لقد أثارت الهزة الأرضية الأخيرة التي ضربت منطقة البحر الأبيض المتوسط، والتي باتت تُعرف بـ”زلزال المتوسط”، موجة من القلق والتساؤلات حول مدى استعدادنا لمواجهة الكوارث الطبيعية، ففي منطقة تُعد من أكثر مناطق العالم نشاطا زلزاليا، لا يزال شبح الزلازل الكبرى يلوح في الأفق، مذكرا بضرورة اليقظة والتأهب الدائم، ولكن هل حقاً علينا الخوف من القادم وهل ما شهدناه مجرد بداية الكارثة أم أنها حوادث عابرة ومطمئنة.

ـ باحث جيولوجي يقدم تشخيصاً عميقاً لـ”زلزال المتوسط”

تُعد منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط نقطة التقاء لصفائح تكتونية كبرى الصفيحة الأفريقية، الصفيحة الأوراسية، والصفيحة العربية مما يجعلها عرضة للنشاط الزلزالي بشكل مستمر.

ورغم أن الهزة الأخيرة لم تتسبب بأضرار جسيمة أو خسائر بشرية واسعة النطاق، إلا أنها كانت بمثابة جرس إنذار قوي، أعادت إلى الأذهان ذكريات مؤلمة لزلازل مدمرة ضربت المنطقة في الماضي القريب والبعيد.

باحث جيولوجي يقدم تشخيصاً عميقاً لـ”زلزال المتوسط”.. هل نفهم ما يدور تحت أقدامنا أخيراً

ولفهم أعمق لما يجري في المتوسط، تواصلت وكالة “ستيب نيوز” مع البروفيسور محمد الفرجات، أستاذ الجيولوجيا والبيئة والجيوفيزياء الاستكشافية في جامعة الحسين بن طلال في الأردن، حيث قدم لنا توضيحاً عميقاً ومطمئناً في ذات الوقت لما يجري في المتوسط.

وقال البروفيسور محمد الفرجات: في ضوء الهزات الأرضية المتكررة التي شهدتها منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط خلال الأسابيع الأخيرة من مايو وأوائل يونيو 2025، والتي شعر بها سكان مصر، تركيا، سوريا، لبنان، قبرص، اليونان والأردن، ومع تسجيل نشاط بركاني ملحوظ في جنوب إيطاليا (جبل إتنا وفولكانو)، تزايد القلق الشعبي والتساؤلات حول ما إذا كانت هذه الظواهر مترابطة وتشير إلى مرحلة نشطة وخطرة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وعليه أكمل موضحاً:

شهدنا في الأسابيع الأخيرة عدة زلازل متوسطة القوة (بين 5.2 6.6 درجات) في جنوب تركيا، جزيرة رودس، سواحل قبرص، جنوب اليونان، هذه الزلازل شعر بها سكان القاهرة، والإسكندرية، وعمّان، وبيروت، ودمشق.

وأوضح أنه بالرغم من أن معظم هذه الزلازل لم تكن مدمرة، إلا أن تكرارها وقرب مراكزها من مناطق مأهولة أثار القلق العام.

أما فيما يتعلق بأن الأمر ربما كان مرتبط بشي غير طبيعي في البحر المتوسط؟، فقال الفرجات: علميا، تقع الزلازل الأخيرة ضمن النطاق المتوقع لنشاط المنطقة، لكنها تؤكد أننا نمر بمرحلة نشطة جيولوجيا ضمن حدود 4 صفائح رئيسية تتقارب وتتصادم.

وبالتالي ما يحدث حالياً، وفقاً لـ الفرجات، مايلي:

الصفيحة الإفريقية: تتحرك شمالا باتجاه الصفيحة الأوروآسيوية بسرعة تقارب 5 مم/سنة، مسببة تصادما عند الحافة الجنوبية لأوروبا.

والصفيحة الأوروآسيوية: تتحرك جنوبا بشكل طفيف، وتُعد القاعدة الشمالية الثابتة نسبيا للحزام الزلزالي في أوروبا.

الصفيحة الأناضولية: صفيحة صغيرة نسبيًا تضغط عليها الصفيحة العربية من الشرق، فتتحرك غربًا بسرعة تقارب 2025 مم/سنة، على امتداد صدع شرق الأناضول، وهو ما يفسر النشاط الزلزالي العنيف في تركيا.

الصفيحة العربية: تتحرك باتجاه الشمال والشمال الشرقي بسرعة تُقدّر بحوالي 9 مم/سنة، وتصطدم بالصفيحة الأوروآسيوية عند جبال زاغروس، وتتحرك أيضًا على امتداد صدع البحر الميت التحويلي باتجاه الشمال الشرقي بالنسبة للصفيحة الأفريقية.

