حماية الأطفال من المخاطر وتمكينهم من بيئة آمنة في العصر الرقمي – الوطن

سيد حسين القصاب
حماية الأطفال في البيئة الرقمية تُعدّ أولوية استراتيجية خليجية
جهود خليجية لتبادل التجارب وتعزيز التعاون في هذا المجال
“الداخلية”: البحرين أسست إدارات متخصصة كوحدة حماية الطفل
عُمان أطلقت مبادرات تشريعية وتنفيذية لبيئة آمنة لنمو الأطفال
في خطوة تعكس التزام دول مجلس التعاون الخليجي بتعزيز حماية الطفل في العصر الرقمي، شارك عدد من المسؤولين والخبراء في جلسة حوارية متخصصة بعنوان “حماية الأطفال في العالم الرقمي”، وذلك بحضور وزير التنمية الاجتماعية أسامة العلوي. وشهدت الجلسة استعراضاً لتجارب وطنية رائدة ومبادرات نوعية من مختلف دول المجلس، ركّزت على سُبل الوقاية من المخاطر الإلكترونية، وتعزيز التوعية المجتمعية، وتكامل الجهود التشريعية والتقنية لضمان بيئة رقمية آمنة للأطفال، وأكدت تجارب دول مجلس التعاون الخليجي أهمية تكثيف الجهود الإقليمية لحماية الأطفال من المخاطر المتزايدة التي يشهدها العالم الرقمي، لاسيما في ظل تنامي التهديدات الإلكترونية التي تستهدف الطفولة.
وقد تناول المتحدثون في مداخلاتهم أبرز ما تحقق من إنجازات على الصعيدين المحلي والإقليمي، وأكدوا أهمية التعاون بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاعات التعليمية والأمنية لتحقيق المصلحة الفضلى للطفل، والحد من التهديدات التي قد يتعرض لها في الفضاء الإلكتروني.
وأعرب المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل ووزراء الشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، محمد العبيدلي، عن سعادته بافتتاح الجلسة الحوارية حول “حماية الأطفال في العالم الرقمي”، مشيداً بتكاتف الجهود الخليجية لتبادل التجارب وتعزيز التعاون في هذا المجال الحيوي. وأكد أن الجلسة تمثل منصة خليجية فاعلة لاستعراض المبادرات الوطنية في مجال حماية الطفل من مخاطر الرقمنة والتكنولوجيا، من منظور التنمية الاجتماعية، التي وصفها بأنها “جوهر العمل الاجتماعي وأساس بناء المجتمعات السليمة والمتوازنة”.
وأوضح العبيدلي أن التحول الرقمي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، وامتد تأثيره إلى كل بيت وأسرة وطفل، مشيراً إلى أن العالم يشهد ثمار هذا التحول في مجالات التعليم، والصحة، والتواصل، لكنه في المقابل يستوجب التعامل بوعي مع التحديات الاجتماعية التي تنشأ عنه، خصوصاً على فئة الأطفال، بصفتهم الفئة الأكثر هشاشة وتأثراً. وشدّد على أن المسؤولية لا تقتصر على الحماية من المخاطر الرقمية فحسب، بل تمتد إلى تمكين الأطفال من التفاعل الآمن والمتوازن مع العالم الرقمي، من خلال بيئة أسرية ومجتمعية داعمة، تشاركية، تساهم في بناء الشخصية وتعزيز القيم والمهارات. كما بيّن أن تبادل التجارب بين دول مجلس التعاون يفتح آفاقاً رحبة للتكامل، ويمنح صانعي القرار فرصة لبناء سياسات اجتماعية مستدامة، تسهم في توجيه التكنولوجيا لخدمة نمو الطفل المتكامل، ورفاهيته النفسية والاجتماعية.
من جهته، سلّط المندوب المراقب لمجلس التعاون لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف عبدالعزيز النصار الضوء على جهود دول مجلس التعاون في مجال حماية الطفل ومبادراتها السباقة. وأشار إلى ما حققته دول المجلس من خطوات متقدمة على مستوى التشريعات والتعاون الدولي، مؤكداً أن حماية الأطفال في البيئة الرقمية تُعدّ بالنسبة لها أولوية استراتيجية. وشدّد على تعزيز التعاون الدولي، وتقديم الدعم الفني للدول التي تواجه تحديات على هذا الصعيد، وعلى أهمية إبراز تجارب دول المجلس الغنية والمتنوعة باعتبارها تمثل قاعدة صلبة يمكن البناء عليها ونقلها إلى المستويين الإقليمي والدولي، بما يدفع نحو تعزيز حماية الطفولة في الفضاء السيبراني.
بدوره، أوضح مساعد رئيس الأمن العام لشؤون المجتمع بمملكة البحرين العميد عمار مصطفى، أن مشاركة مملكة البحرين في الجلسة الحوارية الخليجية “حماية أطفالنا في العالم الرقمي” شكلت فرصة مهمة لاستعراض تجربة المملكة، والتي تهدف إلى تعزيز حماية الطفل في ظل التحديات الإلكترونية المتسارعة. وبيّن أن ما يميز هذا الاستعراض هو تبادل الخبرات بين الدول الخليجية، حيث تمتلك كل دولة تجربتها الخاصة، مما يعزز من فرص التعاون الإقليمي للخروج بتوصيات من شأنها تطوير منظومة حماية الطفل، لاسيما في ظل التطورات التقنية المتلاحقة.
