القرار “مفلس” لأنه يفتقر إلى الأدوات والمهارات اللازمة لاتخاذ قرارات فعالة ومفيدة للمجتمع.
القرارات المُجحِفة التي تصدر من جهة مسؤولة، سواء كانت سياسات حكومية، أو ممارسات تجارية غير عادلة، أو حتى قرارات داخلية في المؤسسات الكبيرة، يمكن أن تترك آثارًا سلبية كبيرة خاصة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب الأعمال الحرة.
ومن هذه الآثار:
التأثير المالي: حيث إن القرارات التي تزيد من التكاليف مثل فرض الضرائب المرتفعة أو زيادة نسب فوائد التمويل يمكن أن تخنق هذه الشركات والمؤسسات الصغيرة.
وغالبًا ما تعمل هذه الشركات بهوامش ربح ضئيلة جدًا، لذا حتى الزيادات الطفيفة في التكاليف يمكن أن تجعلها غير قادرة على المنافسة أو حتى تجبرها على الإفلاس والإغلاق، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تؤدي القرارات التي تعطي الأفضلية للشركات الكبيرة إلى تقليل حصة السوق للمؤسسات الصغيرة والناشئة، مما يؤثر على إيراداتها وأرباحها.
التأثير على النمو والابتكار:
عندما تكون هناك قرارات غير عادلة وغير منصفة، قد تفقد هذه الشركات الحافز للاستثمار في النمو والابتكار، وقد تخشى المخاطرة أو التوسع إذا شعرت بأنها غير قادرة على المنافسة على قدم المساواة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العام، حيث إن الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة غالبًا ما تكون محركات رئيسية للابتكار وتوفير فرص العمل.
التأثير على التوظيف:
المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي مساهم رئيسي في توفير فرص العمل، فعندما تواجه هذه الشركات صعوبات بسبب القرارات المجحفة، فإنها قد تضطر إلى تسريح الموظفين أو تقليل العمالة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل، خاصة في المجتمعات التي تعتمد على هذه الشركات كمصدر رئيسي للوظائف.
تثبت القرارات المجحفة “المدمرة” أنها توفر بيئة عمل غير عادلة وغير صحية، مما يؤثر سلبًا على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأعمال الحرة بشكل عام، وهذا لا يؤثر فقط على هذه الشركات، بل يؤثر كذلك على الاقتصاد والمجتمع ككل.
ويمكننا القول إن القرارات التي تخص “الباحثين عن عمل” لا تخص جهة معينة فحسب؛ بل يتطلب مشاركة واسعة من جهات مختلفة، وليس حكرًا على جهة محددة بعينها.
ويجب أن تشمل المشاركة جهات مثل الغرف التجارية التي تمثل القطاع الخاص ورجال الأعمال، كذلك مشاركة مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل على تعزيز البحث العلمي والمساهمة في تقدم وتثقيف المجتمع،
وأصحاب الأعمال الذين يستفيدون من نتائج الأبحاث ويساهمون في تمويلها، ومشاركة مؤسسات التعليم العالي مثل الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية حتى تقوم بإجراء الأبحاث وتدريب الباحثين.
وأخيرًا الجهات الحكومية الأخرى التي تضع السياسات وتوفر التمويل والدعم اللازم.
هذا التعاون بين هذه الجهات مجتمعة بلا شك يضمن أن تكون القرارات شاملة ومتوازنة وناجعة، وتعكس احتياجات جميع الأطراف المعنية.
ودعم الحكومة للمؤسسات الصغيرة والناشئة ماديًا ومعنويًا وتدريبيًا يمكن أن يلعب دورًا حيويًا في توفير فرص عمل للباحثين.
هذه المؤسسات غالبًا ما تكون أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع متطلبات السوق المتغيرة، مما يسمح لها بتوفير وظائف جديدة بسرعة دون الحاجة لقرارات مجحفة ومتسرعة بإلزامهم بالتوظيف، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تستهدف هذه المؤسسات قطاعات معينة أو مجالات متخصصة، مما يوفر فرص عمل متنوعة ومناسبة لمختلف المهارات والخبرات.
من خلال توفير الدعم المالي، والتسهيلات التنظيمية، والتدريب، يمكن للحكومة أن تشجع على نمو هذه المؤسسات، مما يساهم في تقليل معدلات الباحثين، وتعزيز التنمية الاقتصادية.