هذا التفاعل يولّد نشاطا زلزاليا بحريا نشطا على طول الصدوع المحيطة بقبرص، رودس، كريت، وجنوب اليونان، وكذلك ضغطًا تكتونيًا داخليًا على صدوع اليابسة في تركيا وبلاد الشام ولبنان، بحسب ما أوضحه الفرجات.

وهنا يبرز السؤال الأهم عن البركان النشط في إيطاليا وهل له صلة بهياج المتوسط، حيث قال الفرجات: نشاط جبل إتنا في صقلية وبركان فولكانو هو جزء من النظام الجبلي النشط في الحافة الجنوبية لأوروبا.

وأضاف: رغم أن الزلازل والبركان ينتميان إلى نفس الحزام الجيولوجي التكتوني، فإن الربط الزمني لا يعني ترابطًا مباشرًا سببيًا، أي أن حدوث الزلزال لا يسبب فورًا ثوران البركان أو العكس.

وتابع: لكن تعدد مراكز النشاط (زلازل + براكين) في أكثر من نقطة يعكس إعادة توزيع طاقة تكتونية مخزنة عبر مناطق التقاء الصفائح، ويؤشر على مرحلة نشطة نسبيًا في حوض المتوسط.

وفي خضم كل ما سبق، يبرز السؤال الأهم بالنسبة لسكان الأردن ومصر وشرق المتوسط، ماذا يعني هذا؟

وللإجابة على السؤال، قال الفرجات: الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا تقع على امتداد صدع البحر الميت التحويلي، وهو الحد التكتوني الفاصل بين الصفيحة العربية والصفيحة الأفريقية.

ومضى قائلاً: تتحرك الصفيحة العربية شمالًا وشمال شرق بسرعة تقارب 9 مم/سنة بالنسبة للصفيحة الأفريقية، ما يولد ضغطًا تكتونيًا تراكميًا قد يتحرر بهزات متوسطة أو قوية.

وأكمل: مصر تقع داخل الصفيحة الأفريقية، وتتأثر بالزلازل البحرية في شرق المتوسط وخليج العقبة، لكنها بعيدة نسبيا عن الحدود الصفيحية النشطة.

وأشار إلى أن الاحتمالية واردة لزلازل محسوسة في المنطقة، خصوصا في سواحل المتوسط، وخليج العقبة ولبنان، لكن لا توجد مؤشرات علمية حالية لزلزال مدمر وشيك.

وفي ختام حديثه، قدم الفرجات مجموعة من التوصيات العلمية، جاءت على النحو التالي:

1. تعزيز المراقبة الزلزالية والإعلام الجيولوجي، وربط الشبكات الوطنية إقليميًا بشكل فعال.

2. تحديث كودات البناء الزلزالي في المناطق الحساسة، خاصة في العقبة، شمال فلسطين، لبنان، ومناطق امتداد صدع البحر الميت.

3. تحفيز التوعية المجتمعية المدروسة حول السلوك الآمن أثناء الزلازل، خصوصًا في المدارس والمراكز المجتمعية.

4. دعم البحث العلمي الجيوفيزيائي والجيوديناميكي في الجامعات والمراكز الوطنية لرصد وتحليل سلوك الصفائح والصدوع.

وأكد في الختام، ما نشهده في البحر المتوسط هو نشاط تكتوني طبيعي ومتكرر تاريخيًا، يحدث نتيجة تراكم وضغط الصفائح التكتونية على مدى آلاف السنين.

وشدد على أن الزلازل ليست جديدة على المنطقة، لكنها تذكّرنا دومًا بضرورة احترام الطبيعة، والتأهب الذكي، وتوظيف العلم في خدمة المجتمعات.

وطمأن الفرجات في حديثه الرأي العام أن هذه الظواهر مرصودة بدقة من قبل مراكز الرصد المحلية والإقليمية، ولا مؤشرات علمية حتى الآن لحدوث زلزال مدمر مفاجئ، لكن التحصينغ العمراني، والوعي المجتمعي، والتخطيط المسبق ضرورة لا غنى عنها.


باحث جيولوجي يقدم تشخيصاً عميقاً لـ"زلزال المتوسط".. هل نفهم ما يدور تحت أقدامنا أخيراً
باحث جيولوجي يقدم تشخيصاً عميقاً لـ”زلزال المتوسط”.. هل نفهم ما يدور تحت أقدامنا أخيراً

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.