وأكد العميد مصطفى أن وزارة الداخلية أولت اهتماماً بالغاً بمجال الفضاء الإلكتروني، وأسست إدارات متخصصة بالحماية الإلكترونية، من ضمنها وحدة معنية بحماية الأطفال، وذلك انطلاقاً من قناعة راسخة بأن الأطفال هم جيل المستقبل، ويجب حمايتهم من التهديدات التي قد يتعرضون لها عبر الإنترنت والأجهزة الذكية. وأشار إلى أن من الضروري تنمية وعي الأطفال بطرق حماية أنفسهم، بالإضافة إلى تثقيف الأسر بشأن كيفية حماية أبنائها من مخاطر الفضاء الإلكتروني، مؤكداً أن التجربة البحرينية قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال، وأثمرت عن نتائج إيجابية.
وشدد على أن الجهود لن تتوقف، بل ستتواصل عجلة التطوير لمواكبة المستجدات، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحدياً جديداً يحمل في طياته العديد من الإيجابيات، لكنه في الوقت نفسه يفرض تهديدات اجتماعية تستوجب التعامل معها بحذر. وكشف أن مملكة البحرين من الدول السبّاقة في مجال الذكاء الاصطناعي، وأن وزارة الداخلية تعمل على تسخير الإمكانات التقنية لتعزيز الجوانب الإيجابية لهذه التكنولوجيا، مع وضع آليات لحماية الأطفال من آثارها السلبية المحتملة.
ولفت إلى وجود تعاون قائم مع وزارة التربية والتعليم لتضمين مفاهيم التوعية وحماية الطفل في المناهج الدراسية، من خلال برنامج “معاً” المعني بحماية الأطفال من العنف والإدمان، والذي يتم تدريسه حالياً في مختلف مدارس المملكة عبر منسوبي شرطة خدمة المجتمع، وتحديداً إدارة الوقاية من الجريمة.
ونوّه العميد مصطفى إلى أن التعاون مع وزارة التربية والتعليم مستمر، وأن الاجتماعات والتنسيق المتواصل يعكسان التزام الجانبين بتعزيز ثقافة الحماية والتوعية لدى النشء. واختتم بالإشارة إلى أن سرعة الاستجابة للبلاغات المتعلقة بحماية الأطفال عالية جداً، موضحاً أن هناك عدة قنوات لتلقي البلاغات، منها البريد الإلكتروني، والخط الساخن، إضافة إلى البلاغات الإلكترونية، مما يسهم في التعامل السريع والفعال مع مختلف الحالات.
من جهتها، أكدت المكلفة بالإشراف على أعمال مركز حماية الطفل بوزارة التنمية الاجتماعية بمملكة البحرين، فخرية السيد شبر، أن مشاركة الوزارة في الجلسة الحوارية المعنونة “حماية أطفالنا في العالم الرقمي” جاءت لعرض ورقة عمل بعنوان “حماية الأطفال في البيئة الرقمية: تجارب رائدة وناجحة”، والتي أبرزت الجهود الوطنية التي تبذلها وزارة التنمية الاجتماعية لحماية الأطفال من المخاطر الرقمية المتزايدة. وأوضحت أن مركز حماية الطفل يعد الجهة المركزية في المملكة لتلقي البلاغات المتعلقة بحالات الإساءة إلى الأطفال أو تعرّضهم للخطر، إلى جانب اضطلاعه بدور أساسي في التوعية والتثقيف المجتمعي.
وبيّنت فخرية السيد أن جهود المركز تستند إلى محورين رئيسيين من استراتيجيته، وهما: ضمان استجابة مجتمعية متكاملة لحماية الطفل، وتعزيز حقه في المعرفة من خلال حملات توعوية شاملة تستهدف الأطفال وأسرهم، بهدف توفير بيئة آمنة سواء في الواقع الفعلي، أو في الفضاء الرقمي. وتناولت مجموعة من المبادرات والجهود التي تقودها وزارة التنمية الاجتماعية، ومنها: اللجنة الوطنية للطفولة والاستراتيجية الوطنية للطفولة، بالإضافة إلى خط نجدة ومساندة الطفل، الذي يعمل على مدار الساعة لتلقي البلاغات، وتقديم خدمات الإرشاد، والدعم، والاستماع، وتحويل الحالات إلى الجهات المختصة عند الحاجة.
وأشارت إلى مبادرة “حماية”، التي أطلقتها الوزارة بالتعاون مع النيابة العامة خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2024، والتي هدفت إلى تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، والتصدي لمختلف التهديدات والعنف الموجّه للأطفال، بما في ذلك التصدي للشبكات الإلكترونية الإجرامية، ونشر ثقافة التربية السليمة الواعية. وأضافت أن ورقة العمل تناولت كذلك الآثار الإيجابية التي حققتها المبادرة، بما في ذلك رفع مستوى الوعي الأسري والمعرفي بكيفية حماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، وتمكين أولياء الأمور من مراقبة نشاطات أبنائهم وتوجيههم نحو استخدام آمن للتقنية.
ونوهت بأن الحملة ساهمت في توفير بيئة آمنة للأطفال، وزيادة وعيهم بأهمية الإبلاغ عن أي محاولة ابتزاز إلكتروني، بالإضافة إلى تعزيز ثقتهم بأنفسهم، ورفع قدرتهم على تحديد حدودهم الشخصية في العالم الرقمي. وكشفت أن المبادرة شجعت الأطفال على التحدث بحرية، وعلمتهم كيفية التعامل مع الآخرين بوعي وحذر، مما أسهم في تعزيز السلامة النفسية للأطفال، وزيادة قدرتهم على التبليغ في حال التعرض لأي خطر. كما أعلنت أن وزارة التنمية الاجتماعية نفذت بالتعاون مع الجهات المعنية 113 برنامجاً تدريبياً خلال فترة الحملة، تنوعت ما بين ورش عمل وندوات ومحاضرات، بهدف توسيع قاعدة المستفيدين من برامج التوعية، واستهداف شركاء المجتمع المدني والمؤسسات التربوية والاجتماعية.
من جهته، أكد وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية بالإنابة، والوكيل المساعد للتنمية الاجتماعية د.خالد العجمي، أن موضوع الجلسة الحوارية حول حماية الأطفال في العالم الرقمي يُعد من الأولويات التي تحظى باهتمام واسع على المستويين المحلي والإقليمي، نظراً لتزايد التحديات التي يفرضها الفضاء الإلكتروني، خصوصًا على فئة الأطفال.
وأوضح أن من أبرز هذه التحديات ما يتعلق بمخاطر الإنترنت، مشيراً إلى أن الأطفال أصبحوا اليوم أكثر عرضة للهجمات الرقمية المتنوعة، مثل الاستغلال الجنسي، والاحتيال، والتنمر الإلكتروني، وغيرها من أشكال الانتهاكات التي تتطلب تعزيز آليات الوقاية والحماية. وبيّن أن هذه الجلسة تسلط الضوء على التهديدات الرقمية المعقدة التي تواجه الطفل في البيئة الافتراضية، وهو ما يستدعي تكثيف العمل المشترك لتطوير خطط وقائية تسهم في تحصين الأطفال من أي سلوك أو محتوى يؤثر في أفكارهم وسلوكياتهم.
وأشار العجمي إلى أن انعقاد مثل هذه الجلسات الحوارية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يُمثّل فرصة ثمينة لتبادل الخبرات واستعراض التجارب الوطنية، بما ينعكس إيجاباً على الجهود المبذولة في حماية الأطفال، ورفع مستوى وعيهم، وتعزيز قدرتهم على الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا.
وشدّد على أن المخرجات والتوصيات القابلة للتنفيذ تمثل ركيزة مهمة في تطوير سياسات وآليات وقائية فعالة، تواكب التغيرات السريعة التي يشهدها العالم الرقمي، وتسهم في بناء بيئة آمنة ومناسبة لنمو الأطفال معرفيًا ونفسياً واجتماعياً.
من جهة أخرى، استعرضت رئيس قسم الرعاية البديلة بدائرة شؤون الطفل بسلطنة عمان، أ.عائشة البحرية، أبرز ملامح تجربة السلطنة في مجال حماية الأطفال في الفضاء الرقمي، مؤكدة أن عُمان قدّمت نموذجاً رائداً على المستويين المحلي والعربي، من خلال جهود تشريعية وتنفيذية متكاملة. وبيّنت أن السلطنة أولت اهتماماً كبيراً بالجانب القانوني، حيث عملت على تطوير قوانين وتشريعات وطنية لحماية الطفل من مخاطر العالم الرقمي، مشيرة إلى أن هذه الجهود تنسجم مع رؤية عُمان 2040 التي تسعى إلى بناء مجتمع رقمي آمن وشامل.
وأوضحت البحرية أن سلطنة عمان نفذت عدداً من المبادرات النوعية، من بينها تنظيم الهاكثونات التقنية، التي جمعت المبرمجين والمختصين للعمل على تطوير حلول تكنولوجية لحماية الأطفال من التهديدات السيبرانية، في إطار تعزيز الأمن الرقمي. وأكدت أن من بين المبادرات البارزة أيضاً، مشروع المختبر الوطني الذي أُطلق في عام 2024، مشيرة إلى أن هذا المختبر اعتمد نهجاً تشاركياً فريداً، حيث شمل في تشكيله مؤسسات حكومية، وقطاعاً خاصاً، ومؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى الأطفال أنفسهم. كما أضافت أن إشراك الأطفال في هذا المختبر جاء بهدف التعرف على آرائهم واستقصاء المؤشرات المهمة المتعلقة باستخدامهم للفضاء الرقمي، مما يعكس حرص سلطنة عمان على تطوير سياسات تستند إلى احتياجات الطفل ورؤيته، وتعزز حمايته في العالم الافتراضي.