اخبار الإمارات

الحرمان من «السوشيال ميديا».. تدبير عقابي رادع لمرتكبي جرائم سيبرانية

عاقبت محاكم جزائية ومدنية في الدولة مدانين بارتكاب جرائم سيبرانية مختلفة بتدابير استهدفت الحد من خطورتهم، وصلت إلى المنع من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لفترات متفاوتة.

وقال قانونيان إن هذا الإجراء الجزائي يمثّل رادعاً إضافياً للحكم الأساسي، في ظل تنامي التهديدات الناجمة عن الجرائم الإلكترونية، ويمس في جوهره جانبين أساسيين، الأول تأديبي للشخص المتورط في هذه الجرائم، والثاني تأهيلي له حتى يتبين الحد الفاصل بين ما هو مسموح به قانوناً، وما هو غير شرعي.

وأضافا أن خرق هذا التدبير القضائي، أو محاولة الالتفاف عليه من قبل الشخص المُدان، يُعرّضانه لعقوبة أشد تصل إلى الحبس والغرامة، لأن التدبير إجراء للردع، وعدم الالتزام به يعكس إصراراً على عدم التقيد بالقانون.

وتفصيلاً، رصدت «الإمارات اليوم» أحكاماً عدة، تضمنت عقوبات صارمة وتدبيراً جزائياً بحق مدانين في جرائم سيبرانية، شملت السب باستخدام إحدى وسائل تقنية المعلومات، والاحتيال الإلكتروني.

وتضمنت إحدى القضايا جريمة تورط فيها شخصان إفريقيان استدرجا شخصاً عبر الإنترنت بعد إغرائه ببيعه دراجة نارية بسعر جذاب، وطلبا منه تحويل عربون للصفقة، فوافق وحوّل المبلغ، وبمرور الوقت واصل الزبون المتعطش للصفقة تحويل مزيد من الأموال حتى تجاوز إجمالي المبلغ الذي حوّله ضعف قيمة السعر المتفق عليه، واستفاق بعد فوات الأوان حين طلبا منه تحويل دفعة إضافية، وأبلغ الشرطة التي أجرت تحرياتها وألقت القبض عليهما.

وتبين من خلال التحقيقات أنهما احترفا استدراج الضحايا بهذه الطريقة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأُحيلا إلى النيابة العامة في دبي، ومنها إلى محكمة الجنح التي عاقبتهما بالحبس ستة أشهر، وأضافت تدبيراً إضافياً هو الحرمان من استخدام الإنترنت لمدة ستة أشهر تبدأ بعد تنفيذ العقوبة.

وشملت الحالات كذلك حكماً قضت به محكمة الجنح في دبي بإدانة امرأة آسيوية بتهمة السب والقذف عبر وسيلة من وسائل تقنية المعلومات، وعاقبتها بغرامة 3000 درهم عمّا أُسند إليها، ومصادرة الهاتف محل الجريمة، كما أمرت بحذف عبارات السب محل تلك الواقعة من جميع شبكات التواصل الاجتماعي، وحرمانها من استخدام الشبكة المعلوماتية شهراً واحداً، يبدأ من تاريخ نهاية الحكم.

وطال التدبير ذاته شخصاً أرسل رسالة غاضبة إلى آخر عبر تطبيق «واتس أب» وصفه فيها بالغشاش والمخادع، فلم يتحمل المتلقي الأمر وسجل بلاغاً جنائياً ضده، ووجهت إليه النيابة العامة ارتكاب جريمة السب عن طريق وسيلة من وسائل تقنية المعلومات، وأحالته إلى محكمة الجنح التي عاقبته بالغرامة ومصادرة الجهاز المستخدم في الجريمة، وحرمانه من استخدام الشبكة العنكبوتية ستة أشهر، وتم تأييد الحكم في جميع درجات التقاضي اللاحقة.