يتطلب من الحكومة المضي قدمًا نحو اتخاذ قرار مهم في دعم رواتب العاملين في قطاع المؤسسات الصغيرة والناشئة لما لها من فوائد متعددة، ومنها أن ضمان هذا الدعم هو استقرار لدخل العاملين المواطنين، مما يساعدهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية ويقلل من العجز المالي.
ويعزز هذا الدعم الإنفاق الاستهلاكي؛ حيث يميل العاملون إلى إنفاق جزء أكبر من دخلهم، مما يحفز النمو الاقتصادي وينعش الحركة التجارية.
ويساعد الدعم في الحفاظ على الوظائف؛ حيث يقلل من احتمالية تسريح العمال بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة والأعمال الحرة.
بالتأكيد يساهم هذا الدعم في تحقيق التوازن الاجتماعي وتقليل الفجوة بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع.
ويعزز هذا الإجراء توفير فرص العمل، فعندما تكون الشركات قادرة على تحمل تكاليف التوظيف بسهولة أكبر، فإنها تكون أكثر استعدادًا لتوظيف المزيد من العمالة الوطنية؛ مما يساهم في تقليل أعداد الباحثين، وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
دعم الرواتب يمكن أن يساعد في استقرار الشركات الناشئة وتطورها وتقدمها، فغالبًا ما تواجه هذه الشركات صعوبات في بداية طريقها، وقد يكون لديها تدفق نقدي محدود، ومن خلال تحمّل جزء من تكاليف الرواتب، يمكن للحكومة أن تمنح هذه الشركات فرصة أفضل للاستمرار والنجاح في سوق العمل.
إن رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة هم بمثابة البذور التي تنبت في حديقة الاقتصاد، ولكي تنمو هذه البذور وتزدهر، فإنها تحتاج إلى رعاية خاصة وعناية من قبل الجهات المسؤولة في الدولة.
“القرارات المدمرة أو القاتلة” تصبح أحيانًا أداة لتبرير ضعف إدارة المؤسسة وعدم قدرتها على إيجاد حلول أخرى جديدة ومبتكرة؛ فمثلًا عندما تواجه الجهات المعنية صعوبة في معالجة قضية “الباحثين عن عمل”، فإنها تلجأ إلى اتخاذ قرارات تبدو في الظاهر وكأنها حلول، لكنها في الواقع تعكس ضعفًا في الإدارة وعدم القدرة على إيجاد حلول مبتكرة أكثر فعالية واستدامة.
هذه القرارات غالبًا ما تكون بمثابة “حلول سريعة” ووقتيّة تهدف إلى إخفاء القضية الكبرى الأساسية والمشاكل الداخلية للمؤسسة، مثل ضعف الإدارة، وعدم القدرة على الابتكار، والافتقار إلى التخطيط الاستراتيجي، وبدلًا من معالجة الأسباب الجذرية لقضايا المجتمع والمواطن، تكتفي الإدارة باتخاذ إجراءات مؤقتة قد تفاقم المشكلة على المدى الطويل.
أخيرًا…
القرارات غير المدروسة يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على جميع المستويات؛ على مستوى الوطن قد تتسبب في أزمات اقتصادية أو اجتماعية، مثل ارتفاع معدلات “الباحثين عن عمل” أو التضخم.
وبالنسبة للمواطنين، يمكن أن تؤثر هذه القرارات على مستوى معيشتهم، وتقلل من فرصهم في الحصول على عمل.
أما على مستوى المؤسسات الصغيرة والناشئة، فقد تؤدي القرارات غير المدروسة إلى إفلاسها أو تقليل قدرتها على النمو والتطور والاستمرارية؛ مما يؤثر على الاقتصاد بشكل عام.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي القرارات غير المدروسة إلى فقدان الثقة في مؤسسات الدولة، مما يزيد من التوتر الاجتماعي ويضعف من التعاون والتعاضد والتكاتف بين مختلف أفراد المجتمع.
لذلك من الضروري أن يتم اتخاذ القرارات بعد دراسة متأنية وتقييم شامل للعواقب المحتملة، لضمان تحقيق أفضل النتائج للجميع ويصب في مصلحة الوطن والمواطن.