وقال المحكم والمستشار القانوني، محمد نجيب، إن التدابير الجزائية التي توقع على المدانين في بعض الجرائم السيبرانية تشمل المنع من استخدام الإنترنت، أو منصات التواصل الاجتماعي لفترات معينة، وتعكس حرص المشرّع على ضرورة إبعاد المجرمين عن الأداة التي يستخدمونها في استدراج ضحاياهم.

وأضاف أن المحاكم تقضي عادة بهذه التدابير العقابية على الأشخاص المدانين في قضايا مثل السب أو إثارة الكراهية، وكذلك الاحتيال الإلكتروني، لأنه إضافة إلى الحكم الأساسي، سواء كان الحبس والغرامة، فإن الحرمان من استخدام الإنترنت أو شبكات التواصل يخفف من الأذى النفسي الذي تعرض له الضحية، الذي ربما يكون رقيباً بنفسه على مدى التزام المدان بالتدبير الموقع عليه.

وأوضح أن المادة رقم (59) من المرسوم بقانون رقم (34) في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، تناولت كل ما يتعلق بالتدابير الجزائية المتعلقة بالجرائم السيبرانية، إذ تنص على أنه يجوز للمحكمة عند الحكم بالإدانة في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أن تقضي بتدابير، منها الأمر بوضع المحكوم تحت الإشراف أو المراقبة الإلكترونية، أو حرمانه من استخدام أي شبكة أو نظام معلومات إلكترونية، أو أي وسيلة تقنية أخرى، بل تتضمن التدابير وضع المجرم في مأوى علاجي أو مركز تأهيل للمدة التي تراها المحكمة مناسبة، وهذا يمكن تطبيقه بحق المتورطين في تهم تعكس نوعاً من الإدمان الإلكتروني، وتمتد كذلك إلى إغلاق الموقع المخالف كلياً أو جزئياً، أو حجبه.

وحول الموقف القانوني في حالة عدم التزام المدانين بالتدابير المقررة بحقهم، أفاد بأن القانون تناول هذا الجانب في المادة رقم (59) التي تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على 5000 درهم، كل من خالف أي تدبير من التدابير المحكوم بها، وللمحكمة أن تأمر بإطالة التدبير مدة لا تزيد على نصف المدة المحكوم بها، ولا تزيد في أي حال على ثلاث سنوات، أو أن تستبدل به تدبيراً آخر.

بدوره، قال المحامي الدكتور عبدالله آل ناصر إنه في ظل التنامي المتسارع لاستخدام الفضاء الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، تبرز الحاجة المُلحة إلى تفعيل أدوات قانونية متقدمة لمجابهة التحديات التي تفرضها الجرائم الإلكترونية، لاسيما تلك التي تستهدف السلم المجتمعي أو تقوّض الأمن المعلوماتي للدولة. ومن أبرز هذه الأدوات، ما أقرّه المشرّع الإماراتي من تدبير قضائي يتمثّل في الحرمان من استخدام الإنترنت أو منصات التواصل الاجتماعي، وهو إجراء يحمل من الجدية والحزم ما يجعله ركيزة في المنظومة الجزائية الحديثة.

وأضاف أن المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، نصّ على جواز أن تأمر المحكمة بحرمان المحكوم عليه من استخدام الوسائل الإلكترونية، كلياً أو جزئياً، متى ثبت أن هذه الوسائل كانت أداة للجريمة، ويُعدّ هذا التدبير في جوهره وقائياً ذا طبيعة مزدوجة، تأديبية من جهة، وتأهيلية من جهة أخرى، إذ يُسهم في منع تكرار السلوك الإجرامي، ويقطع الصلة بين الجاني والأداة التي استُخدمت في ارتكاب الجرم.

وأكد أن عدم الالتزام بهذا التدبير يشكل خرقاً لأوامر قضائية واجبة الاحترام، ويواجه الشخص غير الملتزم عقوبات أشد، بما في ذلك الحبس والغرامة، بل قد يُعدّ ظرفاً مشدداً عند العودة.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *